يعتبر بول بريمر حاكم سلطة الائتلاف المؤقتة في العراق بعد الاحتلال الأمريكي له، أول من طرح فكرة حكومة تكنوقراط فيه، ونظرًا لتعارض هذه الفكرة مع مصالح الطبقة السياسية العراقية الجديدة تم الاستعاضة عنها بفكرة مجلس الحكم العراقي الذي تشكل في 12 تموز/يوليو عام 2003م. وبعد سن الدستور العراقي في 15 تشرين الأول/أكتوبر عام 2005م، حيث اعتمد العراق نظام حكم برلماني قائم على المحاصصة السياسية والطائفية، ويكون لرئيس الوزراء الولاية الفعلية في إدارة شؤون البلاد. وبعد مضي أكثر من عشرة أعوام على إقرار هذا النوع من النظام السياسي “النيابي”، والعراق يعاني العديد من أزمات على جميع المستويات والتي كانت سببا في الإطاحة بحكومة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي والمجيء بحيدر العبادي رئيسا للوزراء في 12 آب/أغسطس عام 2014م خلفًا له، حيث لم يستطع حل تلك الأزمات وفق النظام السياسي المعمول به في العراق.
ولتجاوز أزمات النظام السياسي العراقي من وجهة نظر رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي لابد من تغيير الأسلوب الذي تتشكل على أساسه الحكومة العراقية والاعتماد على أسلوب آخر. فوفق معلومات خاصة لقناة التغيير العراقية أبلغ حيدر العبادي رئاسة الجمهورية بأنه ينوي إحداث تغيير شامل في تركيبة حكومته وإعادة تشكيلها على أساس تكنوقراطي، بحيث لا يتجاوز عدد الوزراء في الحكومة الذي يراد تشكيلها عن خمسة عشر وزيرًا. ولتشكيل حكومة تكنوقراط يتطلب من حيدر العبادي الحصول على تفويض من مجلس النواب العراقي.
ولأن فكرة تشكيل حكومة تكنوقراط تأتي من خارج صندوق النظام السياسي العراقي الذي تأسس بعد عام 2003م، فلابد أن يكون لها مؤيدين ومعارضين، فالمؤيدون لهذه الفكرة وعلى المستوى الداخلي العراقي بعض التيارات داخل دولة القانون، وعلى المستوى الإقليمي النظام الإيراني، فقد أبلغ قاسم سليماني تأييد نظامه فكرته وبقائه في الحكم، وعلى المستوى الدولي، فقد رحبت الولايات المتحدة الأمريكية بتشكيل هذه الحكومة عبر سفيرها في العراق ستيورات إي. جونز الذي التقى بالكتل وبعض المسؤولين العراقيين وأبلغهم بالموقف الأمريكي من حيدر العبادي، وينسحب هذا الموقف الدولي منه، على بعض سفراء الدول الغربية في العراق التي تؤيد موقف الولايات المتحدة الأمريكية من تشكيل حكومة تكنوقراط.
أما المعارضون لفكرة حيدر العبادي فهم من القوى السياسية العراقية كالمجلس الأعلى الإسلامي العراقي برئاسة السيد عمار الحكيم والتيار الصدري برئاسة السيد مقتدى الصدر، واتحاد القوى برئاسة سليم الجبوري الذي يشغل حاليا منصب رئيس مجلس النواب العراقي، والقائمة الوطنية الدكتور إياد علاوي.ومن المفيد الإشارة هنا أن المعارضة ليست رافضة للفكرة بحد ذاتها وإنما آلية تطبيقها، فهم يرفضون أن يقوم رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بمفرده في اختيار أعضاء الحكومة التكنوقراطية، ويطالبون بدلًا عن ذلك إما أن تشارك جميع القوى السياسية العراقية في تشكل الحكومة أو يتم تشكيل مجلس سيادي يرسم السياسات الاستراتيجية في البلاد.
وهناك من يرى أن مجلس النواب هو المعني في تشكيل حكومة تكنوقراط وليس رئيس الوزراء حيدر العبادي، وهناك من ذهب إلى أبعد من ذلك اذ اشترط عدم ترأس حيدر العبادي تكنوقراط، لأن هكذا نوع من الحكومات يكون رئيس وزرائها وزرائها من السياسيين المستقلين والمهنيين، وبذلك ستفقد هذه الحكومة أي مصداقية إذا كان رئيسها حيدر العبادي الذي ينتسب إلى حزب الدعوة.
رئيس الوزراء العراقي بهذا التوجه الجديد في تشكيل الحكومة العراقية سيعرض على مجلس النواب مجموعة من الأسماء الذي اختارها لتشكيل حكومته الجديدة والتي من خلالها يستطيع أن يحقق الإنجازات على المستوى الداخلي والخارجي، وبغير ذلك – من وجهة نظر رئيس الوزراء -ستستمر دورات الأزمات في المشهد العراق برمته. والسؤال الذي يطرح في هذا السياق والعراق يعيش مخاض عسير على كافة المستويات، هل ستستطيع القوى السياسية العراقية في التوصل بنهاية الأمر إلى توافق خلاق لحل لخلافاتهم من أجل عراق أفضل، أم أن التعثر والتمزق هو عنوان العراق البارز ما بعد عام 2003م؟.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية