لا فائدة اقتصادية ترتجى من البرنامج الإيراني النووي: فهو يمد طهران بـ 2 في المئة من موارد الطاقة، لكن كلفته مئات البلايين من الدولارات. وشاغل المراقبين هو: هل يسعى قادة إيران الى قدرات نووية عسكرية أم الى حيازة قنبلة ذرية؟ أُرجح كفة الاحتمال الأول على الثاني. وعلى خلاف نظام الشاه الذي تصدرت أولوياته مصالح ايران القومية، أولويات الجمهورية الإسلامية وثيقة الصلة بالعقيدة الثورية: معاداة أميركا ولفظ اسرائيل. وتخلف الأولويات الثورية آثاراً سلبية في أمن الإيرانيين وتقوّض رفاههم.
وتعلن القيادة الإيرانية أن الأنظمة التي تنازلت طوعاً عن طموحاتها النووية، على غرار ليبيا معمر القذافي خسرت موارد قوتها، وصارت هدف تدخلات خارجية، خلافاً لباكستان وكوريا الشمالية اللتين منحهما السلاح النووي حصانة. لذا، لن تتخلى إيران عن برنامجها النووي، ولكن إذا رجّحت كفة حيازتها السلاح الذري، الأغلب على الظن أن تتعرض لرد عسكري وتنديد دولي. وامتلاك سلاح نووي يدحض لازمة خامنئي القائلة إن مثل هذا السلاح يخالف معتقدات ايران الدينية. لذا، يُرجح أن طهران تسعى الى بلوغ العتبة النووية والقدرة على الانتقال السريع (breakout) الى مرحلة صناعة القنبلة الذرية. وتدور المفاوضات على تحديد المسافة الفاصلة عن هذه المرحلة، أي إبعاد إيران عن العتبة النووية.
وتبالغ الحكومة الإيرانية في تصوير الدعم الشعبي للبرنامج النووي دعماً مطلقاً، والدليل على مبالغتها حظرها تناول نقاش علني البرنامج. وينتهي الأمر بصحافيين وجامعيين يعارضونه الى السجن. فأستاذ العلوم السياسية، صادق زيبا كلام، طعن في الفائدة المرجوة منه، فحُكِم بالسجن 18 شهراً. وقبل نحو عقد من الزمن، كنت اعيش في ايران. ولاحظت ان معظم الناس ضاق ذرعاً بالكلام على المفاعلات واليورانيوم المخصب. واستثمر الرئيس حسن روحاني رأسماله السياسي كله في المفاوضات النووية. وخلافاً لخامنئي الذي يرى في الاتفاق النووي مصدر خطر جسيم، لا يخفى ان إبرام مثل هذا الاتفاق حيوي لمستقبل روحاني السياسي. ومنذ بداية عهد المرشد الأعلى قبل 25 سنة، لم يقدم أي تنازل يعتد به امام الولايات المتحدة. فالتنازل يقوض آصرته بنواة مؤيديه وينفخ في انتظارات المجتمع الإيراني الذي يتمنى تطبيع العلاقات مع أميركا. وطوال 3 عقود، زعم المسؤولون الإيرانيون ان العقوبات مفيدة وحميدة، وأنها تحمل ايران على السعي الى الاكتفاء الذاتي. واليوم، المسؤولون أنفسهم يقولون ان العقوبات ظالمة ويطالبون برفعها. فالضغط الاقتصادي- وهو كذلك من نتائج سوء ادارة عهد محمود احمدي نجاد (2005-2013)- حمل الجمهورية الإسلامية على تعديل سياسة التفاوض، ومع الوقت سيتضح لنا هل سيحملها على العدول عن استراتيجيتها النووية.
وشأن روسيا، يتنازع ايران شعوران متناقضان: جنون العظمة وشعور بالهشاشة وعدم الأمان. وهي تدعو الى معاملتها كقوة عظمى كونية وليس كقوة اقليمية فحسب. ووزنها السكاني وغناها بالموارد الطبيعية يخولانها الارتقاء قوة كبرى نامية والالتحاق بمجموعة الدول العشرين، على نحو ما فعلت تركيا. لكن هذا الارتقاء شرطه إدارة سياسية ناجعة.
منذ الثورة الإسلامية، جمع بين ايران والولايات المتحدة أعداء مشتركون: الاتحاد السوفياتي وصدام حسين؛ و «طالبان» أفغانستان، واليوم «الدولة الإسلامية». لكن التعاون بينهما لم يبلغ التفاهم الإستراتيجي، واقتصر على تعاون تكتيكي. وأعتقد بأن التعاون بينهما اليوم في مواجهة «الدولة الإسلامية» لن يتجاوز هذا الإطار. وثمة تباين بين إيران والدول العربية حول علة «داعش»، إذ ترى طهران انه الثمرة السامة للأيديولوجيا المتطرّفة ولأموال عربية. بينما ترى دول عربية أن التنظيم من عوارض استرقاق السنّة وردّهم على عنف ايران وحلفائها في دمشق وبغداد.
ولا شك في ان النظام الإيراني يقطف ثمار الفوضى في دول الجوار: القوى الوازنة في المنطقة منشغلة بشرور داخلية تنهشها وتقوض نفوذها الإقليمي، فتهب طهران لملء الفراغ الناجم عن انحسار نفوذ هذه الدول. وتنقل التلفزيونات الإيرانية مشاهد المجازر والاضطرابات في سورية والعراق التي تثني الإيرانيين عن المغامرة بالانتفاض أو هزّ الاستقرار السياسي.
ولم تعد إيران أوتوقراطية دينية بل هي اقرب اليوم الى نظام استبدادي عسكري. فوزن الباسدران (الحرس الثوري) الاقتصادي والسياسي راجح ومهيمن على دور السلك الديني. ولم يسعَ علي خامنئي إلى أن يستند حكمه الى مراجع دينية، فلجأ الى نهل مشروعيته من الثكن وليس من الندوات الدينية. ووراء الواجهة الدينية، صلة المجتمع الإيراني بالتديّن هي الأضعف في الشرق الأوسط، وفي عهد الحرب الباردة، قيل ان انجع ترياق ضد الشيوعية هو العيش في كنفها. والقول هذا يصدق في الأنظمة الإسلاموية. نقلا عن الحياة
كريم ساجدبور
اعداد: منال نحاس
الحياة اللندنية
http://goo.gl/qLVXjJ