أصبحت الفنادق هدفاً جذاباً للجماعات الإرهابية، وهو ما تعكسه كثرة عدد الحوادث من هذا النوع على مدار السنوات الأخيرة، وكان آخرها يوم 26 فبراير 2016، حيث قُتل 12 شخصاً على الأقل في هجوم استهدف فندقاً في العاصمة الصومالية “مقديشو”، والذي تبنته حركة “الشباب” المتطرفة.
وتبقى خطورة ظاهرة “إرهاب الفنادق” في كون الأخيرة أهدافاً رخوة يسهل استهدافها من قبل التنظيمات المسلحة والمتطرفة، خاصةً أن طبيعة هذه الفنادق لا تتيح أن تتحول إلى “قلاع محصنة” في مواجهة تهديدها، بيد أنه يمكن اتباع عدد من الإجراءات الاحترازية للحد من مثل هذه الهجمات الإرهابية.
استهداف الفنادق.. حوادث عديدة
سبقت العملية الإرهابية التي استهدفت فندقاً في مقديشو نهاية الشهر الماضي، سلسلة من الحوادث المشابهة على الصعيد الأفريقي، سواء في الصومال أو غيرها من بلدان القارة السمراء. فمع مطلع العام 2016، فإن نحو 29 شخصاً ينحدرون من 18 جنسية مختلفة، أغلبهم غربيون من كندا وفرنسا وهولندا والبرتغال وسويسرا وأوكرانيا والولايات المتحدة، لقوا مصرعهم في هجوم شهده فندق “سبلانديد” بالعاصمة البوركينية “واجادوجو”، حيث أصدر تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بياناً، في حينه، تبنَّى فيه مسؤوليته عن هذا الهجوم.
وفي نوفمبر 2015، لقي نحو 21 شخصاً، بينهم أجانب، مصرعهم، في هجوم شنه مسلحون على فندق “راديسون بلو” في مالي، وقاموا خلاله باحتجاز ما يقرب من 170 شخصاً كرهائن، تمكنت لاحقاً قوات خاصة أمريكية وفرنسية من تحريرهم، وقد تبنَّى الهجوم تنظيم “المرابطون” بمشاركة مجموعة مرتبطة بالقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. وفي الشهر ذاته، قُتل 12 شخصاً على الأقل في هجوم فجر خلاله مسلحون مجهولون سيارة مفخخة أمام فندق “صحفي العالمي” في العاصمة الصومالية “مقديشو” الذي يرتاده عادة موظفون ورجال أعمال، وأعلنت حركة الشباب الإسلامية المرتبطة بتنظيم القاعدة مسؤوليتها عن الهجوم على الفندق.
وشهد فندق ومنتجع شاطئ البحر بمدينة سوسة التونسية، في 26 يونيو 2015، هجوماً مسلحاً نفذه شخص واحد، أسفر عن مصرع 38 شخصاً أغلبهم سائحون بريطانيون وبلجيكيون وألمان. وفي ليبيا، شن مسلحون هجوماً على فندق “كورينثيا” بطرابلس، في 27 يناير 2015، وأسفر الهجوم عن مصرع 9 أشخاص على الأقل، بينهم أمريكي وفرنسي و3 من رعايا طاجيكستان، وقد أكدت ولاية طرابلس التابعة لتنظيم “داعش” مسؤوليتها عن العملية.
وعلى الصعيد الآسيوي، شهدت عدة دول بالقارة عمليات إرهابية كبرى كانت الفنادق ساحتها الرئيسة، لعل أبرزها استهداف مسلحين لفندق سيرينا بالعاصمة الأفغانية “كابول” في مارس 2014، وهو ما أسفر عن مقتل 13 شخصاً، كما هاجم مسلحون فندقاً في كارجاه بأفغانستان في يوليو 2012، ما أسفر عن مصرع ما لا يقل عن 26 شخصاً، وفي معظم تلك العمليات كانت أصابع الاتهام تشير إلى تورط حركة طالبان.
أهداف رخوة
ثمة أسباب عديدة تجعل من الفنادق أهدافاً دائمة لعمليات إرهابية محتملة، تأتي في سياق ما يمكن التعبير عنه استراتيجياً بـ”الأهداف الرخوة” أو السهلة Soft Targets، فهناك ثغرة رئيسية تجعل من السهولة بمكان تحويل الفنادق إلى ساحة معركة بين التنظيمات الراديكالية المسلحة والحكومات المحلية وحلفائها الغربيين، تتعلق بجوهر وفلسفة البنية الفندقية ذاتها، والتي تتناقض مع تعقيدات الأمن وبيروقراطية حساباته الحساسة، حيث تقوم الفنادق على مفهوم الضيافة والترفيه.
ومن ثم، فإنه لا يمكن بأي حال أن تتحول الفنادق إلى قلاع أمنية محصنة، نظراً لموقعها الخاص والفريد في النسيج الاقتصادي للدول، سواء من حيث استقبالها السائحين ورجال الأعمال والنافذين، أو من حيث احتضانها أجواء ومرافق ملائمة لعقد الاجتماعات، والمؤتمرات، والنوادي الترفيهية، والملحقات التجارية والتسويقية، والفعاليات الحيوية الأخرى، الرسمية وغير الرسمية.
ونظراً لحالة العداء التقليدية بين جل الجماعات الإرهابية والدول الغربية، لاسيما القوى الكبرى منها، مثل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، بالإضافة إلى إسرائيل، فإن هذه الجماعات تعتبر الفنادق أهدافاً مثالية لتوصيل رسائل عدائية، لمن يهمه الأمر، من خلال استهداف رعايا تلك الدول الذين دائماً ما يقطنون الفنادق الفاخرة في العواصم الإقليمية، خاصةً في مناطق الصراعات الملتهبة من العالم، مثل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وجنوب الصحراء، وجنوب شرق آسيا، وغيرها.
وبالتالي، يمكن القول إن تنامي استهداف الفنادق ليس منفصلاً عن تأثير عمليات التحالف الدولي ضد التنظيمات المسلحة الكبرى مثل القاعدة وداعش وحلفائهما الإقليميين، حيث إن هذه العمليات دفعت تلك التنظيمات إلى توظيف حالة “انعدام الأمن” داخل البلدان الهشة والتي تشهد صراعات، والتنسيق بينها وبين الجماعات المسلحة المحلية التي تنتهج ذات الأيديولوجية العنيفة، من أجل استهداف الفنادق وإضعاف تركيز حملة قوات التحالف على معاقلها الرئيسية.
إلى جانب ذلك، فإن تكتيكات التنظيمات المسلحة، لاسيما المحلية منها، تقوم على فرضية إجهاد وإضعاف البنية الاقتصادية التي تدعم النظم الحاكمة في حربها على الإرهاب، ومن ثم تسعى هذه التنظيمات، عبر استهدف الفنادق، إلى ضرب اقتصادات السياحة التي تعتبر الداعم الأبرز لميزانيات الدول النامية.
ويُضاف إلى ما سبق، البعد الدعائي الذي يجعل من مجرد استهداف فندق، حتى ولو بشكل بدائي غير احترافي، حديث وسائل الإعلام العالمية لأيام، خاصةً إذا ما اقترن الهجوم بوجود ضحايا غربيين، الأمر الذي تعتبره التنظيمات الراديكالية حملة دعائية لها، تساعدها على تكوين صورة مدركة في عقول الأفراد الذين تسعى لاستقطابهم وتجنيدهم في عملياتها الإرهابية.
تكتيكات استهداف الفنادق
من الناحية الميدانية، تستخدم التنظيمات المسلحة عدة تكتيكات لدى مهاجمتها الفنادق كأهداف استراتيجية في حربها ضد أعدائها، وتتراوح بين أدوات أربعة، هي: العبوات الناسفة والسيارات المفخخة، والهجمات المسلحة، والهجمات الانتحارية، وعمليات الخطف والاغتيال، مع إمكانية الجمع بين نوعين أو أكثر من تلك الآليات في عملية إرهابية واحدة.
وتعد العبوات الناسفة والسيارات المفخخة، التي يتم تفجيرها عن بُعد في مداخل الفنادق، وأماكن انتظار السيارات المحيطة، أبرز التكتيكات التي تستخدمها التنظيمات المسلحة وجماعات العنف في استهداف الفنادق، على غرار ما شهدته هجمات مومباي الهندية وإندونيسيا وكراتشي الباكستانية في سنوات سابقة.
ولا ينفي هذا خطورة العمليات المسلحة التي يضطلع بها أفراد مدربون بشكل عال، حتى ولو كان المهاجم شخصاً واحداً، كما كانت الحال في هجوم فندق منتجع سوسة بتونس. كما أن العمليات الانتحارية تخلف ضحايا كثراً بشكل عشوائي لا يمكن التحكم فيه، مثلما حدث في حوادث استهدفت الفنادق سالفة الذكر في أفغانستان. وأخيراً تأتي عمليات الخطف والاغتيال التي تستخدمها بعض التنظيمات في سياق مساومة بعض الدول لتنفيذ مطالب معينة، مثلما حدث في مالي عام 2015.
إجراءات احترازية
من الضروري اتخاذ إجراءات احترازية على المدى القصير لمواجهة خطر استهداف الجماعات الإرهابية للفنادق في مناطق مختلفة من العالم، بحيث تسير بالتوازي مع تدشين استراتيجية علاجية على المدى الطويل.
ويمكن اتباع جملة من الترتيبات الأمنية التي قد تقلل، إلى حد كبير، من عملية استهداف الفنادق إرهابياً، وفي مقدمتها التأكيد على رفع مستوى المراقبة داخل وخارج محيط الفنادق والمنتجعات السياحية، من خلال التضافر بين العنصر البشري المدرب والعنصر التكنولوجي الدقيق، لتسهيل مهمة استشعار الخطر قبل وقوعه، لاسيما فيما يتعلق بالمتفجرات والعبوات الناسفة والسيارات المفخخة والعناصر الانتحارية والمسلحة.
كما أنه من الأهمية بمكان تطوير حزمة إجراءات أمنية ووقائية صارمة، وغير منظورة في الوقت نفسه للحفاظ على الجو الفندقي لتلك المنشآت ذات المستوى العالي من الخصوصية، سواء فيما يتعلق بالزائرين أو متعلقاتهم الشخصية أو سياراتهم، وبما يشمل كافة رواد الفنادق وملحقاتها وحتى موظفيها، إلى جانب توسيع نطاق التأهيل والتدريب لفرق الأمن الخاص العاملة داخل الفنادق، من منظور تنمية الوعي المبكر بالتهديدات قبل وقوعها، وتطوير قدراتهم الخاصة على سرعة الاستجابة لأي طارئ أمني، لاسيما في حالات الخطر الداهم.
وعلى المدى الطويل، لابد من وضع ذلك النمط من المخاطر الإرهابية في سياقه المناسب، من خلال التعاطي معه باعتباره حرباً لا تناظرية Asymmetrical War، مع عدو غير متماثل، لا يتقيد بمسرح عملياتي محدد، تتمايز فيه القوات المتقاتلة، كما هي الحال في نمط الحروب المتماثلة Systemic Wars.
وأخيراً، فإن مناقشة الأدوات المناسبة لإدارة الحرب ضد التنظيمات الإرهابية، على أهميته، لابد أن يوضع في إطار استراتيجية دولية أوسع، ترسم إطاراً جامعاً لسيناريوهات احتواء حواضن الفكر الإرهابي في بيئاته المختلفة، وتجفيف المنابع السياسية والاقتصادية والاجتماعية لنشأته وازدهاره في تلك الحواضن، ويكون ذلك من خلال اقتراب متعدد المداخل يتكامل فيه الاقتصادي مع الأمني مع السياسي مع الاجتماعي مع الثقافي، الأمر الذي يتطلب جهوداً دولية صادقة للخروج من نفق الإرهاب الذي بات المهدد الأبرز للسلم والأمن الإنساني على المستويات كافة.
مصطفى شفيق علام
مركز المستقبل للابحاث والدراسات الاستراتيجية