بلير بعد البليرية .. سمعة منهارة خارج السلطة

بلير بعد البليرية .. سمعة منهارة خارج السلطة

c8ff5b5b29e1807eb7a0b11716297b94_w570_h0

قائمة توم باور الخاصة بكتب السيرة الذاتية تشمل روبرت ماكسويل، وكونراد بلاك، ومحمد الفايد، وكلاوس باربي ـ وكانت مسألة وقت فقط قبل أن يبدأ بكتابة السيرة الذاتية لتوني بلير.

بلير، زعيم حزب العمال الذي فاز بثلاثة انتخابات عامة متتالية، لم يهزم أبدا في صناديق الاقتراع. ديفيد كاميرون يحترمه باعتباره “الأستاذ” ويثني، بحق، على إنجازاته في بناء بلاد أكثر انفتاحا وتراحما. لكن حرب العراق وأنشطة بلير في كسب المال منذ مغادرة المنصب حطما إرثه في نظر الكثيرين.

باور ليس الشخص الذي يلجأ إليه المرء لإعادة بناء سمعته. قال مكتب بلير: “هذه – تماما كما توقعنا – ممارسة قذرة وكريهة ومثيرة للشفقة تتعلق بإعادة تدوير التافهات”. باور، المعروف بالسير الذاتية الانتقادية التي يكتبها، يزعم أنه بدأ تحقيقاته عن بلير بعقلية منفتحة وأن كتابه هو “الرواية الشاملة حتى الآن” لأعوام بلير. أما بلير فيصر على أنها مليئة بالأخطاء.

باور يصور بلير شخصا سطحيا يفتقر إلى المبادئ، ويشبه سلوكه منذ مغادرة مقر رئاسة الوزراء في رقم 10 دوانينج ستريت بـ “القاتل المحترف”. عنوان الكتاب، “عهود أخلفت”، يعكس الإحساس بالخيانة الذي يشعر به كثير من البريطانيين الذي اكتسحتهم البليرية في منتصف التسعينيات.

ربما لأن سمعة بلير لن تنهار أكثر من ذلك – على الأقل في نظر النقاد – نشر الكتاب على حلقات في صحيفة “الدايلي ميل” الأسبوع الماضي لم يؤد إلى إثارة العديد من الأمواج. الحاجز لإثارة كشوفات جديدة صادمة كان عاليا: باور نادرا ما كان يتجاوزه.

أيضا البناء القصصي في الكتاب تم بطريقة غريبة، فهو يتنقل بين الأحداث المتقدمة والمتأخرة، جيئة وعودة، مع وجود خيط سردي ضعيف بينها. ويركز باور كثيرا على نظام الصحة الوطنية، والتعليم، والهجرة – ثلاثة مواضع من إرث بلير عادة لا تكون خاضعة للتدقيق بشكل واف.

فيما يتعلق بالخدمات الصحية، يوصف بلير بأنه شخص لديه فهم ضئيل فقط لنظام الصحة الوطنية الذي اعتقد أن المال سيصلح مشاكله. بالطبع، عندما حاول بلير بالفعل إصلاح نظام الصحة الوطنية، تم إحباط جهوده من قبل وزير ماليته، جوردون براون.

وفيما يتعلق بالتعليم، يتم اتهام بلير بأنه كان يركز على الهياكل بدلا من المعايير، وعلى قوة المال لإصلاح المشاكل طويلة الأمد. ويكتب باور: “المال، كما اعتقد بلير، كان يعالج إرثه المروع من حزب المحافظين”. لكن الإصلاحات الرئيسية التي وضعها بلير، ولا سيما برنامج الأكاديميات، تبنتها في وقت لاحق حكومة حزب المحافظين برئاسة كاميرون.

أخيرا، بالنسبة للهجرة، يقول باور إن بلير حاول الحد من المناقشة العامة لتوطين مليوني شخص في بريطانيا خلال أعوام حزب العمال الجديد. اعتقد بلير على نحو صحيح أن الهجرة كانت جيدة للاقتصاد، لكن إيمانه الأولي بـ “التعددية الثقافية” بدلا من اندماج الجاليات المهاجرة، كما يشير باور، تبين أنه في غير محله.

وكان رئيس الوزراء الأسبق قد عبر عن أسفه لوجود “ندبات على ظهري” من محاولة إصلاح الخدمات العامة في مواجهة معارضة وايتهول. ويمكن قراءة كتاب باور على أنه تجسيد لانتقام كبار الموظفين. يقول باور إنه تحدث إلى 200 موظف مدني سابق، بمن فيهم أربعة من أمناء السر في مجلس الوزراء – كبار موظفي الخدمة المدنية في الحكومة البريطانية – كانوا قد عملوا مع بلير. السير ريتشارد ويلسون، الذي تم استبعاده من الاجتماعات الرئيسية في مقر الرئاسة، اشتكى من “التخلي عن الآلية التقليدية للحكم الرشيد”. وذكر أن السير مايكل سكولار، وهو موظف كبير آخر، اشتكى بشأن “الحكومة المختلة وظيفيا”. ويذكر باور: “بالنسبة لحارس الحكومة البريطانية القديم، نهج بلير كان يفتقر إلى التماسك الفكري والمعتقدات الأساسية”.

ويتم تصوير بلير بأنه غير مهتم بإيصال السياسات إلى المسؤولين الأدنى، أو حتى بالسياسة. ويزعم باور أن بلير لم يهتم كثيرا بالتاريخ السياسي، لكنه أصبح مفتونا بشكل قاتل بالسيرة الذاتية لجلادستون التي أعطاه إياها مؤلفها، روي جينكنز.

العراق، ذروة فلسفة جلادستون للتدخل الليبرالي بالنسبة لبلير، كان الاستنتاج المنطقي. هنا يقتبس باور عن اللورد تيرنبول، وهو أمين سر آخر في مجلس الوزراء، في اجتماع عقد قبل عام من حرب العراق. يقول إن بلير لم يخبر زملاءه باحتمال اتخاذ إجراء عسكري للإطاحة بصدام حسين. ويقتبس من اللورد تيرنبول قول بلير: “أنا لن أدعو ذلك كذبة. الخداع هو الكلمة المناسبة. بإمكانك الخداع دون أن تكذب، عن طريق ترك تفسير خاطئ دون تصحيح”.

لا يبدو أن باور وجد المساحة في كتابه لسرد إنجازات بلير، بعضها – من المفترض – ربما أسهم في حقيقة أنه فاز بتلك الانتخابات الثلاثة، وهو إنجاز لم يحققه أي زعيم آخر لحزب العمال. في عام 2007، علق ويليام هيج، زعيم حزب المحافظين الأسبق، بعد الإطاحة ببلير أخيرا من داونينج ستريت، بسبب براون، قائلا “لن نرى أي مثيل له لفترة طويلة. في حزب المحافظين نحن ممتنون لذلك”.

لكن حتى المجموعة المتضائلة من أنصار بلير كان عليها غض البصر عن سلوك بطلها منذ مغادرة مقر الرئاسة. في تحليل حياة بلير بعد السياسة حقق باور أخيرا أعلى مستوى من الكفاءة.

يكتب باور: “لقد افترض أن عالما جديدا من الرسوم والعمولات من شأنه الإجابة عن نداء شيري المألوف، وهو: لماذا لا نستطيع السفر بطائرة خاصة؟”. وتدفق العمل، سواء بتقديم المشورة لنور سلطان نزار باييف حول كيفية تفسير سجل حقوق الإنسان القاتم في كازاخستان، أو متابعة العقود مع الزعيم الليبي السابق معمر القذافي.

باور يلتقط جيدا عالم المهنة المشبوهة الذي يسكن فيه بلير اليوم، عالم حيث الأعمال والعمل الخيري يقبعان بصعوبة بجانب بعضهما بعضا. بلير ينصح الطغاة، ويلقي محاضرات مقابل رسوم ضخمة، ويتنقل بين الفنادق العالمية وأملاكه في بريطانيا، بما في ذلك منزله الريفي الضخم وعقاره الريفي. يكتب باور: “رحلات بلير المحمومة – غالبا في طائرة رجال الأعمال من طراز بومباردييه جلوبال إكسبرس يطلق عليها اسم بلير فورس وان – بين غرب إفريقيا وكازاخستان وإسرائيل والصين وأمريكا وأحيانا بريطانيا، تدعم انفصاله عن الواقع”.

اعتقاد روبرت ميردوك أن بلير كان على علاقة غرامية مع زوجته السابقة، ويندي دينج، وهو أمر ينفيه رئيس الوزراء الأسبق بشكل قاطع، حصل على شيء من الدعم. كتبت دينج في مذكرة خاصة بها، كشف ميردوك النقاب عنها: “يا للهول، يا للهول. أشعر باشتياق لا يوصف إلى توني. إنه ساحر للغاية وملابسه أنيقة”.

هذا الرجل ساحر بالفعل. وكما يوحي عنوان كتاب باور، القليل من الخيانة المزعومة دائما ما كان جزءا من المزيج. لكن الموضوع الضمني للكتاب كله هو أن بلير قد أغرى أمة ومن ثم تركها محطمة الفؤاد وتغمرها مشاعر الاستياء.

ويتساءل باور في مقدمة كتابه: “هل خدعنا جميعا منذ البداية من قبل ممثل بارع، أم أن رجلا صادقا وقع ضحية إغراءات السلطة؟ هل شرع في الحكومة بنية سيئة، أم أنه بعد الإصابة بالغرور والقيم غير الراسخة، فقد طريقه ببطء وسط أوضاع لم يفهمها؟”.

كتاب باور لا يدعو القراء لأن يعتبروا بلير بريئا إلى أن يثبت العكس.

جورج باركر

نقلا عن الاقتصادية السعودية