بالأمس القريب أعلن البرلمان العراقي عن وضع محافظة «الأنبار»، وهي أكبر محافظات العراق قاطبة، مقارنة بالمحافظات السبع عشرة الأخرى، على أنها المحافظة المنكوبة. وهو أمر لم يحدث في تاريخ العراق العريق، فالعراق عبر التاريخ أرض لتصدير المدنيات والحضارات، حيث كانت بغداد عاصمة الحواضر الإسلامية لقرون مديدة.
ما الذي أوصل هذه المحافظة السنية في غالبيتها إلى هذا الحال المأساوي، بحيث تعلن الحكومة رسمياً عن ذلك، وكأنها لم تكن يوماً ما منطقة تابعة لها، أو من صلاحيتها إيلاء الرعاية لها، في الوقت الذي تنعم المنطقة الخضراء بكل أنواع الاخضرار؟
محافظ الأنبار ذاته يعلن، من ناحية أخرى، عن تكالب المليشيات الحكومية من «الحشد الشعبي»، مع تزامن القصف العشوائي للقرى والمدن التي أبيدت عن بكرة أبيها، وانضم إلى كل ذلك إرهابيو «داعش» الذين ساموا الآمنين سوء العذاب.
إن تكالب مثلث الرعب السياسي من قبل كل الأطراف على هذه المحافظة، وإيصالها إلى درجة «النكبة»، هو حقاً نكسة وانتكاسة لم نسمع بها عبر عصور تاريخ العراق الحافلة بالمنجزات الحضارية، بدل جز الرقاب الطاهرة والبريئة من كل ذنب، فقد تواطأت الطائفية النتنة وإرهاب التطرف البغيض وبدعم من إيران بلا لف أو دوران، حتى وصلت الحال إلى شر حال والمحافظة إلى دار للغربان بعد خرابها بأيدي المؤمنين بالعدم، والباقي من الأنبار، حسب تصريحات البرلمان العراقي، قرابة 20% من الحياة المهدومة، وأما النسبة الباقية فقد دست في التراب والركام والحطام.
وسط هذا الجحيم ثلاثي الأبعاد، ترى أين أبعد الأحياء من السكان، ونعني إلى أي مكان نزحوا، بعد أن تم القضاء على أعداد هائلة منهم بسيف الطائفية الخسيسة والإرهاب الأخس؟ فمن نجا فقد هرب إلى ديار الأكراد، ومن أراد العودة إلى داره وقراره في المحافظة، فقد منع من قبل نقاط التفتيش المغروسة كالأشواك.
أما من أراد منهم الهجرة إلى بقية المحافظات، فإنه يجب أن يمر بهذه الاختبارات الأربعة، وإلا يعود قافلاً إلى حيث اللامكان واللاوطن. فإبراز الهوية مع رخصة القيادة وجواز السفر وبصمة العين الإلكترونية، فإن توفرت في هذه الظروف الاستثنائية التي يدفن فيه العراقي مع كل مستنداته الدالة على أن هناك فرداً كان له وجود في الأنبار، فلن يتحقق شرط الدخول إلى المدن أو المحافظات الأخرى إلا بعد الحصول على كفيل عراقي يضمن هذا العراقي الأنباري للحصول على موطئ قدم في وطنه.
هذا الذي يدور في الأنبار بعيداً عن الغموض أو ذرات الغبار التي تربك الأبصار، وبعد الإقرار بنكبة الأنبار هبت أميركا لطرح مشروع بناء منطقة جديدة بعيدة عن مشاكل الأنبار، بذريعة أن المنطقة لا تصلح لأي عملية إعادة للإعمار، وقد يطول المقام بهذا الاستيطان الجديد لمسح اسم الأنبار من جذوره، وهذا ما يدور في أذهان الساسة المحليين في العراق وفي أروقة الساسة العالميين.
لقد وجه محافظ الأنبار نداء حاراً إلى المملكة العربية السعودية، وخاصة الملك سلمان، لإنقاذ الأنبار من هذا المصير الذي يحيكه لها أصحاب الأجندات الإرهابية والطائفية والإقليمية، للتخلص من السنة في العراق قاطبة، بدعوى الوقوف مع «داعش»، وهم الذين يقومون بدحر «داعش» من مناطقهم تحت عيون الأشهاد، رغم أن أجندات المحاصصة الطائفية تخفي الأدلة والبراهين عن تلك العيون الشاهدة على حقيقة ما وصلت إليه نكبة الأنبار على يد «البرامكة الجدد»، حتى المذابح المروعة التي خلعت جذور الإنسان في العراق من أرضه ورمته في مسلسل العدم المحض بلا جريرة إلا الرضوخ للغة الإبادة.
*نقلا عن “الإتحاد”