شهدت الفترة الأخيرة تحركاً سعودياً نشطاً نحو القارة الأفريقية، وهو ما تعكسه الزيارات التي قام بها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إلى عدد من دول أفريقيا، ومنها المشاركة في القمة الأفريقية بأثيوبيا في يناير 2016، وجولاته إلى كل من السودان وجنوب أفريقيا وزامبيا في فبراير الماضي، ثم إلى كينيا وتنزانيا في شهر مارس.
وفي المقابل، استقبلت الرياض الشهرين الماضيين عدداً من الزعماء الأفارقة، وهما رئيس غينيا “ألفا كوندي”، ورئيس جنوب أفريقيا “جاكوب زوما” في شهر مارس 2016، وقبلهما الرئيس النيجيري محمد بخاري في شهر فبراير.
وتعكس هذه الزيارات المتبادلة تزايد أهمية الدائرة الأفريقية بين دوائر حركة السياسة الخارجية السعودية، في إطار مساعي المملكة إلى تنويع خارطة تحالفاتها الإقليمية، ومحاصرة النفوذ الإيراني وتدخلاتها في القارة السمراء، ومكافحة الإرهاب.
أهداف التوجه السعودي نحو أفريقيا
ثمة أهداف تفسر تزايد الاهتمام السعودي بالتحرك نحو القارة الأفريقية، وتعزيز علاقتها مع دولها، ومن بينها الآتي:
1- مواجهة النفوذ الإيراني في أفريقيا:
تسعى المملكة العربية السعودية إلى مواجهة النفوذ الإيراني المتزايد في القارة الأفريقية، حيث حققت طهران وجوداً سياسياً واقتصادياً مؤثراً في القارة، واستمرت في نشر المذهب الشيعي فيها، وتأسيس أذرع سياسية لها وإنشاء نسخ أفريقية من “حزب الله اللبناني”.
وفي هذا الإطار، تحركت الرياض على محورين، أولهما تحجيم الوجود السياسي لإيران في بعض الدول الأفريقية (حالة السودان)، والثاني محاصرة الجيوب الشيعية المتناثرة بالقارة في كل من كينيا وتنزانيا ونيجيريا والسنغال وغيرها.
2- التعاون في مجال مكافحة الإرهاب:
تعتبر مكافحة الإرهاب أحد أهم دوافع التحرك السعودي في أفريقيا، خاصةً مع انتشار مخاطر التطرف والإرهاب في المنطقة. لذلك يأتي هذا الملف على رأس القضايا محل الاهتمام المشترك في العلاقات السعودية – الأفريقية، وتحديداً مع الدول التي تعاني وجود التنظيمات المسلحة والمتطرفة، مثل نيجيريا (بوكو حرام)، والصومال (الشباب المجاهدين).
3- تنويع خارطة الحلفاء الإقليميين:
تهدف السعودية من وراء الانفتاح على القارة الأفريقية، تنويع خارطة تحالفاتها الإقليمية، خاصةً أن القارة السمراء تحتل المرتبة الثانية بين الكتل التصويتية في الجمعية العامة للأمم المتحدة، كما لديها حالياً مقعدين غير دائمين (مصر، والسنغال) في مجلس الأمن الدولي.
ويُضاف إلى ذلك، حرص المملكة على مواجهة تداعيات الأحداث في دول الربيع العربي، والتنسيق السياسي مع الدول الأفريقية بشأن بعض الملفات الإقليمية، مثل القضية الفلسطينية، والوضع في سوريا.
4- التعاون الاقتصادي والتقني مع الدول الأفريقية:
تمثل القارة الأفريقية سوقاً واسعة يزيد حجمها على المليار نسمة، كما أنها تزخر بنحو 30% من احتياطي الثروات المعدنية في العالم، وتضم أكثر من 21 دولة منتجة للنفط. لذلك تسعى المملكة العربية السعودية إلى تدعيم التعاون مع الدول النفطية في القارة السمراء، مثل نيجيريا وأنجولا، باعتبارهما من أهم شركاء المملكة في عضوية منظمة أوبك، كما أنهما يحتلان حالياً المركزين الأول والثاني في إنتاج النفط بالقارة الأفريقية.
وربما يفسر ذلك استقبال الرياض للرئيس النيجيري محمد بخاري، في فبراير 2016، بهدف التنسيق بشأن ضبط أسعار النفط.
كما تهدف المملكة أيضاً إلى الاستفادة من الإمكانيات التقنية لدى بعض دول القارة، مثل جنوب أفريقيا التي تشترك مع السعودية في عضوية مجموعة العشرين، وتملك رصيداً وافراً من الخبرة في مجال التصنيع المدني، والطاقة المتجددة، والاتصالات، والأقمار الصناعية، والثروة السمكية، والهندسة، والطب، ومكافحة الجريمة المنظمة. ويُضاف إلى ذلك، خبرة جنوب أفريقيا في مجال التصنيع العسكري، حيث تسعى السعودية إلى تطوير صناعتها العسكرية في مجال الدفاع الجوي، لمواجهة التقدم الإيراني في تكنولوجيا الصواريخ بعيدة المدى.
أدوات التحرك السعودي في أفريقيا
استطاعت السعودية أن تكسب مزيداً من النفوذ في القارة الأفريقية خلال السنوات الماضية، مستفيدة في ذلك من عدة عوامل، أولها الرمزية الدينية للمملكة، ودورها في تحديد حصص الدول في مواسم الحج والعمرة، وهو ما يساعدها في النفاذ إلى القارة السمراء ذات الأغلبية المسلمة. وثانيها الإمكانيات الاقتصادية للسعودية، ودعمها لدول القارة بالمساعدات الإنسانية. وثالثها الانكسارات التي تعرضت لها السياسة الإيرانية في أفريقيا منذ العام 2010، خاصةً عندما قطعت نيجيريا والسنغال وجامبيا علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، بعد ضبط هذه الدول شحنات من الأسلحة القادمة من طهران باتجاهها. كما أوقفت جنوب أفريقيا وارداتها النفطية من إيران في عام 2012، التزاماً بالعقوبات الدولية المفروضة على طهران.
وتعتمد المملكة العربية السعودية على توظيف مختلف أدوات سياستها الخارجية في سبيل دعم علاقاتها بدول القارة الأفريقية، ومن أهم هذه الأدوات ما يلي:
1- الأداة الدبلوماسية:
وثقت السعودية علاقاتها بدول القارة السمراء عبر تبادل التمثيل الدبلوماسي معها، حيث يبلغ عدد البعثات الدبلوماسية السعودية في أفريقيا 43 بعثة، متفوقة بذلك على إيران التي كانت ترتبط بعلاقات دبلوماسية مع نحو 30 دولة أفريقية قبل الأزمة الدبلوماسية بين طهران والرياض في يناير 2016، والتي دفعت كل من السودان وجيبوتي وجزر القمر إلى قطع علاقاتها الدبلوماسية مع طهران، وطرد سفراء إيران لديها، مؤكدةً تضامنها مع السعودية.
وتحرص المملكة العربية السعودية أيضاً على المشاركة في الفعَّاليات الأفريقية، ومنها المشاركة في أعمال القمة السادسة والعشرين للاتحاد الأفريقي بأديس أبابا، في يناير2016، بوفد يترأسه وزير الخارجية عادل الجبير، بالإضافة إلى الزيارات المتبادلة التي أصبحت تتم بوتيرة متسارعة، وبوفود كبيرة العدد، ومتنوعة التخصصات والخبرات.
2- الاستثمار والتبادل والتجاري:
تعتبر السعودية هي أكبر مستثمر خليجي في معظم دول القارة الأفريقية مثل مصر والسودان وجنوب أفريقيا والسنغال وإثيوبيا، حيث بلغ عدد المشروعات السعودية في إثيوبيا، على سبيل المثال، 294 مشروعاً بقيمة 3 مليار دولار، منها 141 مشروعاً في الإنتاج الحيواني والزراعي، و64 مشروعاً صناعياً، ومشروعات أخرى متنوعة، وذلك وفقاً للبيانات المعلنة حتى أكتوبر 2015.
وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين السعودية والدول الأفريقية حتى عام 2014 نحو 68.6 مليار ريال سعودي (18.2 مليار دولار)، منها 55.9 مليار ريال (14.9 مليار دولار) للصادرات السعودية إلى أفريقيا، و12.7 مليار ريال (3.3 مليار دولار) لواردات المملكة من القارة. وتضم قائمة الصادرات السعودية: النفط ومشتقاته، بينما تشمل الواردات: اللحوم، والفحم، والمعادن.
كما يتوقع أن يزداد حجم التجارة السعودية – الأفريقية مع اتجاه المملكة إلى إقامة خطوط بحرية وبرية مباشرة مع دول القارة، مثل إقامة خطوط ملاحية بين موانئ جيبوتي وجدة وجازان، وتعزيز تواجد المنتجات السعودية في دول القرن الأفريقي. كما يعتبر مشروع جسر الملك سلمان على خليج العقبة، والذى تم تدشينه لدى زيارة العاهل السعودي إلى مصر، في أبريل 2016، أحد أبرز الخطوات على طريق تعزيز التعاون بين السعودية والقارة الأفريقية.
ويُضاف إلى ما سبق، العمالة الأفريقية التي تنتشر فى ربوع المملكة، والتى تعمل في مختلف المجالات، وهو ما يمنح المملكة نفوذا قوياً لدى دول القارة السمراء.
3- المساعدات الإنسانية والتنموية:
تأتي الدول الأفريقية في مقدمة المستفيدين من المساعدات الخارجية التي تقدمها المملكة العربية السعودية، حيث استفادت منها 41 دولة أفريقية. ويعتبر الصندوق السعودي للتنمية بمثابة الجهاز الأساسي المعني بتقديم المساعدات الإنسانية والتنموية للدول الأفريقية في القطاعات الصحية والتعليمية والاجتماعية والاسكان والبنية التحتية، فضلاً عن تدعيم اللاجئين والنازحين في ربوع القارة.
4- التعاون العسكري:
في إطار سعي المملكة العربية السعودية لتدعيم مصالحها الأمنية في قارة أفريقيا، استخدمت آليات عديدة، منها ما يلي:
- المناورات المشتركة: من أهمها مناورات “رعد الشمال”، والتي نظمتها السعودية الشهر الماضي بمنطقة حفر الباطن، وبمشاركة عشرين دولة، منها مصر والسودان وتشاد وجزر القمر وموريشيوس وجيبوتي والسنغال وتونس والمغرب وموريتانيا.
- تشكيل اللجان العسكرية المشترك: مثل اللجنة المشتركة بين السعودية وجيبوتي، والتي تشكلت بعد انطلاق عملية “عاصفة الحزم” لاستعادة الشرعية في اليمن.
- اتفاقات التعاون العسكري: مثال على ذلك الاتفاق المبرم بين السعودية وإريتريا، في أبريل 2015، في مجال محاربة الإرهاب والتجارة غير المشروعة والقرصنة في البحر الأحمر.
ختاماً، يمكن القول إن ثمة حراكاً ملحوظاً للمملكة العربية السعودية صوب القارة الأفريقية، وقد ظهرت نتائجه في الفترة الأخيرة من خلال مشاركة بعض دول القارة في التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب، وقطع عدد من الدول الأفريقية علاقاتها أو تحجيمها مع إيران على خلفية التوترات بين طهران والرياض مطلع العام الجاري. ومن المتوقع أن تشهد الفترة القادمة مزيداً من التحرك السعودي نحو الانفتاح على القارة السمراء، وتعزيز علاقاتها مع دولها.
د. أيمن شـبانة