يواجه العراق، المنخرط في حرب وحشية ضد مجموعة “الدولة الإسلامية” الإرهابية، مجموعة أخرى من المشكلات التي لا تعد ولا تحصى، بما فيها خزينة منضبة وسد ضعيف على وشك التداعي في الموصل، والذي يمكن أن يؤدي في حال عدم إصلاحة إلى إغراق قطاع كبير من الأرض وقتل الآلاف من الناس. ولا تمكن معالجة أي من هذه المشكلات بفعالية، بالنظر إلى فشل الحكم وضعف التلاحم المجتمعي على النحو الذي ينتج الآن أزمة سياسية أخرى في البلاد.
يوم الثلاثاء الماضي، قام سليم الجبوري، رئيس البرلمان العراقي، بتعليق جلسات البرلمان بعد أيام من تصويت النواب لعزله وانتخابهم بديلاً مؤقتاً عنه. ويتركز الاضطراب الأخير في البلد على الفساد السياسي وسوء الإدارة المالي، والتي أصبحت قضايا رئيسية منذ انهارت أسعار النفط في العام 2014، وأفضت إلى خفض حاد في مصدر عوائد البلد الرئيسي، في حين يخوض الجيش العراقي قتالاً ضد “داعش”.
وفي شباط (فبراير)، تحت ضغط من رجال الدين الشيعة وبدعم من أميركا وإيران، اقترح رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إجراء تعديل وزاري من شأنه استبعاد المعينين على أساس الصلات السياسية والطائفية، واستبدالهم بتكنوقراط غير مسيسين يفترض أنهم أقل قابلية للفساد.
وبعد الإعلان عن قائمة التكنوقراط يوم 31 آذار (مارس)، ضغطت الكتل السياسية الشيعية التي تهيمن على الحكومة وتخشى فقدان المحسوبية والنفوذ، وأرغمت السيد العبادي على اشتمال المزيد من حلفائها في قائمته. ويقوم مقتدى الصدر، رجل الدين الشيعي المتطرف الذي كان قد قاتل القوات الأميركية في السابق ثم أعاد عرض نفسه الآن كمصلح مناهض للفساد، باستخدام التهديد بالاحتجاجات في الشوارع للمطالبة بالمزيد من التمثيل للتكنوقراط وباستقالة السيد العبادي. كما أجل البرلمان اتخاذ إجراء بشأن وزارة السيد العبادي الإصلاحية ثلاث مرات، وهو ما أفضى أيضاً إلى التحركات الأخيرة للإطاحة بالسيد الجبوري.
لم يتمكن السيد العبادي من إصلاح الانقسامات الاجتماعية والتوترات الطائفية التي كان رئيس الوزراء السابق نوري كمال المالكي قد غذاها عن طريق استبعاد السنة والأكراد، الذين يشكلون مجتمعات أقلية في البلد ذي الأغلبية الشيعية. ومن خلال رفضه استشارة القادة السياسيين الآخرين مقدماً، فشل السيد العبادي أيضاً في بناء التحالف اللازم لدعم مبادرات مثل التعديل الوزاري المقترح. وحتى التهديد بانهيار سد الموصل، ظل بلا معالجة إلى أن حذر الأميركيون علناً من الكارثة الوشيكة. وعندئذٍ فقط عينت بغداد مؤسسة إيطالية لإجراء الإصلاحات اللازمة للسد.
كان هذا النوع من الخلل السياسي هو الثابت الوحيد في العراق منذ الغزو الأميركي للبلد في العام 2003. وأفضى هذا الخلل إلى جعل بعض الناس أكثر ثراء ونفوذاً، في حين ترك الملايين من الآخرين بلا وظائف ولا خدمات عامة ولا أمل بحياة أفضل. والآن، مع استمرار “داعش” في السيطرة على أجزاء كبيرة من العراق، بما فيها الموصل، ثاني كبريات مدن البلد، أصبح عدم كفاءة الحكومة يشكل تهديداً إقليمياً أيضاً.
تعمل الولايات المتحدة مع العراق في الاستعداد لشن هجوم كبير من أجل استعادة الموصل، والتي تشكل هدفاً ضرورياً. لكن الرئيس أوباما فعل القليل لتفسير توسيع المهمة للشعب الأميركي من أجل كسب الدعم الجماهيري. وهناك الآن نحو 5.000 جندي أميركي في العراق، على الرغم من تعهدات السيد أوباما السابقة بسحب القوات كافة من هناك. ويوم الأحد، قال مسؤولو وزارة الدفاع الأميركية إنهم يقومون بنقل المستشارين العسكريين الأميركيين أقرب إلى خطوط الجبهة الأمامية، وإنهم يمنحون العراقيين ثماني طائرات عمودية، ويقدمون 415 مليون دولار من أجل دفع رواتب عناصر الميليشيات الكردية.
وكان المسؤولون الأميركيون يحاولون إقناع القادة العراقيين بتهدئة الخلافات والتركيز على التهديد الملح الذي يشكله “داعش”. وحتى بينما يسعى العراقيون إلى تحقيق النصر العسكري، فإنهم في حاجة أيضاً إلى وضع خطة لإعادة بناء الموصل والسماح للسنة -الذين ظلوا هناك بعد قيام المجموعة الإرهابية بإجبار الأيزيديين والآشوريين والأقليات الأخرى على الهرب- بممارسة المزيد من الحكم الذاتي. لكن الفوضى السياسية ما تزال تجعل ذلك مستحيلاً حتى الآن.
سوف يكون الناتج كارثياً إذا نجح العراقيون وشركاؤهم في الحملة العسكرية ضد “داعش”، فقط ليجعلوا الساسة في بغداد يهدرون فرصة أخرى لبناء مستقبل أفضل. والآن، بعد 13 عاماً من الإطاحة بصدام حسين، ما تزال أسباب التفاؤل تذهب إلى مزيد من الغياب.
افتتاحية – (نيويورك تايمز) 22/4/2016
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
*نشرت هذه الافتتاحية تحت عنوان:
The Baghdad Follies
نقلا عن الغد الاردني