«خروج بريطانيا» مقدمة لتفكك حزب المحافظين

«خروج بريطانيا» مقدمة لتفكك حزب المحافظين

11154_750_424_4201424195723

قيادة حزب العمال في بريطانيا انتقلت العام الماضي إلى أيدي الديناصورات. والآن المعركة حول مكان بريطانيا في أوروبا تُهدّد حزب المحافظين الذي يتبع له ديفيد كاميرون بمصير مماثل. جيرمي كوربين، زعيم حزب العمال، هو اشتراكي ثوري تكلست وجهة نظره إزاء العالم في حقبة السبعينيات. نشطاء حملة خروج بريطانيا من حزب المحافظين الذين يُريدون قطع علاقات بريطانيا مع بروكسل يعودون إلى قومية إنجليزية كانت قد تصوّرت أن لا شيء بحاجة إلى التغيير بعد غروب الشمس على الأمبراطورية.

عندما خضع رئيس الوزراء قبل ثلاثة أعوام إلى مطالب المناهضين للتكامل الأوروبي بإجراء استفتاء على عضوية الاتحاد الأوروبي، أقنع نفسه بأن التصويت من شأنه علاج انقسام حزب المحافظين العميق حول عضوية الاتحاد الأوروبي. البلاد ستحصل على نقاشها، والناس سيدعمون الوضع الراهن، والمحافظون باعتبارهم وطنيين رائعين سوف يتّحدون حول النتيجة. هذا دائماً ما كان وهماً، لكن ضراوة الحملة فاجأت حتى الواقعيين.

من الشائع اتّهام القادة السياسيين بأنهم غشاشون، وكاذبون، ومُحتالون. بشكل غريب، يجد كاميرون أن مثل هذه الاتهامات تنطلق من زملائه أنفسهم في مجلس الوزراء. بعد تحررهم من قواعد المسؤولية الجماعية، اختار نشطاء حملة خروج بريطانيا ذم الحجة المنطقية. بالتالي، اتّهم بوريس جونسون، عمدة لندن، كاميرون بإنتاج ملفات “مراوغة” مؤيدة للاتحاد الأوروبي بقدر أي شيء اصطنعه توني بلير في الفترة التي سبقت حرب العراق.

يُمكن القول إن جونسون حالة خاصة. فهو شخص يقوده طموح مهووس ليحل محل كاميرون في داونينج ستريت. لكن الشتائم أيضاً يُلقيها أصدقاء رئيس الوزراء السابقون. الآن نحن نشاهد مايكل جوف، وزير العدل، يتّهم كاميرون بمحاولة ترويج رؤية انهزامية “لبريطانيا مهزومة ومُحطّمة”. ما هو واضح، كما كان ينبغي أن يتوقّعه كاميرون في ذلك الحين، هو أن الاستفتاء قد يُفكك حزب المحافظين، تماماً كما فعل الجدل بشأن “قوانين الذُّرة” خلال القرن التاسع عشر والتفضيلات الإمبرالية في الأعوام الأولى من القرن العشرين.

حملة المغادرة لا تملك وصفا متماسكا لما قد يبدو عليه “الخروج”. ولا توجد أي صورة لبريطانيا فكّت ارتباطها بأوروبا لا تُظهر الدولة بأنها أقل ازدهاراً وأمناً بشكل ملموس.

حاول جوف إنتاج بديل هذا الأسبوع، فقط ليجد نفسه يؤسس بريطانيا “مستقلة” إلى جانب البوسنة وصربيا وألبانيا وأوكرانيا. لا أعني أي قلة احترام لتلك الدول، لكن الصورة لم تكن مُطمئنة.

عندما يُصرّح باراك أوباما بأن أقرب حليف لبريطانيا يُريدها أن تبقى قوة أوروبية، فإن أفضل ما يُمكن أن يفعله جونسون هو التحدّث بشكل غير مفهوم عن أن الرئيس الأمريكي منافق. لكن هل يُمكن أن يكون الأمر نفسه صحيحا فعلاً عن كتائب وزراء الخزانة الأمريكية السابقين، سواء من الحزب الجمهوري أو الديمقراطي، الذين ردّدوا وجهات نظر أوباما؟ وماذا عن وزراء الخزانة في كندا ونيوزيلندا وأستراليا الذين يهتفون أيضاً إلى جانب حملة البقاء؟

ذخيرة نشطاء حملة خروج بريطانيا هي القومية الإنجليزية – نداء شعبوي للعواطف وليس المنطق – وأمل في أن الغضب الشعبي ضد النخبة السياسية والتجارية، مع مستويات معيشية راكدة، وسياسة تقشّف، ومع عمال مهاجرين، ومع أي شيء تقريباً يُمكن التفكير فيه يُمكن توجيهه إلى ثورة ضد أوروبا.

هناك شق واحد غير مؤذ وإن كان ساذجاً في هذا الحنين إلى القومية يُعيد صياغة البريطانيين في دور قراصنة عهد إليزابيث. المملكة المتحدة، غير المُقيّدة بأوروبا، يُمكن أن تخرج مرة أخرى وتغزو العالم. في تفكير جوف، التصويت بالخروج سيكون بمثابة “لحظة مُثيرة ومُحرّرة ومُمكّنة للتجديد القومي”. إينوك باول، المُعارض الأكثر شراسة من حزب المحافظين لقرار بريطانيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في عام 1973، كان يعطي الحجة نفسها إلى حد كبير: “نحن لسنا في حاجة إلى الارتباط بأي أحد (…) نحن نكسب ما نكسب بسبب عملنا وأدمغتنا”.

الوصف اللطيف لمثل هذه المشاعر هو أنها كلام فارغ. جوف، قبل كل شيء، يُلقي باللوم في تراجع معايير التعليم البريطانية على عدم إلزام الأطفال بعد الآن بحفظ أسماء وتواريخ ملوك وملكات إنجلترا. لكن هناك شق آخر للقومية الإنجليزية يُميّز نفسه عن حب الوطن من خلال إضافة ميزة مميّزة لكره الأجانب.

باول ثار ضد الهجرة من الكومنولث، متوقعا بشكل شائن صراعا عرقيا دمويا في الشوارع. “عندما أنظر إلى المستقبل، أشعر بأن هناك شيئا سيئا سيحدث؛ مثل الرومان، يبدو أنني أرى نهر التيبر يرغو بكثير من الدماء”. بدلاً من ذلك، فرض “دجاج تيكا ماسالا” نفسه باعتباره الطبق الوطني المُفضّل. بالنسبة للقوميين الجُدد، كبش الفداء هم الذين يعملون في قطف الفواكه من الهنغاريين والرومانيين، والسبّاكين البلغاريين، وعمّال المطاعم البرتغاليين. بعد ذلك بالطبع، هناك الجهاديون الإسلاميون الذين يمكن أن ينضموا إلى رحلة هروب اللاجئين من سورية. يتعهد جونسون بأن بريطانيا خارج الاتحاد الأوروبي سوف “تستعيد السيطرة” على حدودها.

الخطاب نفسه تقريباً يُقدّمه دونالد ترامب في الولايات المتحدة، ومارين لوبان في فرنسا، والشعبويون في أنحاء أوروبا كافة. بأسلوب ترامب، لعبة حملة الخروج هي حشد الغضب الشعبي ضد النخبة السياسية والشركات الكبيرة.

حقائق الشؤون الاقتصادية والشؤون الجيوسياسية ليست ذات صلة. جونسون وجوف يراهنان على سياسات الهوية. إذا كنت لا تحب الأجانب، فعليك التصويت للخروج. إذا فازوا بالاستفتاء، فإن هؤلاء القوميين الإنجليز سوف يُسيطرون على حزب المحافظين. واسكتلندا سرعان ما ستودّع المملكة المتحدة. والثوريون المتآكلون من حزب العمال سوف يواجهون الرجعيين المحافظين. وهذه في الواقع هي الأفكار السياسية لمستشفى المجانين.

فيليب ستيفنز من لندن

فاينانشال تايمز

نقلا عن الاقتصادية