عادت هضبة الجولان التي تحتلّها إسرائيل منذ يونيو 1967 فجأة إلى الواجهة؛ إذ عقدت الحكومة الإسرائيلية جلستها الأسبوعية في كبرى مستوطناتها (كتسرين) يوم الأحد 17 أبريل، وانتهز رئيسها بنيامين نتنياهو الفرصة لإطلاق بضعة تصريحات استفزازية، منها: «الجولان سيبقى جزءاً من إسرائيل»، و «لن ننسحب منه أبداً» و «آن الأوان، بعد 50 عاماً، كي يعترف المجتمع الدولي بأن الجولان سيبقى إلى الأبد تحت السيادة الإسرائيلية»… والترجمة الفعلية هي أن نتنياهو يريد من المجتمع الدولي بأن خمسين عاماً من الاحتلال كافية لطي صفحته وإضفاء «شرعية» عليه، وهو ما تريد إسرائيل تعميمه على كل الأراضي الفلسطينية التي مضى على احتلالها نحو سبعين عاماً.
اندفع المحللون إلى القول إن التوقيت الذي اختارته إسرائيل يتعلّق بالمفاوضات السورية في جنيف، علماً بأن موقفاً كهذا يتوقّع أن يوحّد ردود فعل النظام والمعارضة، كما سبق أن حصل بعدما أقدم أكراد سوريا على إعلان «الفيدرالية». لكن القول بأن أي تسوية محتملة للأزمة السورية ينبغي أن تعترف بـ «إسرائيلية الجولان»، لفت إلى أن نتنياهو كان يخاطب عملياً الولايات المتحدة وروسيا اللتين يواصل خبراؤهما مناقشة مشروع حل سياسي، بعيداً عن الأضواء. ورغم أن إسرائيل هي التي عملت لدى واشنطن وموسكو للحفاظ على بشار الأسد ونظامه، فإنها كوّنت لنفسها في الإعلام صورة دولة إقليمية «غير متدخّلة» في الشأن السوري، وبناءً على ذلك أراد نتنياهو إقحام موضوع الجولان في المداولات الأميركية- الروسية في إطار اشتراطه أن لا يكون أي على حساب «أمن إسرائيل».
بعد أسبوع على هذا الحدث لم يكن قد صدر أي تعليق من واشنطن، وانتظرت موسكو إلى ما بعد لقاء فلاديمير بوتن مع نتنياهو ليقول الناطق باسم الكرملين إن موقفها من الجولان «لم يتغيّر». قبل ذلك ذكّرت فيديريكا موغيريني بأن الاتحاد الأوروبي «يعترف بإسرائيل بحدودها ما قبل 1967» أي أنه لا يعترف باحتلال الجولان ولا بضمّه الذي أعلنته إسرائيل عام 1981. وفي غضون ذلك طالبت الجامعة العربية وكذلك نظام دمشق الأمم المتحدة ومجلس الأمن بردٍّ على التصعيد الإسرائيلي، وعلى غير العادة لم يصدر الأمين العام للأمم المتحدة أي بيان. ويُعتقد أن المراجع الدولية فضّلت تجاهل تصريحات نتنياهو إما لأنها اعتبرتها مجرّد استعراض سياسي، أو لئلا تزيد تعقيدات إضافية إلى ملف الأزمة السورية.
لكن ما الذي أوحى لنتنياهو بأن المجتمع الدولي، وبالأخص الأميركيين والروس، قد يصغون إلى رغبته ويستجيبون لها؟ عندما تحدّث رياض حجاب، رئيس الهيئة العليا للمفاوضات الممثلة للمعارضة، في مؤتمره الصحافي في جنيف، عن علاقات بشار الأسد مع إسرائيل، مسمياً شقيقه ماهر تحديداً، كان حجاب يشير إلى احتمالٍ لم يتنبّه كثيرون إليه. فنظام دمشق قد يكون توصّل إلى تفاهماتٍ ما مع الإسرائيليين لضمان بقائه لقاء التخلّي عن الهضبة المحتلّة. فالحديث الدائم عن الجولان كـ «خط أحمر» بالنسبة إلى إسرائيل بات يعني في ضوء التكالب الدولي والإقليمي على سوريا تعريفاً بما تعتبره إسرائيل «مصلحة» لها، أسوة بـ «مصالح» تدّعيها روسيا وإيران وسواها.
من الواضح أن إسرائيل تسعى، في استغلالها للوضع السوري، أن يستغلّه الروس والأميركيون أيضاً لمصلحتها بحسم موضوع الجولان. وكما يحارب الأسد أي «انتقال سياسي»، فإنها ستعمل على عرقلة أي حل لا يناسب هذ الأسد ونظامه.
عبدالوهاب بدرخان
صحيفة العرب اللندنية