رغم أن أول بئر للنفط تم اكتشافه قبل قرون عديدة، والمرجح أنه كان في الصين في القرن الرابع ميلادي، غير أن التاريخ الحديث للنفط واستعمالاته يعود إلى نحو قرن بعد قيام الثورة الصناعية في بريطانيا، وتحديدا في عام 1859 بعد أن اكتشف عالم أميركي طريقة مبتكرة لتقطير النفط وأصبح ممكنا استخدامه للأغراض التجارية وفي مجال المواصلات.
ومنذ ذلك التاريخ ووصولا إلى يومنا الحالي تم اكتشاف احتياطيات كبيرة وضخمة في أنحاء مختلفة من العالم وتطوير تكنولوجيا استخراجه واستعمالاته، وأصبح النفط محرّك العالم. وبقدر ارتفاع الحاجة إلى النفط ارتفعت نسبة الصراعات في العالم، وتضررّت الأرض بشكل خطير يهدد مستقبل الحياة عليها.
ودفع هذا الخطر إلى التفكير جدّيا في تطوير قطاع الطاقة البديلة، التي لن تعوّض النفط، لكنّها يمكن أن تساعد على تقليص الاعتماد عليه وخلق اقتصاد “له بصمة كربون محدودة”، وفق ما جاء في الاتفاق حول المناخ الذي تم التوصل إليه خلال مؤتمر باريس الحادي والعشرين والذي يفرض تطبيقه تخلي الاقتصاد العالمي عن مصادر الطاقة الأحفورية.
وبلغت مساهمة النفط في تحريك وسائل المواصلات في العالم ولا سيما السيارات نحو 97 بالمئة من احتياجاتها في عام 1997. غير أن هذه النسبة انخفضت إلى 92 بالمئة في عام 2014، على الرغم من الارتفاع الكبير في وسائل المواصلات، ولا سيما في عدد السيارات، الذي ارتفع من 590 مليون سيارة في عام 1997 إلى نحو 1.2 مليار سيارة في عام 2014، ومن المتوقع أن يرتفع العدد إلى نحو 1.7 مليار سيارة في عام 2040.
وتوجد في العالم نحو خمسة ملايين سيارة يتم تزويدها بالغاز بدلا من النفط والعدد في زيادة مستمرة والمحاولات مستمرة لتشغيل السيارات بالوقود الحيوي أو الكهرباء.
وما يدعو الخبراء إلى التأكيد أن الاعتماد على الطاقة البديلة أمر ممكن هو نجاح التجربة في مجال إنتاج الكهرباء الذي أصبح أقلّ اعتمادا على النفط منذ عام 1997؛ حيث تم تعويضه ببدائل أخرى، منها الطاقة النووية، التي تساهم بنحو 17 بالمئة في إنتاج الكهرباء والطاقة الهيدروكلية والتي تساهم بنسبة 18 بالمئة. أما مساهمة الطاقات البديلة المتجددة مثل الطاقتين، الشمسية والرياح، فكانت أقل من 1 بالمئة.
فوائد على مخزون النفط العالمي
في بداية السبعينات كانت الاحتياطات المؤكدة من النفط تكفي لتزويد العالم بالوقود لمدة 33 عاما، وبسبب الطفرات الهائلة التي حصلت في العلم والتكنولوجيا، أصبحت الاحتياطيات “المؤكدة” من النفط تكفي لمدة 43 عاما، حسب معدلات الاستهلاك في عام 1997، ثم ارتفعت لسد احتياجات العالم من النفط لمدة 100 عاما في عام 2014.
وبحلول عام 2040، قد تنخفض مستويات الإنتاج إلى 15 مليون برميل يوميا، وهو ما يُمثّل حوالي 20 في المئة مما نستهلكه حاليا، رغم الزيادة الكبيرة في عدد السكان وزيادة الطلب على الطاقة في العالم بارتفاع عدد المناطق الصناعية التي تعتمد أساسا على النفط.
والسبب في هذا التراجع المتوقّع أن الطاقات البديلة ستساعد على تحقيق التوازن في الاستعمال والتقليل من الاعتماد المطلق على النفط. كما أن التقدم العلمي والتكنولوجي يمهد الطريق لاكتشاف احتياطيات جديدة واستخراجها وبطرق لم تكن متوفرة في السابق.
الصعود المستمر في أسعار النفط وزيادة الطلب عليه يدفعان الشركات إلى تكثيف البحوث وتطوير التكنولوجيا للحصول على مصادر جديدة للوقود العضوي. ومنذ السبعينات، وخصوصا بعد حرب 1973، دفع الخوف من احتمال حصول صدمة جديدة أخرى، أقطارا عديدة إلى تكثيف جهودها وزيادة استثماراتها لتطوير التكنولوجيا لاستخراج مصادر الطاقة بطرق أسهل وأرخص، مثل النفط الموجود تحت المياه العميقة من البحار والمحيطات والفحم الحجري في الأماكن البعيدى من سيبريا.
ويعتقد الآن حسب تقديرات البنك الدولي أن احتياطيات الطاقة العضوية (النفط، الغاز الطبيعي، الفحم) كافية لتزويد العالم من الوقود لمدة 600 سنة إضافية حسب المعدلات الحالية للاستهلاك.
الغاز الطبيعي، هو أيضا شهد طفرات في الاكتشافات، وكانت احتياطيات العالم “المؤكدة” من الغاز الطبيعي في عام 1970 تكفي لتغطية احتياجاته لمدة 44 سنة، وبعد الاكتشافات الجديدة أصبحت تكفي لتلبية احتياجات العالم لمدة 100 سنة. كما أن احتياطيات الفحم الحجري كافية لتزويد العالم من احتياجاته لمدة 275 سنة. وقد ساعدت التكنولوجيا على تطوير استخراج النفط الصخري والرملي بمستويات إنتاج كبيرة.
أسباب تراجع أهمية النفط
الخوف والشعور بعدم الأمان من الطاقة العضوية ولا سيما النفط، مازالا يراودان عددا كبيرا من الدول في الغرب منذ التداعيات التي صاحبت حرب أكتوبر 1973 وما نتج عنها من انقطاع جزء كبير من الإمدادات النفطية العربية إلى بعض الدول الغربية. وقد تجدّد هذا الخوف مع الأزمة الحالية في أسعار النفط والخلافات الأخيرة على حصص الإنتاج. هناك أيضا أسباب اقتصادية تؤثر على البلدان المستوردة للنفط التي تشعر أنها تصرف المليارات من الدولارات سنويا لاستيراد النفط، بدلا من استثمارها في داخل بلدانها لخلق فرص عمل جديدة.
لكن أسباب تراجع أهمية النفط والرغبة في الحصول على مصادر بديلة للطاقة تكون نظيفة ومتجددة ورخيصة، لا تعودان فقط إلى العوامل الاقتصادية والسياسية، والتخوف من ارتفاع أسعار النفط فجأة أو عدم الثقة في الحصول على إمداداته، بل أيضا إلى الضغوط المتزايدة في العالم من جماعات البيئة والمنظمات الصحية، والتحذيرات من الاعتماد المستمر على النفط، والوقود العضوي إجمالا، ومخاطره على البيئة وعلى الحياة على سطح الأرض.
وعكست خطورة هذه التحذيرات توقيع عدد قياسي من الدول بلغ 175 دولة، الجمعة 22 أبريل 2016، في الأمم المتحدة اتفاق باريس حول المناخ وذلك بهدف الحد من ارتفاع حرارة الأرض، حيث قال الأمين العام للأمم المتحدة تعقيبا على هذه الخطوة، “إنها لحظة تاريخية أن يوقع مثل هذا العدد الكبير من الدول اتفاقا دوليا في يوم واحد (..) إن مشاركة هذا العدد من الدول لا يترك مجالا للشك في تصميم العالم على التحرك في ملف المناخ”.
وتمثل الدول التي وقعت، بالتزامن مع إحياء يوم الأرض العالمي، الاتفاق مصدرا لـ93 بالمئة لانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، بحسب معهد وورلد ريسورسز، لكن التوقيع ليس إلا مرحلة أولى، فالاتفاق لن يسري إلا بعد مصادقة برلمانات 55 بلدا، تكون مسؤولة عن 55 بالمئة على الأقل من انبعاثات الغازات الدفيئة.
بديل عاجل
يمكن الاستفادة من النفط بتفتيت جزئياته واستخدامها في صناعة الأدوية والأسمدة وصناعات متنوعة عديدة
حضّ الممثل الأميركي والناشط البيئي ليوناردو ديكابريو، الذي حضر التوقيع في الأمم المتحدة، قادة العالم على التحرك بسرعة، وشدد قائلا “كفى خطبا رنانة وأعذارا، وكفى تلاعبا بالعلم والسياسات من الشركات المرتبطة بالطاقات الأحفورية مثل النفط والفحم الحجري. نعم اتفاق باريس مصدر أمل لكن ذلك ليس كافيا”.
وفي ذات السياق، تقول سيليا غوتييه، من شبكة العمل من أجل المناخ غير الحكومية “لتطبيق الاتفاق على الدول الآن أن تبدأ عمليتها الانتقالية في قطاع الطاقة والتي تمر بإعادة توجيه الاستثمارات”.
ويؤكّد العلماء أن التلوث المستمر يسبّب تغييرات مستمرة في البيئة ينشأ عنها ذوبان الثلوج في القطبين الشمالي والجنوبي وارتفاع في درجات الحرارة وفي منسوب مياه البحار والمحيطات ونزول الأمطار الحمضية المضرة؛ وكل ذلك يسبب نتائج خطيرة تدفع العلماء وجماعات البيئة والمنظمات إلى تكثيف الضغط على الحكومات لحملها على اتخاذ التدابير اللازمة للحدّ من هذه الأخطار، وعلى رأس هذه التدابير يأتي تقليص استعمال النفط.
تشير دراسات لأوبك إلى أن استهلاك الطاقة في العالم سيرتفع 50 في المئة عام 2035 عما كان عليه عام 2010، ما سيؤدي إلى ارتفاع استهلاك معظم مصادرها، لكن النفط سيبقى المصدر الأساسي للطاقة حتى 2035، على رغم أن حصته من مجمل مصادر الطاقة ستنخفض خلال هذه الفترة من 34 إلى 28 في المئة.
وخلاصة القول إذن أن الوقود العضوي لن ينتهي بهذه السرعة والمستقبل سيكون للنفط، وللطاقات الأخرى، والتي ستمكّن من الاستفادة أكثر من النفط، حيث يقول كثيرون في العالم المتقدم إن النفط أثمن من أن يحرق بالطريقة المتبعة الآن ويسبب أمراضا بيئية وصحية مختلفة، بل يمكن الاستفادة منه عبر تفتيت جزئيات النفط في المختبرات العلمية تمهيدا لاستخدامها في صناعة الملابس والأدوية والأسمدة والسجاد والمواد المستعملة للتجميل والعطور وصناعة الكيمياويات والأدوات الرياضية وحتى استخراج المواد الغذائية من البروتين وأشياء متنوعة عديدة.
مرتضى بن حسن بن علي
صحيفة العرب اللندنية