ألقى رائد صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة مارك بابا أخيراً، محاضرة ضمن سلسلة برنامج المحاضرات التي تستضيفها منظمة «أوبك» في مقرها في فيينا. ونشر النص الكامل والأسئلة والأجوبة في العدد الأخير من دورية «أوبك ريفيو». وسنحاول هنا إلقاء الضوء على أبرز ما تكلم عنه الصناعي النفطي الذي شغل منصب رئيس شركة «اي او جي ريسورز» الأميركية لمدة 14 سنة. وهو حالياً شريك في شركة «ريفرستون هولدينغز». ذكر بابا أن سبب بروز صناعة النفط الصخري، هو ارتفاع معدل إنتاج الغاز الطبيعي لشركته «اي او جي ريسورز»، ما دفعه الى الحذر من تخمة الغاز في السوق الأميركية، والخوف من انهيار سعر الغاز. فبادر وفريق عمله في الشركة الى تغيير استراتيجية العمل، لتصبح الشركة أكبر منتج للنفط الصخري في الولايات المتحدة، بدلاً من الاستمرار في إنتاج الغاز. وتم ذلك من طريق الريادة في دمج تقنيتي الحفر الأفقي والتكسير الهيدرولكي للصخور، ما ساهم في الحصول على أوسع إنتاجية من الآبار.
يحذر بابا في محاضرته من أنه «في حال استمرار أسعار النفط الحالية في الولايات المتحدة، فإن صناعة النفط الأميركية الداخلية ستواجه حالاً شبه كارثية». وأضاف: «إن سعر 33 دولاراً للبرميل أقل كثيراً من أي اقتصادات لأي عملية حفر في أي منطقة في الولايات المتحدة. والنتيجة المتوقعة هي انخفاض معدل الإنتاج الأميركي عام 2016، للمرة الأولى في أربع سنوات.
وسينخفض الإنتاج الأميركي خلال هذه السنة نحو 600 ألف برميل يومياً عن العام الماضي. وأتوقع أن ينخفض مجمل الإنتاج النفطي الأميركي في نهاية السنة نحو 750 ألف برميل يومياً. في الوقت ذاته، سيزداد الإنتاج النفطي من خليج المكسيك 150 ألف برميل يومياً، لأن تطوير الحقول البحرية هناك يستغرق ثلاثاً الى خمس سنوات، ما يؤهل بعضها للإنتاج قريباً. وستستمر زيادة الإنتاج من حقول خليج المكسيك، في حين سينخفض في شكل حاد إنتاج النفوط الصخرية لأن قرارات تطويرها تتم في القريب العاجل».
حذر بابا من الآثار السلبية لظاهرة تدهور الأسعار على نمو صناعة النفط الأميركية. فقد تم تقليص عدد الموظفين، وتأجيل الكثير من المشاريع، وتقليص النفقات بخاصة الخدمية، وبيع الأصول، وفي بعض الحالات إعلان الإفلاس. وأضاف: «من المحتمل أن حوالى 20 في المئة من المنتجين النفطيين الأميركيين سيعلنون إفلاسهم، في وقت ستخفض الشركات النفطية نشاطها في الولايات المتحدة. ولن تفلس بقية المنتجين الأميركيين، ولكنهم سيكونون تحت ضغط مالي شديد جداً». يرى بابا أن السعر الأدنى لإنتاج النفط الصخري هو نحو 55 دولاراً لبرميل وسط غرب تكساس، النفط المؤشر للولايات المتحدة. ويضيف بهذا الخصوص: «أعرف هذا الأمر لأن شركتي «اي او جي ريسورز» هي التي طورت هذه التقنية، وهي الرائدة تقنياً في هذه الصناعة. أعتقد أن السعر سيرتفع الى معدل 55 دولاراً لوسط غرب تكساس». وبالنسبة للأسعار المستقبلية قال: «حتى لو ارتفعت الأسعار قليلاً في 2016 و2017، سنجد أن معدل الإنتاج الأميركي سيتغير قليلاً من انخفاض بنحو 700 ألف برميل يومياً في 2016 الى انخفاض يبلغ 200 ألف برميل يومياً في 2017. والسبب هو أن الشركات المستقلة ستبدأ بالحفر ثانية».
وبالنسبة للإنتاج خلال الفترة 2016-2018، يتوقع بابا تقلص الإمدادات والطلب في أواخر العام الحالي، ما سيرفع الأسعار الى نحو 65 دولاراً للبرميل في 2017. وسيرتفع الإنتاج الأميركي ثانية بحلول عام 2018. وأضاف: «هذا الافتراض من قبلي لا توافق عليه أوبك، لكن هذا هو افتراضي، وفي حال وقوعه، سينحسر انخفاض الإنتاج الأميركي في 2017، وسيكون نحو 200 ألف برميل يومياً، لا 600 ألف بحلول عام 2018. وفي حال ارتفاع الأسعار الى 65 دولاراً للبرميل، فإن الإنتاج الأميركي سيكون في صعود متزايد». لكن يحذر بابا، في الوقت ذاته، من أن ارتفاعاً كبيراً للسعر يجعل النفط الأميركي يغزو الأسواق مرة أخرى. وسيتكرر ثانية سيناريو تدهور الأسعار الحالي.
وعن الأسعار المرتفعة، قال بابا: «في حال استقرار الأسعار على مستوى فوق 75 دولاراً للبرميل في 2018 وبعدها، أتوقع أن يرتفع إنتاج النفط الأميركي نحو 1.2 الى 1.4 مليون برميل يومياً أو أكثر». وأضاف: «تستطيع الولايات المتحدة زيادة هذا المستوى من الإنتاج لمدة خمس الى عشر سنوات. هناك موارد طبيعية كافية لزيادة الإنتاج بهذه المعدلات وللفترات المذكورة. كما تستطيع أن تزيد إنتاجها الى 15 مليون برميل يومياً، إذا توافرت الأسواق مع طلب عالمي كافٍ. أما في حال ارتفاع الأسعار الى نحو 90 دولاراً للبرميل، فإن الولايات المتحدة ستنتج نفطاً أكثر من معدل زيادة الطلب السنوية. ما يعني أننا أمام تكرار سيناريو تدهور الأسعار الحالي ذاته، وبالتالي، بالطبع، إن الأسعار ستتدهور مرة أخرى».
ولكن، من جهة أخرى، أشار بابا الى ان الإنتاج النفطي الأميركي لن يستطيع، في حال استمرار الأسعار على مستوى منخفض، تلبية زيادة الطلب العالمي المستقبلي. وقال بهذا الصدد: «إذا استمرت الأسعار تحت مستوى 55-60 دولاراً للبرميل، لا أعتقد عندئذ أن الإمدادات الأميركية ستكون كافية لتلبية الزيادة في الطلب العالمي. من ثم، من المحتمل جداً ألا تستمر الأسعار على المستوى المنخفض 55-60 دولاراً للبرميل لفترة طويلة». في المحصلة، يعتقد بابا أن الحل لهذه الأحجية هو «تحقيق توازن الإنتاج الملائم ما بين أقطار أوبك وخارجها، بحيث يستقر النطاق السعري ما بين 60 و70 دولاراً». وأضاف: «أعتقد أن هذا التوازن ما بين دول أوبك وخارجها سيستقر خلال ستة أشهر الى سنتين، في حال لم تغير أوبك معدل إنتاجها».
* نقلا عن صحيفة ” الحياة “