بدأ الأميركيون يجنون مخلفات الاستراتيجية التي اعتمدها الرئيس باراك أوباما في الخليج والقائمة على جعل التقارب مع إيران أولوية على حساب التحالف مع دول مجلس التعاون التي بدأت في بناء تحالفات اقتصادية وعسكرية خاصة مع روسيا.
وقابلت دول الخليج استراتيجية أوباما باستراتيجية جديدة تقوم على كسر الاحتكار الأميركي لأسواقها خاصة في مجال الأسلحة، وبدأت بعقد صفقات كبرى مع دول مثل روسيا وفرنسا وبريطانيا، وهو ما أثار مخاوف جدية في أوساط المسؤولين الأميركيين.
وشكت دول خليجية من تأخر واشنطن في إقرار صفقة البوينغ لأكثر من عامين بزعم وجود مخاوف إسرائيلية من أن تقع المقاتلات التي تسعى الكويت وقطر والبحرين للحصول عليها بيد أيدي جهات معادية لها.
وحذر السيناتورات جون ماكين وبوب كوركر وجيك ريد وكلار ماكاسكيل في رسالة إلى البيت الأبيض من أن رفض الطلبات لن يمنع هذه الدول من شراء مقاتلات من الموردين الأجانب وخصوصا روسيا.
ونشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” في عددها السبت مقتطفات من هذه الرسالة التي دعا فيها أعضاء مجلس الشيوخ إلى المسارعة بإقرار الصفقة، وأن لا توقف الولايات المتحدة “الفرصة لتوسيع مجال نفوذها في الشرق الأوسط، وتحقيق هيمنتها الصناعية”، وألا تقدم “تنازلات لمصلحة منافسيها ومعارضيها”.
ووافقت وزارة الدفاع الأميركية ووزارة الخارجية على بيع 36 مقاتلة إف-15 لقطر و24 مقاتلة “إف-إيه 18 إي/إف سوبر هورنت” للكويت وكلاهما من صنع بوينغ.
إدارة أوباما تفشل في فهم التحولات التي تجري في دول الخليج العربي التي أصبحت تراهن على نفسها في حماية أمنها الإقليمي
وتبلغ قيمة الصفقة الكويتية حوالي ثلاثة مليارات دولار، بينما تقترب الصفقة القطرية من أربعة مليارات دولار.
وكان من المتوقع أن يتم الإعلان عن حسم هذه الصفقة خلال القمة الخليجية الأميركية في 11 أبريل 2015 بحضور الرئيس الأميركي، لكن ذلك لم يحصل، وهو ما قد يدفع الدول الثلاث إلى البحث عن بدائل.
ووقعت الكويت ومجموعة فينميكانيكا الإيطالية عقدا لشراء 28 مقاتلة من يوروفايتر تايفون. وبدورها أعربت البحرين عن رغبتها في توقيع عقد شراء 12 طائرة من نفس النوع.
ويوروفايتر تايفون هي طائرة أوروبية مقاتلة صممت ضمن برنامج تعاون عسكري بين بريطانيا وألمانيا وفرنسا وأسبانيا، وتصنعها فينميكانيكا الإيطالية. وبادرت قطر إلى شراء 24 طائرة رافال فرنسية، ولا يستبعد أن تتولى الدوحة بدورها الاستعانة بتايفون لتجهيز أسطولها الجوي.
وقال مراقبون إن إدارة أوباما فشلت إلى حد الآن في فهم التحولات التي تجري في دول الخليج التي أصبحت تراهن على نفسها في حماية أمنها الإقليمي، وأن علاقتها بالولايات المتحدة خرجت من دائرة التحالف التقليدي الذي يعطي واشنطن الأولوية في الصفقات.
وأشاروا إلى أن دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة مدعوة إلى مراجعة استراتيجيتها على ضوء هذا التحول النوعي في سلوك حلفائها في الشرق الأوسط، لافتين إلى أن الدبلوماسيين الأميركيين سيكونون أكثر حذرا في المستقبل في إطلاق التصريحات التي تخص دول الخليج.
ولا شك أن الرئيس الأميركي الحالي الذي سيغادر خلال نوفمبر قد وضع الرؤساء القادمين في وضع صعب بإغضابه لدول الخليج التي تبحث عن علاقة متكافئة مع الأميركيين ولم تعد ترضى بدور هامشي.
ويقول خبراء إن دول الخليجي اختارت عن عمد “العصب الاقتصادي” موضعا للضغط على الولايات المتحدة، لدرايتها بحساسيته الشديدة، مؤكدين أن فقدان صناعة السلاح الأميركية لأسواق بلدان الخليج الغنية سيكون ضربة قوية للاقتصاد الأميركي.
ومن الواضح أن الأميركيين أفاقوا متأخرا على تحولات جذرية لدى دول الخليج التي لم تعد تمانع في بناء علاقات وثيقة مع روسيا اقتصاديا وعسكريا وسياسيا، خاصة أن القيادة الروسية تعاطت بذكاء مع مطالب الخليجيين ورغبتهم في التحول إلى قطب إقليمي مؤثر سياسيا.
وقال ألكسندر شوميلين الخبير الروسي في شؤون الشرق الأوسط في تصريح سابق لـ”العرب” إن روسيا استفادت من الاستياء الخليجي من سياسات واشنطن في المنطقة وخصوصا التقارب الأميركي الإيراني، مما خلق رغبة لديهم للانفتاح تجاه روسيا لتحقيق تنوع وتوازن في العلاقات الدولية.
صحيفة العرب اللندنية