تنحي أحمد داود أوغلو المفاجئ من رئاسة حزب العدالة والتنمية أثار فضول المحللين، ونشرت في وسائل الإعلام المحلية والعالمية تحليلات كثيرة حول الأسباب التي دفعت داود أوغلو إلى اتخاذ هذا القرار، إلا أن معظم تلك التحليلات إما سطحية وعاطفية وبعيدة عن الواقع أو تحاول استغلال الحدث وتوظيفه لأغراض مختلفة.
ومن أبرز أمثلة تلك التحليلات ما نشره الكاتب والمحلل «جون هدسون» في مجلة «فورين بوليسي» الأميركية تحت عنوان: «أميركا تخسر رجلها في أنقرة»، وقال فيه إن «الاستقالة المفاجئة لرئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو تهدد بتدمير العلاقة المشحونة حاليا بين واشنطن وأنقرة، إذ يعتبر داود أوغلو حليفا موثوقا به للولايات المتحدة وصوتا للاعتدال داخل الحكومة التركية».
وزعم الكاتب أن الولايات المتحدة وجدت في داود أوغلو خلال الفترة الماضية محاورا يتبنى خطا أكثر اعتدالا في التعامل مع الأكراد.
أحمد داود أوغلو منذ أن تولى منصب كبير المستشارين لرئيس الوزراء، أي منذ بداية 2003، يعد من أبرز المهندسين لسياسة خارجية تركيا. وتم تعيينه وزيرا للخارجية من خارج البرلمان في الأول من مايو 2009، وشغل هذا المنصب إلى أن تولى رئاسة الوزراء في 28 أغسطس 2014 خلفا لأردوغان. وبعبارة أخرى، هو أحد أبرز مهندسي السياسة الخارجية التركية التي اتهمت بأنها تسعى وراء إحياء أمجاد الدولة العثمانية.
ووصف الكاتب الأميركي اليهودي الشهير توماس فريدمان، في مقاله المنشور بصحيفة نيويورك تايمز في 18 فبراير 2015، تصريحات أردوغان وداود أوغلو حول مؤامرة اللوبي اليهودي بـ «المعادية للسامية» و «مثيرة للاشمئزاز».
وهل يمكن أن يكون هذا الرجل «رجل أميركا في أنقرة»؟ كلا!
إذن، ما الذي يعني نشر مثل هذه التحليلات؟ يمكن أن نقرأ ما نشرته مجلة «فورين بوليسي» الأميركية، ضمن محاولة واشنطن استمالة داود أوغلو، بعد أن يئس من إقناع أردوغان بضرورة العمل مع حزب الاتحاد الديمقراطي، الذراع السورية لحزب العمال الكردستاني.
دوران كالكان، أحد قادة حزب العمال الكردستاني المتواجدين في معسكرات قنديل بشمال العراق، في تعليقه على تنحي داود أوغلو من رئاسة حزب العدالة والتنمية تمهيدا لاستقالته من رئاسة الوزراء، زعم أن الإدارة الأميركية تريد حلا في الرقة والموصل قبل الانتخابات الأميركية المقرر إجراؤها في الثامن من نوفمبر المقبل، ولذلك طلبت من الحكومة التركية وقف العمليات الأمنية ضد عناصر حزب العمال الكردستاني، كما طلبت من هذا الأخير إنهاء هجماته الإرهابية في الأراضي التركية، مضيفا أن حزب العمال الكردستاني أبدى فورا استعداده لقبول هذا الطلب، وأن داود أوغلو أيضا كان مستعدا لاستجابته، إلا أن رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان رفض طلب واشنطن.
داود أوغلو، مثل جميع بني آدم يخطئ ويصيب، ويجوز النقاش حول آرائه ومواقفه، إلا أنه أكاديمي ناجح وسياسي وطني من رأسه إلى أخمص قدميه، كما أن معظم المؤيدين له في حزب العدالة والتنمية إسلاميون.
وبالتالي، فمن المستحيل وصفه بـ «رجل أميركا في أنقرة»، ولا رجل أي دولة أخرى. وخير دليل على ذلك تصريحاته ومؤلفاته ونظرياته وسجله الأكاديمي والسياسي والدبلوماسي.;
إسماعيل ياشا
صحيفة العرب القطرية