كانت هذه الأحداث مؤسفة جداً للمجتمع العراقي الذي خاض حرب الثماني سنوات ضد إيران، لإيقاف مدها الثوري الطائفي، فمن الذي يدفع اليوم ويساهم في صناعة الولاء الإيراني داخل العراق، ويكتل هذه المجاميع التي تقف ضد الوطنية العراقية وضد الجار العربي. هناك خمس جهات مسؤولة عن هذا العمل:
أولاً: بعض السياسيين والأحزاب الدينية في السلطة والقادمة من إيران، حيث زرع هؤلاء بذرة الولاء الخارجي مُنذ عام 2003، من خلال مدحهم القيادات الإيرانية، وفتح باب الاستثمار غير المشروط للشركات الإيرانية، وجعل العراق سوقاً لمنتجاتها حصراً، ودعم إيران سياسياً واتخاذ المواقف نفسها في السياسة الخارجية، ويذهب كثيرون منهم لتلقي الدعم الإيراني في الحصول، أو الوصول إلى المناصب العليا في الحكومة العراقية. ذلك جعل من باقي السياسيين يتخذون إيران سبيلاً لاختصار الطريق إلى المناصب الحكومية، وكسب رضا الأطراف المواليه لها، وهذا انعكس أيضاً على من يعملون مع هذه الفئة حيث اتخذوا نفس الأفكار الموالية لإيران.
ثانياً: المليشيات المدعومة من الأحزاب أو السياسيين والمدعومة إيرانياً، هذه المليشيات كثيراً ما تعلن ولاءها للمرشد الأعلى وإطاعتها أوامره، فهي تُمارس القتل والتعذيب والتهجير بحق كل من يحاول اتهام إيران، أو الإشارة بأنها تتدخل في العراق، وكثيراً ما ترسل من يتطوع في صفوفها إلى التدريب في معسكرات إيرانية، لتتم صياغة عقليته بأنه جندي تحت إشراف الحرس الثوري، ليعود إلى العراق بشعور أنه يحمل واجب الدفاع عن إيران ضد أبناء بلده.
ثالثاً: القنوات التلفزيونية والصحف العراقية المدعومة من بعض السياسيين والأحزاب، أو من إيران مُباشرة، فهذه القنوات والصحف تعمل بدون رقابة أو ضوابط للرسائل الإعلامية، فهي تبث، ليل نهار، لبناء صورة ذهنية نمطية عن الولاء لإيران على حساب العراق، فهم يشكرون ويثنون على القيادة الإيرانية وتدخلاتها، ويصوّرون القادة الإيرانيين بأنهم أبطال في أعين الشعب العراقي.
رابعاً: بعض رجال الدين الذين يستخدمون المنابر لأهداف سياسية، حيث يعملون على دمج المذهب الديني بإيران، ليصبح كل من يحاول المساس بها بأنه يمس المذهب، وبأن الحماية الإيرانية مستمرة للعراق. بالتالي، هو جزء منها.
خامساً: الجيش الإلكتروني الإيراني المتكون من رجال الأحزاب الدينية، وبعض الموالين لإيران، يعمل في مواقع التواصل الاجتماعي لصناعة رأي عام، بعيد عن الوطنية العراقية، إذ يدعم كل السياسات الإيرانية، ويحارب كل من يتحدث عنها، ويستخدم أسماء عراقية، ليوهم الناس بأن صاحب الحساب عراقي وطني، لكنه يوالي إيران، وذلك ليجعل الشباب العراقي مُقتنع بأن الولاء لإيران مُنتشر أصلاً، وأن الناس مُتفقون عليه.
الضحية في ذلك كله هو المجتمع العراقي الذي تحاربه هذه الجهات الخمس، وتعمل على تمزيقه بإشعال حرب بين مكوناته وتفتيت رأيه تجاه التدخلات الإيرانية، وإقناعة بأن فضلها كبير جداً، وأن الشكر والتقدير واجب، والمستفيد الوحيد من هذا هو إيران التي تريد إبتلاع العراق، أرضاً وشعباً.