أدَّت الثورة اليمنية ثم الانقلاب الذي أعقبها على الشرعية إلى تمزيق الجيش اليمني وتنامي عدد الجماعات المسلحة ودورها، مما يجعل تحدي إعادة بناء الدولة اليمنية عملية بالغة التعقيد وغير مضمونة النتائج.
اليمن: تنامي الجماعات المسلحة وتضاؤل الجيش (رويترز)
فشل الاحتواء
بعد أسابيع قليلة من انقلاب 21 سبتمبر/أيلول 2014 الذي قامت به جماعة أنصار الله (الحوثيون)، بدت آثار الصدمة التي تعرض لها الجيش اليمني، تبرز شيئًا فشيئًا، وسقطت فكرة احتواء الانقلاب بالتعاطي المرن معه. كانت رؤية كثير من قادة الجيش وقيادات سياسية وحزبية شمالية، تعتقد أن من المصلحة الوطنية إفشال أية مواجهة مع الحوثيين؛ كيلا تدخل محافظات الشمال في حرب تستنزفها، فتستغل ذلك قوى جنوبية ذات ميول انفصالية لتعلن فكَّ الارتباط عن الشمال الذي تنادي به منذ سنوات، لكن هذه السياسة أثبتت فشلها، وهو ما يشهد عليه واقع الحال.
فجوة الخبرة
تجلَّت مظاهر التذمر في صفوف الجيش مع ازدياد توغل الحوثيين في بنيته القيادية في مستويي الميدان والإدارة، وسيطرتهم على قياداته؛ للدرجة التي تحوَّل معها الكثير من هؤلاء إلى مجرد كَتَبَة ومسيِّري أعمال يتحكم بهم شباب يُطلق عليهم “مشرفون” يتبعون “اللجان الثورية” الحوثية. لقد كان الشعور بالإهانة يكتنف الكثير من أفراد وضباط الجيش الرافضين لانقلاب الحوثيين وسيطرتهم على مؤسسات الدولة دون أية مواجهة (1)، الأمر الذي دفع الكثير من القادة والضباط لمغادرة العاصمة، خاصة الجنوبيين، في عملية مشابهة لما حدث قبيل حرب 1994. ثم زادت هذه الموجة إثر هروب الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى عدن في 22 فبراير/شباط 2015، ولم يقتصر ذلك على الجنوبيين فحسب، بل على كثير من الضباط الشماليين.
أحدث هذا النزوح تحولًا حرجًا في بنية الجيش، من خلال الفجوة الناشئة في إدارة وتصريف شؤونه، وفي إدارة بعض الأسلحة؛ كالطيران، ومنظومة الصواريخ، لم يشعر به الحوثيون إلا بعد الضربة الجوية الأولى التي شنَّتها طائرات تحالف “عاصفة الحزم” في 26 مارس/آذار 2015، حين عجزوا عن إدارة وتوجيه ما تبقى من صواريخ من نوع سكود؛ حيث فشلوا غير مرة في إطلاقها، وكان مصيرها السقوط داخل أراضي البلاد. إن ما يؤكد على حصول الفجوة تلك، جرَّاء مغادرة كثير من الخبراء والمهندسين والفنيين وتخليهم عن الحوثيين، أن الرد بإطلاق صواريخ سكود باتجاه الأراضي السعودية جاء متأخرًا؛ إذ وقع ذلك في 6 يونيو/حزيران 2015، أي بعد أكثر من شهرين على الغارة الجوية الأولى للتحالف (2).
ما يسترعي الإشارة إليه في هذه النقطة، أن ما حصل لم يكن ليعني انعدام من يمكنهم جسر تلك الفجوة من مهندسين وفنيين شماليين، بل المسألة تتعلق، كذلك، بعوامل أخرى كالخبرة الطويلة في التعامل مع تلك الصواريخ؛ ذلك أن أول دخولها في الخدمة بالجيش اليمني، كان في الجنوب قبل تحقيق الوحدة في 22 مايو/أيار 1990. ثم عزَّز اليمن قدراته بعد ذلك بشراء عدد منها بطرق سرية، كُشف عن صفقة منها عند اعتراض البحرية الإسبانية سفينة كورية شمالية قبالة السواحل اليمنية في ديسمبر/كانون الأول 2002، وهي في طريقها إلى اليمن، وعلى متنها 15 صاروخًا أُخفيت تحت شحنة من الإسمنت، ثم أُفرج عنها بعد ذلك لتُفرَّغ تلك الصواريخ في ميناء الحديدة (3).
انكشاف جوي
بعد الضربة الجوية الأولى لم تكن المعارك التي تلتها سوى متغيرات ثانوية في مصفوفة الحرب؛ فهذه الضربة التي يُطلَق عليها في أدبيات الحرب “الشلل الاستراتيجي”، لا تُبقي ولا تذر؛ لأنها ترمي إلى حرمان العدو من استخدام قدراته الهجومية والدفاعية، بما يقلِّل من عُمر المعركة ويخفض كُلفة المواجهة المستقبلية مع الخصم (4). لقد كان هذا ما حدث بالفعل، فقد دُمِّر كل شيء، ولم تُسجَّل حالة واحدة أسقطت فيها الدفاعات الجوية طائرة للتحالف. لقد كانت الطائرات تحلق على ارتفاع منخفض، ومع ذلك لم تعترضها أية مضادات حتى مدافع الأمدية المتوسطة.
بصورة عامة، يمكن القول: إن الضربات الجوية التي استمرت لشهور، أفرغت، تمامًا، أي نشاط داخل محيط المواقع العسكرية المستهدفة، وأحدثت شللًا طويل المدى، تحول معه أغلب الطيارين والمهندسين والضباط والجنود إلى طاقة معطلة، وهدفًا مكشوفًا كلما حاولوا التحرك، بل ترك بعضهم أعمالهم ليعملوا كمزارعين في قراهم(5). ولو لم تحصل تلك الضربة، أولًا، والاستمرار على نهجها ثانيًا، لدارت الحرب بالطريقة ذاتها التي دارت بها حرب 1994 التي تمكَّن صالح من حسمها بعد شهر ونصف من نشوبها.
المشهد بعد عام من الحرب
لم يكن الحوثيون يتوقعون أن يجدوا أنفسهم بعد عام وهم على حدود ما قبل 1990، وأن يحيط بهم جيش مناهض للانقلاب وداعم لشرعية رئيسٍ كان رهنَ اعتقالهم، ثم أفلت منهم ليطاردوه من أقصى الشمال حتى حدود خليج عدن.
والآن، كيف يبدو المشهد العسكري ودينامياته بعد أكثر عام على الحرب؟
أولًا: وضع الجيش الوطني
- التركيبة القيادية
أخذ كيان مؤسسة الجيش في الانقسام العلني والحاد، على مستوى القيادات الإدارية الميدانية، بعد أيام قليلة من هروب الرئيس هادي إلى عدن، خصوصًا ممن ينتمون إلى الجنوب، ثم لحق به بعض ممن بقي منهم بصنعاء، مثل وزير الدفاع اللواء محمود الصبيحي الذي غادرها هاربًا في 8 مارس/آذار 2015. وتعتبر تركيبته القيادية الراهنة نسخة مقابلة للنسخة الأصل التي أضحت في قبضة الحوثيين. ويدير هذا الجيش، الآن، رئيس هيئة الأركان اللواء محمد المقدشي، فيما لا يزال موقع وزير الدفاع (اللواء الصبيحي) شاغرًا؛ لكونه مختطفًا لدى الحوثيين منذ 25 مارس/آذار 2015، فيما يقوم رئيس الجمهورية ونائبه، الفريق علي محسن الأحمر، بالإشراف على مهام الجيش وفقًا للدستور (6).
تنتظم وحداته العسكرية المقاتلة في أربع مناطق عسكرية من بين سبع مناطق، حسب الهيكل التنظيمي الذي تضمنه قرار رئيس الجمهورية رقم (104) لسنة 2013، بشأن تقسيم مسرح العمليات العسكرية للجمهورية اليمنية، وتسمية المناطق العسكرية وتعيين قياداتها (7).
هذه المناطق هي: الأولى ومقرها بحضرموت (سيئون)، والثانية كذلك بحضرموت (المكلا)، والثالثة بمأرب، والرابعة بعدن، فيما تخضع الثلاث الأُخر لسلطة الحوثيين.
- المقدَّرات البشرية والمادية
تتكون قدرات الجيش الوطني من القوة البشرية المكوِّنة لوحدات الجيش السابق التي لم تخضع لسيطرة الحوثيين، وكذا المجندين الجدد الذين انتظموا في وحدات عسكرية جديدة في المناطق المؤيدة للرئيس هادي. وقد كشف رئيس هيئة الأركان أن الجيش الوطني يبلغ 100 ألف مقاتل (8) يتوزعون في المناطق العسكرية الأربع المشار إليها سلفًا.
أمَّا المقدَّرات المادية فتشمل العتاد العسكري الذي لا تزال تحتفظ به وحدات الجيش السابق المؤيدة للرئيس هادي. وهي وحدات عسكرية متكاملة القوة نسبيًّا؛ لأنها لم تتعرض لهجمات طائرات التحالف، كما أنها ظلَّت بعيدة عن أيدي الحوثيين أثناء بسط نفوذهم بعد انقلاب 21 سبتمبر/أيلول 2014. يأتي على رأس هذه الوحدات ألوية المنطقة العسكرية الأولى بحضرموت (الوادي والصحراء) التي يقودها اللواء عبدالرحمن الحليلي، ومن ضمن أبرز ألويتها اللواء 37 مدرع الذي يقوده الحليلي نفسه. فضلًا عن كتيبة من اللواء 35 مدرع في تعز، وهي الكتيبة الوحيدة التي صمدت أمام الحوثيين، ولا تزال مسيطرة على بعض ضواحي المدينة (9).
كما جرى رفد الجيش الوطني بأسلحة متنوعة من قِبل دول التحالف، مثل: أسلحة المشاة، وعربات المشاة المدرعة، ومدفعية متنوعة، ومنظومات دفاع جوي، وأجهزة اتصال، ومعدات كسح ألغام، وساحبات، وسيارات نقل رباعية الدفع، وإعادة تأهيل قاعدة العند لتصبح قاعدة عمليات متقدمة والدعم الجوي القريب والتدريب(10).
- الانتشار ومناطق النفوذ
تنتشر وحدات الجيش الوطني التي كانت ضمن الجيش السابق، في كلٍّ من: حضرموت (الوادي والصحراء)، والمهرة، ومأرب، وسقطرى، وتعز. فيما تنتشر الوحدات الجديدة في أغلب محافظات الجنوب وعدد من مناطق محافظات الشمال التي تخضع لسلطة الرئيس هادي، مثل: ميدي وحرض بمحافظة حجة، وأغلب مديريات تعز، وفي منطقة نهم بصنعاء، وأغلب مديريات محافظتي مأرب والجوف.
يبين الجدول (1) مناطق انتشار ونفوذ الجيش الوطني، ويبين الجدول (2) توصيفًا موجزًا للوضع الحالي للجيش.
جدول (1) مناطق نفوذ قوات الجيش الوطني
مناطق لا نفوذ | مناطق نفوذ مشترك | مناطق نفوذ ضئيل | مناطق نفوذ كامل |
العاصمة إب ذمار المحويت صعدة عمران ريمة |
تعز
الجوف
مأرب
شبوة
أبين
|
أمانة العاصمة |
عدن
لحج
الضالع
حضرموت
المهرة
أرخبيل سقطرى
|
جدول(2) توصيف الوضع الراهن للجيش الوطني
المتغــــــــــــــــير |
التـوصـــــــــــــيف |
نقاط القوة |
|
نقاط الضعف |
|
الفرص المتاحة |
|
التهديدات |
|
ثانيًا: وضع اللجان الشعبية الحوثية والجيش المساند لها
- التركيبة القيادية
تمثِّل هذه التركيبة النسخة الأصل للجيش السابق ممن تماهوا مع ميليشيات الحوثيين خلال أربع محطات تحول، هي:
- انقلاب 21 سبتمبر/أيلول 2014.
- تقديم الرئيس هادي استقالته ووقوعه رهن الإقامة الجبرية في 22 يناير/كانون الثاني 2015.
- هروب الرئيس هادي ورجوعه عن الاستقالة.
- بدء التحالف العربي عملياته الجوية وإعلانه التدخل في اليمن.
خلال هذه المحطات، تمكَّن الحوثيون من التوغل في بنية الجيش وتغيير ملامح القيادة وإعادة ترتيب رجالها حتى صاروا اليوم هم المحرك الحقيقي لكل ما تبقى من القوى الأربع: البرية، والبحرية، والجوية، والدفاع الجوي. فقد تمكَّنوا بعد أيام من الانقلاب من انتزاع قرار من الرئيس هادي بتعيين زكريا الشامي في منصب نائب رئيس هيئة الأركان وترقيته إلى رتبة لواء، وكان هذا التعيين مفتتحًا للتوغل في كيان الجيش واستكمال السيطرة عليه. كما تمكَّنوا من إدماج قادة ميدانيين ومنحهم رتبًا عسكرية رفيعة دون استحقاق موضوعي وقانوني، وتعيينهم في مواقع قيادية مهمة لا يشغلها إلا عسكريون أكاديميون من ذوي الكفاءة والجدارة. القادة الميدانيون هؤلاء، هم من يدير المعركة في بعض الجبهات، ويُعتبر عبد الله يحيى الحاكم، المكنَّى بـ”أبي علي الحاكم” -المدرَج في عقوبات مجلس الأمن الدولي- أحد أبرز هؤلاء القادة؛ حيث حصل على رتبة عميد وتولَّى قيادة المنطقة العسكرية الرابعة، على نحو متداخل مع المنطقة ذاتها التي يقودها اللواء أحمد سيف اليافعي في الجيش الوطني المسانِد للرئيس هادي. وقد اتخذ الحاكم من مدينة تعز مقرًّا لقيادة المنطقة الرابعة ومركزًا لإدارة عملياتها في وسط البلاد والجنوب (11).
- القدرات البشرية والمادية
يظل تحديد حجم القوة البشرية لتحالف الحوثيين والجيش الموالي لهم ولحليفهم صالح أمرًا متعذرًا؛ نظرًا لاعتبارات كثيرة؛ لأن ميليشيات الحوثي راكمت قوتها البشرية خلاف الحروب الستة بين عامي 2006-2010، ليبلغ عدد من حشدوهم، في إحدى سنوات الحرب، عشرين ألف مقاتل (12)، وقد شارك الكثير منهم في المراحل الأولى خلال تقدمهم نحو صنعاء. يضاف إلى ذلك الهروب المتكرر للجنود جرَّاء ارتفاع الضحايا في أوساطهم، وكذا الإحلال والاستبدال المستمريْن، إلا أن البعض يقدِّر عدد مجنديهم الجدد بنحو 130 ألف جندي في الجيش والشرطة (13).
يمثِّل ما دون سنِّ سبع عشر سنة أغلب مقاتليهم؛ حيث التزم زعيم الحوثيين، عبد الملك الحوثي، للممثِّلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة المعنية بالأطفال والنزاع المسلح، في ديسمبر/كانون الأول 2012، بعدم تجنيد الأطفال، وتسريح من التحقوا بصفوفه منهم، إلا أن شيئًا لم يكن؛ حيث طالب قرار مجلس الأمن رقم 2216، في إبريل/نيسان 2015، بوقف تجنيد الأطفال وتسريحهم من صفوفهم (14)، كما أشارت هيومان رايتس في تقريرها الصادر في 12 مايو/أيار 2015 إلى أن أعمار مقاتلي الحوثي تقع دون سن الخامسة عشرة (15).
- الانتشار ومناطق النفوذ
يمثِّل أغلب محافظات الشمال مناطق انتشار وسيطرة الحوثيين، كما أن مجاميع من مقاتليهم يتمركزون في محافظتي شبوة وأبين الجنوبيتين، في جيوب صغيرة داخل منطقة مكيراس المشتركة بين محافظتي أبين والبيضاء، وفي أجزاء من مديرتي عسيلان وبيحان بمحافظة شبوة المجاورتين لمحافظتي مأرب والبيضاء على الترتيب. وتعتبر هذه الجيوب آخر مناطق سيطرة ونفوذ الحوثيين داخل حدود ما قبل عام 1990.
يوضح الجدول(3) مناطق انتشار ونفوذ اللجان الشعبية الحوثية والجيش المساند لها، ويبين الجدول (4) توصيف الوضع الحالي لهما.
جدول (3) مناطق نفوذ قوات الحوثيين وصالح
مناطق لا نفوذ | مناطق نفوذ مشترك | مناطق نفوذ ضئيل | مناطق نفوذ كامل |
عدن
لحج
الضالع
حضرموت
المهرة
أرخبيل سقطرى
|
تعز
الجوف
مأرب
الحديدة
|
شبوة
أبين
|
أمانة العاصمة
إب
البيضاء
ذمار
المحويت
صعدة
عمران
ريمة
|
جدول (4) توصيف الوضع الراهن للجان الشعبية الحوثية والجيش المساند لها
المتغــــــــــــــــير |
التـوصـــــــــــــيف |
نقاط القوة |
|
نقاط الضعف |
|
الفرص المتاحة |
|
التهديدات |
|
ثالثًا: موقف فصائل المقاومة الشعبية
تضم المقاومة الشعبية فصائل حزبية ودينية (إسلامية) وقومية ويسارية، أبرزها الفصائل المنتمية لحزب التجمع اليمني للإصلاح، فالتيارات السلفية، فالمتطوعون المستقلون، فالحزب الناصري، ثم الحراك في محافظات الجنوب. وتتمتع المقاومة بدعم مالي وتسليح ومؤازرة من حكومة الرئيس هادي، وجهات داخلية، ودول التحالف، ومن مصادر غير معروفة (16). وتحظى المقاومة في محافظات الجنوب بدعم دول التحالف أكثر مما تحظى به فصائل مقاومة الشمال، خصوصًا المقاومة في تعز التي تمثِّل أحد أقوى معاقل المقاومة في الشمال، رغم أنها لا تمتلك سوى ثماني آليات مدرعة، وبعض السيارات رباعية الدفع، والأسلحة الخفيفة والمتوسطة (17).
فيما يلي الأطر العامة لفصائل المقاومة بوصفها المرجع الرئيس لكل فصيل ثانوي على حِدَة.
- شباب حزب الإصلاح
انخرط شباب حزب التجمع اليمني للإصلاح في المقاومة الشعبية منذ وقت مبكر، امتدادًا لرفض الحزب لانقلاب الحوثي على شرعية الرئيس هادي، وانتظم بعضهم في شكل مجاميع تضم مقاتلين مستقلين شاركوا في القتال إلى جانب الجيش الوطني في تعز، ومأرب، وعدن، والجوف، وإب، وذمار، وضواح من صنعاء. ويعد الشيخ حمود المخلافي، قائد مقاومة تعز وقائد لواء الحمزة مقاومة، أبرز قادة المقاومة الشعبية في اليمن. كما يعد شباب هذا الحزب العمود الفقري للمقاومة في محافظات الشمال، سواء الفصائل التي تعلن ولاءها للحزب أو تلك التي تعمل بوصفها فصائل مستقلة. ويُعزى له دور فاعل في رفع الحصار عن مدينة تعز بمساندة اللواء 22 وجهود فصائل المقاومة الأخرى (18).
- الجماعات السلفية
دخل السلفيون الحرب إلى جانب الجيش الوطني ضمن كتائب مستقلة عن بعضها، وتمركزوا في عدن وتعز، ثم ما لبثوا أن ظهروا كقوة مقاتلة لا يُشقُّ لها غبار، تدفعها طاقة عقدية ثأرية تناصب الحوثيين العداء على منازع مختلفة؛ ذلك أن بعضهم من طلاب بلدة دماج السلفية بصعدة التي أجبر الحوثيون طلابها على النزوح منها في يناير/كانون الثاني 2014 (19). وقد انخرط السلفيون في المقاومة الجنوبية في مدينة عدن منذ اشتداد المعارك ضد الحوثيين، وكان موقفهم المبدئي عند إعلان مجلس مقاومة عدن، الالتفاف حول الرئيس هادي، والابتعاد عن أي نبرة أو شعار جهوي أو حزبي يفصلها عن الفعل العام المقاوم في عموم البلاد. ويعد هاني بن بريك أبرز قادتها في عدن، وقد انتُخب نائبًا لرئيس مجلس المقاومة، نايف البكري، القيادي في حزب الإصلاح.
- الحراك الجنوبي
تيار سياسي جنوبي، حمل على عاتقه، منذ تأسيسه عام 2007، مطلب انفصال الجنوب وفكِّ الارتباط عن الشمال الذي جاءت به الوحدة عام 1990 (20). استهدف بعضُ فصائله خلال السنوات العشر الماضية وحداتِ الجيش والأمن المتمركزة في الضالع ولحج، بادعاء أنها قوات احتلال شمالية، ثم شارك في قتال الحوثيين ووحدات الجيش والشرطة المساندة لهم في عدن والضالع ولحج. يعتبر شلال علي شايع وعيدروس الزبيدي من أبرز القادة، وقد عُيِّن الأول مديرًا لأمن عدن، والآخر محافظًا لها.
- الناصريون
يعد الحزب الوحدوي الناصري من مناهضي الانقلاب على المستوى الميداني والسياسي، وقد انخرط مقاتلوه في المعركة ضد الحوثيين وحليفهم صالح، وأسهموا في الدفاع عن مدينة تعز جنبًا إلى جنب مع فصائل المقاومة الأخرى، ومسيطرين على أحد مداخل المدينة.
- المستقلون
بطبيعة الحال، لا يمكن وصفهم بالمستقلين على وجه العموم؛ إذ إن بعضهم ينتمي لبعض الأحزاب السياسية بما فيها حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يسيطر عليه الرئيس السابق، علي صالح، المتحالف مع الحوثيين، إلا أن عصبية الأرض غلبت على عصبية الحزب عند هؤلاء، فحملوا السلاح ضد الانقلاب الحوثي وحلفائه، في أغلب مناطق البلاد منذ اليوم الأول للانقلاب، وقد برز كمثال على هذا التوجه الشيخ عارف جامل، وهو شخصية مؤتمرية معروفة في مدينة تعز.
رابعًا: تنظيما القاعدة والدولة الإسلامية (داعش)
أخذت القاعدة مكانًا بارزًا في القتال مع الجيش اليمني، شأنها شأن جماعة الحوثي؛ حيث بدأت ذلك أثناء فترة حكم الرئيس السابق، علي صالح، وقد كانت جماعة أنصار الشريعة ممثِّلًا للتنظيم في اليمن، ثم أعلن عن قيام قاعدة الجهاد في جزيرة العرب في اليمن عام 2011. واتخذت من مناطق في أبين وشبوة وحضرموت مراكز نشاط وتدريب لها، واستولت على مدينة زنجبار وحكمتها من مايو/أيار 2011 إلى مايو/أيار 2012، ثم عاودت ذلك بالاستيلاء على مدن ساحل حضرموت، بدءًا بالمكلا، فحكمتها منذ إبريل/نيسان 2015 إلى إبريل/نيسان 2016؛ حيث أُخرجت من هذه المدينة تحت وطأة حملة عسكرية قامت بها المنطقة العسكرية الثانية بمقاتلين من الجيش الوطني المكوَّن أخيرًا في حضرموت وبمساندة جوية وبحرية من قوات دول التحالف.
شارك أنصار الشريعة في قتال الحوثيين في عدن وفي تعز، وأعلن، بوضوح، القيادي الأول في التنظيم، خالد باطرفي، في سياق تبريره لسيطرتهم على المكلا؛ أن ذلك يأتي قطعًا للطريق على الحوثيين أمام احتلالها، وفي ذات الوقت، أنها -وهي في أيديهم- مثَّلت مركز دعم لمقاتليهم في الجبهات ضد الحوثيين (21).
أمَّا تنظيم الدولة في اليمن، فلا يزال غامضًا قيادة وقواعد؛ نظرًا لحداثة نشأته ومحدودية انتشاره، أمَّا ما يثار من جدل عن تبعيته لأشخاص أو جماعات داخلية، فيفتقد للحُجج التي تؤكد ذلك.
الخاتمة
يبدو المشهد السياسي والعسكري القادم وكياناته المتفاعلة، أقرب ما يكون إلى الوضوح، وهو السير إلى وحدتين سياسيتين، إن لم تكن ثلاثًا: شمال، وجنوب. شمال لديه جيشان؛ جيش للشرعية، وجيش للانقلاب. وجنوب لديه جيش واحد للشرعية ولكن في حقيقته يتبع الحراك الجنوبي الذي ينزع للانفصال ولا وجود لشمالي فيه، وهذا يمثِّل خطرًا كبيرًا على مستقبل اليمن؛ حيث أن الاقتتال بين الجيشين الشماليين يستنزفهما فتتوفر فرصة للجيش الجنوبي كي يكرر سيناريو 1968 فيدفع نحو انفصال الإقليم.
خيار المشاركة هو الضامن لمصلحة الجميع لأنه يحقق الاستقرار لكل اليمنيين، وهذا الأمر مرهون بنتائج مفاوضات الكويت؛ لأنها فرصة ثمينة، بشرط التطبيق الفعلي لما اتفق عليه، في ظل نظام فيدرالي يقدِّم بديلًا لخيار الانفصال.
تظل المشكلة في الجماعات المسلحة التي تحتكم لمنطق القوة ومصادرة حق الآخر، وهي ذاتها القوة التي تُستخدم كقفاز لتحقيق مصالح كيانات سياسية أخرى، ولن تحقق هذه الجماعات مكاسب سياسية دائمة، ما لم تضع السلاح، فهل ستضعه؟ المؤكد أنها لن تضع السلاح في الوقت القريب، وهذا ما يجعلنا نتوقع استنساخ نموذج العراق، على اختلاف يسير في الدوافع والنتائج بينهما.
____________________________
علي الذهب – باحث يمني في الشؤون الاستراتيجية
مراجع
1. تقرير مركز أبعاد للدراسات والبحوث لعام 2014، متاح على: www.abaadstudies.org
2. ينظر الرابط: https://arabic.rt.com/news/785093
3. Archive.aawsat.com/details.asp?article=141379&issueno=8782#.v0kyTMsVq.
4. مصباح، عامر، نظريات التحليل الاستراتيجي والأمن للعلاقات الدولية (دار الكتاب الحديث، القاهرة، 2011)، ص300.
5. ينظر ذلك في: http://www.akhbryemen.com/yemen/61156.html
6. عيَّن الرئيس عبد ربه منصور هادي اللواء علي محسن الأحمر نائبًا للقائد الأعلى للقوات المسلحة بموجب القرار (38) لسنة 2016، متاح على الرابط: www.alrayadh.com/1143402
7. ينظر موقع مؤتمر الحوار الوطني على الرابط: www.hiwar.watani.org
8. لقاء مع رئيس أركان الجيش اليمني في صحيفة الرياض، متاح على الرابط: www.alrayadh.com
9. ينظر الرابط: https://www.alaraby.com.uk/politics
10. ألكسندر ميلو، مايكل نايتس، “عمليات التحالف الخليجي في اليمن (الجزء الأول): الحرب البرية”: متاح على الرابط: www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/gulf
11. شمل قرارا مجلس الأمن القائد الميداني عبد الله يحيى الحاكم وطالته تدابير جزائية وفق القرارين 2140 لعام 2014، و 2216 لعام 2015م. ينظر ذلك في: https://un.org/sc/suborglar/sanction/2140
12. مجموعة باحثين، الحوثية في اليمن: الأطماع المذهبية في ظل التحولات الدولية (مركز الجزيرة العربية للدراسات والبحوث بصنعاء، والمركز العربي للدراسات الإنسانية بالقاهرة، 2008، القاهرة)، ص16.
13. ينظر ذلك في: http://ababiil.net/yemen-news/84103.html
14. منصور، عمر، “إيران والعنف الطائفي في العراق واليمن”، مجلة السياسة الدولية، (العدد 204، إبريل/نيسان 2016)، ص153.
16. عبد العزيز العامر، “تعرَّف على خريطة الصراع المسلح في اليمن” متاح على الموقع: M.masralarabia.com
17. من وقوف الباحث على الوضع واستقصائه له.
18. ألكسندر ميلو، مايكل نايتس: www.washingtoninstitute.org/ar/policyanalysis/view/gulf
19. كان تهجير طلاب دماج الخطوة العسكرية الأولى التي قام بها الحوثيون لتأمين ظهورهم قبل التقدم باتجاه العاصمة والسيطرة على السلطة.
20. الحراك الجنوبي، ينظر الرابط: .aljazeera.net/encyclopedia/movements
21. سند بايعشوت: لقاء مع القيادي في القاعدة خالد باطرفي، متاح على الرابط:
Htt://hadarem.com/m/index.php?ac=37no=16141
علي الذهب
مركز الجزيرة للدراسات