قتل زعيم حركة طالبان الأفغانية، الملا أخطر منصور، في 21 مايو المنصرم؛ إثر هجوم طائرة أمريكية بدون طيار أثناء عبوره الحدود الباكستانية من إيران. وفقًا لتقرير صدر عن صحيفة “داون” الباكستانية، أظهرت الوثائق التي تم العثور عليها بجانب جثة الرجل الذي يعتقد أن يكون الملا منصور، أنه ترك إيران في 28 مارس/ آذار وعاد إليها يوم مقتله. من جهتها، نفت إيران ما جاء في التقرير ولكن علاقتها بحركة طالبان لم تعد سرًا، فقد شهد العقد الماضي بداية العلاقات بين الأطراف الشيعية الإيرانية وحركة طالبان السنية.
أصدرت صحيفة “وال ستريت”، في يونيو 2015، تقريرًا يفيد أن طهران قد زادت من إمداداتها من التمويلات والأسلحة لصالح حركة طالبان ووصل بها الدعم إلى انتداب وتدريب مقاتليها. بالإضافة إلى ذلك، أدى وفد من حركة طالبان، في مايو 2015، بقيادة محمد طيب أغا، الذي يعتبر مقربًا جدًا من الملا عمر والذي رفض الإعراب عن ولائه للملا منصور، زيارة إلى إيران وأجرى محادثات مع القادة الإيرانيين. لم يقتصر عمق العلاقات على ما سبق ذكره، فقد بينت تقارير غير مؤكدة أن حركة طالبان قد قامت في 2012 بفتح مكتب في مدينة زهدان الإيرانية. بالإضافة إلى ذلك، قامت شرطة الحدود الأفغانية في 2007 بمصادرة شحنة ألغام أرضية يعتقد أنها مرسلة من قبل إيران لفائدة طالبان.
يوجد العديد من الأسباب الأخرى التي تفسر دعم إيران السري لحركة طالبان. أولًا، تخشى إيران من وجود تنظيم الدولة في منطقة أفغانستان وباكستان. لا يزال تواصل وجود تنظيم الدولة في “خرسان”، الاسم القديم للمنطقة الموجودة في الشمال الشرقي لإيران والتي تتضمن اليوم أفغانستان وباكستان وجزءًا من الهند، غامضًا يدعو إلى الحيرة. ولكن توجد مؤشرات قوية تفيد أن تنظيم الدولة يحاول التوسع في أفغانستان. بالإضافة إلى ذلك، زعمت عناصر من صفوف حركة طالبان ولاءها لتنظيم الدولة، ولا تريد إيران أن تكون لها حدود شرقية وغربية مباشرة مع تنظيم الدولة، في الوقت نفسه، أظهرت حركة طالبان قلقها من وجود تنظيم الدولة في أفغانستان؛ حيث إنه يريد تجريدها من التمويلات والانتدابات.
يتعلق السبب الثاني وراء علاقة طالبان بإيران في وجود الولايات المتحدة في المنطقة. يمكن النظر في هذا السبب من نظريتين متعاكستين. تقول الأولى إن إيران تدعم حركة طالبان سرًا كخطوة لمواجهة نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة؛ نظرًا لأن إيران ليست مرتاحة لوجود قوات هذه الأخيرة في أفغانستان، بالقرب من حدودها. أعربت إيران، قبل إبرام الاتفاق النووي في 2015، عن مخاوف من هجمات من قبل أفغانستان على منشآتها النووية. مع ذلك، إذا واصلنا في هذه النظرية سنجد أن إيران ستقلص من دعمها لحركة طالبان بعد تفعيل الاتفاق، لكن هذا لم يحصل.
هذا ينتقل بنا إلى النظرية الثانية: على الرغم من معارضة إيران الشديدة لوجود الولايات المتحدة في أفغانستان علنًا، تجد أن الوجود بات ضروريًا للمحافظة على النظام فيها. لذلك دعمها البسيط لحركة طالبان سيزيد من اطمئنانها لوجود القوات الأمريكية في أفغانستان.
ثالثًا، تحوط إيران رهانها حول المستقبل الغامض لأفغانستان، ما جعلها تتخذ موقفًا بخصوص حكومة شاملة عرقيًا. من جهة، نجد أن إيران تستثمر في البنية التحتية لأفغانستان وتمول المنظمات السياسية. ولكن من جهة أخرى، اتخذت إيران تدابير حول إمكانية ضم حركة طالبان إلى الحكومة الوطنية؛ حيث إن إيران تريد أن تربطها علاقة صداقة مع حكومة أفغانستان وتطمح إلى المزيد من النفوذ في المستقبل.
رابعًا، تشعر إيران بالتهميش يومًا بعد يوم مقارنةً بباكستان والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة والصين، التي فتحت قنوات اتصال سرية مع حركة طالبان. بالإضافة إلى ذلك، لا تريد إيران أن تفوت مكانتها في حال نفذت حركة طالبان ظهورًا جديدًا. في الوقت نفسه، أظهرت حركة طالبان حرصها من تجليات الاعتماد المفرط على دولة باكستان؛ فهي تريد التخلص منها والانضمام إلى إيران.
يعزى السبب الخامس إلى المنافسة الجيواقتصادية المستقبلية بين إيران وباكستان. وقعت الهند مؤخرًا الاتفاقية المتعلقة بميناء شاباهار مع إيران، والتي تعتبر بوابة الهند إلى آسيا الوسطى وروسيا إلى جانب كونها تعد عنصرًا مهمًا في رواق التجارة الدولي بين الشمال والجنوب. تعمل الصين على إنشاء ميناء “غوادار” الذي يعتبر جزءًا من الرواق الاقتصادي الذي يربط باكستان بالصين والذي تبلغ كلفته 46 مليار دولار.
ولكن، بسبب الاضطرابات التي تعيش على وقعها مدينة بلوشستان في باكستان، قد لا يتم اختيار مشروع “غودار” وهذا سيكون في صالح إيران من الناحية الاقتصادية. ونظرًا لتوتر العلاقة بين إيران وباكستان، ستسعى إيران إلى مراقبة الأنشطة في بلوشستان عن طريق دعم بعض فصائل طالبان، وهذا سيساعد إيران على التثبت من أن ميناء شاهابار هو الخيار الأفضل مقارنةً بميناء غودار.
ماذا سيعني هذا للهند؟
عرفت إيران بموقفها المعادي لحركة طالبان خلال فترة حكم الأخيرة في أفغانستان من 1996 و 2001. كان هذا الموقف جزءًا من التحالف الشمالي بين الهند وروسيا. سنة 1998، عندما قتل تسعة من الدبلوماسيين الإيرانيين في أفغانستان على يد حركة طالبان، جمعت إيران قواتها العسكرية على الحدود الأفغانية بنية شن حرب. بالإضافة إلى ذلك، دعمت إيران الولايات المتحدة للإطاحة بنظام طالبان وساعدت أفغانستان على تكوين حكومة جديدة. خلال هذه الفترة، لم تلعب إيران لعبة مزدوجة مع طالبان، وكان هناك بالإضافة إلى ذلك تقارب واضح في المصالح بين الهند وإيران وجهًا لوجه ضد طالبان.
تغيرت الأوضاع بعدها ولكن يمكن للهند أن تنظر إليها كفرصة. سبق وذكرنا أن أصحاب المصلحة يملكون قنوات اتصال سرية مع طالبان وتعتبر الهند الطرف الرئيسي الوحيد التي لا تجمعه محادثات مباشرة مع حركة طالبان. ومع ذلك، يمكن للهند أن تعمل جنبًا إلى جنب مع صديقتها إيران لتعزيز مصالحها الوطنية. لم تعد طالبان منظمة متجانسة وقوية كما كانت سابقًا. بالإضافة إلى ذلك، هيمن على علاقة الحركة والهند في الآونة الأخيرة جو من التوترات التي يمكن أن تسهم، جنبًا إلى جنب مع إيران، في مزيد إضعافها.
من المرجح أن يكون دعم إيران لحركة طالبان إستراتيجية قصيرة المدى قد تأتي بنتائج عكسية في المستقبل. وستسهم عودة حركة طالبان في إعادة الأحداث: تدفق اللاجئين، تأزم الأوضاع في أفغانستان، تهديد الاستثمار في إيران وهيمنة البشتون السنة على حساب الأقلية الشيعية. ستمثل عودة نفوذ طالبان تهديدًا لميناء شاباهار والاستثمارات في المنطقة المجاورة، والتي تعتبر مهمة لإنعاش الاقتصاد الإيراني. سيسهم دعم حركة طالبان أيضًا في السماح لإيران بالتأثير على الإعفاءات الحالية والمستقبلية في أفغانستان. نأمل أن تستعمل إيران هذا التأثير في جعل أفغانستان دولة مسالمة وشاملة وديمقراطية، لكي تنتفع من هذا الوضع بمعية الهند.
التقرير