الفلوجة لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت

الفلوجة لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت

الفلوجة

هل الحرب على الإرهاب قضية دولية، ومن حق الدول المهددة بإرهاب داعش استباحة سماء المدن التي يحتلها التنظيم للقضاء عليه؟ إذا كان الجواب نعم، فإن حماية جميع سكان تلك المدن من إرهاب المشروع الإيراني الذي يتوسع على الأرض بذريعة الحرب على داعش لا بد أن تكون قضية دولية أيضا. ليس من العدل أن يشن التحالف الدولي معاركه من السماء، بينما يترك الأرض للولي الفقيه وميليشياته يرتكبون أبشع جرائم التطهير العرقي بحق العراقيين السنة بذريعة الحرب على داعش. من غير المعقول أن تكون حماية الأقليات في المدن التي يحتلها التنظيم من أولويات الحرب على الإرهاب، بينما إبادة الأغلبية من سكانها بين إرهاب الدواعش وطائفية الميليشيات، أمر لا يستحق التوقف عنده واتخاذ القرارات الحاسمة بشأنه.
إذا كان داعش حقا يمثل إرهابا عالميا وليس مجرد تنظيم يستمد حقيقة وجوده من المشاريع السياسية في المنطقة ومواقف الدول العظمى منها، فإن تحرير الفلوجة وجميع المدن العراقية يجب أن يكون بإشراف قيادة دولية لا عراقية طائفية تخدم المشروع الإيراني.

الفلوجة التي يتناوب تنظيم الدولة مع حكومة المحاصصة في بغداد لذة تدميرها، محراث إيران الأخير لتأجيج نار الطائفية ورغبة الثأر الدفينة في نفوس الشعب.

استخدام القوات الأمنية للعنف ضد أنصار مقتدى الصدر أسقط ثقة الجماهير الشيعية بالحكومة مع جدران المنطقة الخضراء، وكادت انتفاضة الصدريين ومن معهم أن تنتهي بثورة شعبية لولا إعلان الحكومة عن بدء معركة الفلوجة. وجدت إيران في الفلوجة منقذا لرجالها في السلطة من غضب الجماهير الشيعية، وذريعة لاستمرار فرض نفوذها على الأرض. وحدها الفلوجة، بتاريخها مع الإرهاب، قادرة على إيقاظ الثارات الطائفية القديمة في نفوس العراقيين وخلق أخرى جديدة على إثر الانتهاكات التي ترتكبها الميليشيات التابعة لإيران بحق أهلها. منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة والفلوجة معروفة بأنها مدينة الدين والعسكر، المنارات والجنرالات. لا يرسخ هذه الحقيقة دورها في ثورة العشرين ضد الاحتلال البريطاني فقط، ولكن انتفاضتها المعروفة بـ”انتفاضة الدراويش” المسلحة بقيادة رجال الدين ضد الحكومة في السبعينات، وانتفاضة جنرالاتها أثناء تشييع جثمان الجنرال محمد مظلوم الدليمي في التسعينات ضد صدام حسين.

في العام 2003، كباقي المدن العراقية، قاد العسكر فيها المقاومة الوطنية المسلحة ضد الاحتلال الأميركي بصبغة دينية، كما هو حال فصائل جيش المهدي الشيعية. شملت المقاومة العراقية التي رفضت أميركا الاعتراف بها جميع أطياف الشعب العراقي، باستثناء القومية الكردية التي كانت ومازالت منقسمة بين كيانين سياسيين يسخران القضية الكردية وحلم شعبها بالاستقلال للمصالح الفئوية.

بدخول التنظيمات الإرهابية وتمزيق فصائل المقاومة بأبشع حرب طائفية في تاريخ العراق، خلعت الفلوجة بدلتها العسكرية وارتدت عمامة الإرهاب ليكون لها ما كسبت من مقاومتها للاحتلال، وعليها ما اكتسبت من إيواء التنظيمات الإرهابية. اختلط دمها العراقي النقي بدم القاعدة، فذُبح الناس فيها على الهوية وارتفع صوت مناراتها بالتكفير، انتهكت حرمة مساجدها بالصلاة على القتلة من الانتحاريين، وفتحت بيوتها لمصاهرة الغرباء التكفيريين. هي أول مدينة عراقية سلمت نفسها لداعش، بعد أن كانت أول مدينة حملت شرف المقاومة ضد الاحتلال الأميركي.

ربما تكون الفلوجة، كوالدها العراق، ضحية الميثاق الغليظ بين المصالح الأميركية الإيرانية، لكن هذا لا يحجب حقيقة كونها اليوم موطنا لثمرة خبيثة من ظهر خبيث نبتت في رحم خبيث اسمها داعش.

غير أن تناول قضية الفلوجة وعلاقة أهلها بالإرهاب لا يكون عادلا ومنصفا إلا في ظل دولة مستقلة تقودها حكومة وطنية خاضعة لسلطة القانون، لا سلطة جنرال في الحرس الثوري الإيراني يعمل على تنفيذ أوامر سيده الفقيه. حكومة لا تعمل لخدمة المشاريع الاستعمارية في المنطقة، بل لحماية البلد وتحقيق الرفاهية والأمان لشعبه، فهل العراق كذلك؟

في تصريح جاء ردا على اتهام الرياض لإيران بدعم الميليشيات الإرهابية، قال وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف “سنغادر العراق عندما يطلب العراق منا ذلك. وسنساعد العراق على محاربة الإرهاب ما دام العراق يريدنا أن نساعده في محاربة الإرهاب”.

ماذا يقصد ظريف بمفردة “العراق”؟ هل هو البلد الذي يتقاسم شوارعه وأسواقه إرهاب الميليشيات والدواعش؟ هل هو السلطات الثلاث المتمثّلة برئيس الجمهورية فؤاد معصوم، نتاج التوافق بين القوى السياسية في أربيل للحفاظ على حصتها في الحكومة والعمل على خدمة مصالحها؟ هل هو رئيس الوزراء حيدر العبادي، نتاج التوافق الإيراني الأميركي بعد إقصاء مسؤوله في حزب الدعوة الطائفي من المنصب؟ هل العراق رئيس البرلمان سليم الجبوري الذي اختارته إيران بديلا عن أسامة النجيفي بسبب رفض الثاني طلبها بدعم نوري المالكي حسب ما جاء في تصريح له على إحدى الفضائيات؟ هل العراق أعضاء البرلمان المعطل بسبب المحاصصة وقضايا الفساد التي تهدد مصير الأحزاب والكتل التي يمثلونها؟ أم أن العراق شعبه الرافض للوجود الإيراني على أرضه؟ إذا كان كذلك، هل صرخات عشرات الآلاف من هذا الشعب في بغداد وحدها “إيران بره بره، بغداد تبقى حرة” تكفي لإقناع حكومة السيد ظريف بحتمية الانسحاب من العراق وعدم التدخل في شؤونه؟

لماذا ترفض إيران الاعتراف رسميا باحتلالها للعراق، وبأن ليست هناك قوة حكومية أو شعبية قادرة على منع تغلغلها في مفاصل الدولة، دون أن تتعرض لإبادة الميليشيات التابعة لها؟

بعد تصريح وزير الخارجية إبراهيم الجعفري بأن الجنرال قاسم سليماني يعمل مستشارا عسكريا للحكومة العراقية، ستعلن إيران احتلالها للعراق، وأن قاسم سليماني الحاكم العسكري فيه بعد اكتمال رسمها للهلال الشيعي بجثث شعبه.

كافي علي

صحيفة العرب اللندنية