من الناحية القانونية، وعلى الرغم من أن الدستور المغربي لا ينص صراحةً على حرية المعتقد، إلا أنه ينص في تصديره على ”حظر ومكافحة كل أشكال التمييز بسبب الجنس أو اللون أو المعتقد أو الثقافة أو الانتماء الاجتماعي أو الجهوي..”، وينص فصله الثالث على أن ”الدولة تضمن لكل واحدٍ حرية ممارسة شؤونه الدينية”. وإذا كان التفسير الضيق والمحافظ لهذه المقتضيات يذهب في اتجاه جعل هذه الحرية، كما ترد في النص الدستوري، مقتصرةً على اليهود المغاربة، لاعتباراتٍ تاريخيةٍ معروفةٍ، إلا أن الالتزامات الدولية للمغرب، كما ترد في النص نفسه، وانخراطَهُ في تعزيز بنيات استقبال المعايير الكونية في هذا المجال، ذلك كله يطرح، بالفعل، إكراهاً حقوقياً واضحاً، خصوصاً في ظل الحيوية التي تعرفها حركات الأقليات الإثنية والدينية في المحافل الحقوقية الدولية.
من الناحية الثقافية والسياسية، يواجه المغاربة الشيعة تحدّياً كبيراً، يجعل اندماجهم في مجتمعٍ يتسم بتجانسه الروحي والمذهبي صعباً، على اعتبار أن أبرز الموارد السياسية والاجتماعية للتشيع تفدُ من مؤسسة ”ولاية الفقيه”، بكل دلالاتها المذهبية والسياسية، الأمر الذي يتعارض مع الثقافة السياسية والاجتماعية التي تحكم الحقل السياسي المغربي، في مفاصله الكبرى. ولا يقف الأمر هنا، بل يشتبك بمعطياتٍ إقليميةٍ تلعب فيها إيران، باعتبارها المرجعية الرئيسية للشيعية السياسية في العالم، أدواراً متزايدة ومركبة في معادلات النفوذ والقوة والمصالح في المنطقة، ونكاد لا نبالغ إذا قلنا إن ولاء قطاع واسع من الشيعة العرب لها ولمخططاتها المختلفة يمثل إحدى الإشكالات الكبرى التي تقف عائقاً أمام تحول هؤلاء إلى مكوّن من مكونات النسيج الوطني العربي. يبدو هذا الولاءُ على صلةٍ وثيقةٍ بسعي طهران، منذ إطاحة نظام الشاه عام 1979، إلى بلورةٍ سياسةٍ مذهبية وطائفية متسقة، تنبني بالأساس على تصدير ثورتها إلى دول المنطقة، والعمل على نشر التشيع ورعايته بكل الوسائل. ومع سقوط نظام صدام حسين واحتلال العراق في إبريل/ نيسان 2003، اتخذت هذه السياسة أبعاداً أخرى، في ظل شيوع انطباع عام في العالم العربي بأن الغالبية الساحقة من شيعة العراق ساندت الاحتلال، وفتحت المجال أمام إيران للتغلغل في العراق، والتحكّم في معادلته السياسية بدعمها مساندتها طائفةً دون أخرى، الأمر الذي كان له كبير الأثر في تعميق الاحتراب الطائفي، والانعراج به صوب مآلات مأساوية غير مسبوقة. ومع الأزمة السورية وتعقيداتها الميدانية والسياسية، ودعم طهران وحزب الله المتواصل نظام بشار الأسد، تحوّل معظم الشيعة العرب إلى رقمٍ مرعبٍ في معادلة الاستقطاب المذهبي والطائفي في المنطقة.
قد يقول قائل، ما علاقة ذلك بجمعيةٍ مغربيةٍ جاءت، حسب إحدى وثائقها التأسيسية، لتجاوز ”أعطاب التحول الديمقراطي والمشاركة الشعبية في العملية السياسية”، من خلال ”بديلٍ فكريٍّ وسياسيٍّ يكمن في بناء تيار رسالي تقدمي”؟. غير أن قراءة ما بين سطور الوثيقة نفسها تحيل على معادلة الاستقطاب سالفة الذكر. فمن دوافع تأسيس هذا التيار ”فشلُ اليمين الإسلامي في تدبير الحكم، وعدمُ قدرته على ضبط الحدود الفاصلة بين المشروع الإسلامي التقدمي والرأسمالية الاقتصادية، وطغيانُ الخطاب المذهبي والطائفي لديه، واحتدامُ الصراع بينه وبين والقوى الليبرالية والقومية واليسارية”. تتردّد، هنا، وإن على استحياء، أصداء المعجم السياسي الإيراني الذي لم تستسغه يوماً السلطة في المغرب منذ قيام الثورة عام 1979، ليس فقط بسبب تعارضه مع الفلسفة السياسية التي ينهض عليها الحقل السياسي المغربي، ولكن أيضاً بسبب ارتباطات المغرب الإقليمية مع دول الخليج، وخصوصاً مع العربية السعودية، ناهيك عن أنه ما فتئ ينظر بعين الريبة إلى نشاط طهران المتزايد في السنوات الأخيرة في نشر التشيع في أوساط المهاجرين المغاربة في أوروبا، وهو أمر مقلقٌ بالنسبة له، إذا ما وضعناه في سياقه الإقليمي الحالي بكل تناقضاته وتوتراته.
يبدو من الصعب فصل المعركة القانونية للشيعة المغاربة عن هذا السياق، فالوقائع على الأرض تؤكد، بوضوح، سعي إيران الدؤوب إلى تسخير شيعة المنطقة وتوظيفهم ضمن مخططاتها لإنعاش خطاب الطائفية السياسية وتسويقه.