خفض الاعتماد على الريع النفطي: خطوة أساسية للإصلاح الاقتصادي

خفض الاعتماد على الريع النفطي: خطوة أساسية للإصلاح الاقتصادي

السعودية والنفط

تشكل الدعوة إلى تقليص الاعتماد على الريع النفطي، خطوة ضرورية لإطلاق رزمة من المبادرات الإصلاحية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. وأصبح من الواضح، بعد عقود من الزمن، أن الاعتماد الواسع على الريع النفطي ضيع فرصاً اقتصادية مهمة لدول المنطقة. وارتفع الاعتماد على النفط إلى 99 في المئة من الموازنة العراقية، و80 – 90 في المئة من موازنات الدول المنتجة الأخرى. وتدل التجارب التي مرت بها دول عربية كثيرة ولا تزال دول قليلة تمر بها إلى ضرورة وجود نظرة إصلاحية شمولية لمحاولة الخروج من عنق الزجاجة. وبما أن الدعوات تُطلَق لإصلاح اقتصاد الريع النفطي، مهم أن تشمل الإصلاحات أيضاً العرف الاجتماعي والمؤسسات السياسية، وذلك من خلال إعطاء دور فاعل للطبقة المتوسطة والمهنية.

برزت خلال السنوات الماضية تجارب ودعوات كثيرة في مجال تقليص الاعتماد على النفط. فهناك تجربة الإمارات التي وسعت اقتصادها في شكل ملحوظ وناجح في مجال الخدمات من سياحة ومصارف وأسواق مالية وإعلام. وشكلت هذه القطاعات فرصاً للدولة للحصول على دخل مالي إضافي، إلى جانب الريع النفطي. لكن الريع النفطي بقي معتمداً لتغطية النفقات الأساسية للدولة ودعم الاقتصاد الجديد عند توسعه أو تعثره.

ووضعت إيران، في 2005 «نظرة جديدة لـ20 سنة» أي بحلول 2025. وشملت النظرة توقعات طموحة، ونمواً سريعاً، وإيجاد وظائف جديدة، وتنويع الموارد الاقتصادية، وتأسيس اقتصاد جديد مبني على العلم والمعرفة. لكن طهران لم تستطع إطلاق النظرة مع فرض العقوبات الدولية على الصناعة والصادرات النفطية الإيرانية، ناهيك بانهماك إيران في الحروب الإقليمية. فاستبدل المرشد الأعلى علي خامنئي النظرة بشعار «اقتصاد المقاومة» الذي يهدف اضطراراً إلى تقليص الاعتماد على النفط.

وفي العراق، وبعد تجربة مجلس الإعمار في أوائل الخمسينات التي حولت الريع النفطي كله أولاً ثم جزءاً منه إلى مشاريع البنى التحتية وتوقفت مع ثورة 1958، تحول الريع النفطي كلياً إلى الموازنة السنوية للدولة لتغطية المعاشات والقوى الأمنية والعسكرية. ودفعت عقود من التجارب المريرة إلى تكرار الاقتصاديين والنفطيين الدعوة إلى ضرورة تنويع موارد الدولة، آخرها كان تحذير وزير النفط السابق عادل عبدالمهدي، إذ قال في مقال له في صحيفة «العدالة» البغدادية في 6 نيسان (أبريل) 2015: «إن البلاد تركت نفسها تعتمد كلياً على النفط الذي يعتمد بدوره على تقلبات أسعاره. فزيادة دولار، تعني بليون دولار إضافية سنوياً بمعدلات التصدير الحالية، بينما الحصول على بليون دولار سنوياً يتطلب زيادة 250 ألف برميل يومياً بمعدلات الأسعار الحالية. فلا الأسعار يمكن ان ترتفع بمعدلات تنقذنا، ولا الإنتاج والصادرات يمكن ان يرتفعا بمعدلات كهذه من دون استثمارات وأموال عظيمة ضخمة».

واستنتج عبدالمهدي أن «أساس الأزمات الاقتصادية والمالية هو الدولة الريعية والترهل والإفراط في النفقات وعدم تنوع الموارد وانطلاق النشاطات في شتى القطاعات. ونعتقد بأن وعي هذه المسائل ما زال شكلياً، وأن الإجراءات المتخذة بعيدة تماماً، إن لم نقل ان بعضها يسير في الاتجاه المعاكس، لما يجب تطبيقه كسياسات كلية تقدم تغييراً نوعياً في طبيعة النظام الاقتصادي المحتكر والريعي الحاضر. فالأزمة لم تدخل بيوت أصحاب القرار ليدركوا أن الوقت يمضي، وأن البقاء عند الحلول الترقيعية، لن يضع البلاد على سكة الإصلاح الحقيقي، وسيستمر التذمر والغضب من دون حلول جدية مستدامة».

في السعودية، أطلق ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان خلال الأشهر الأخيرة «رؤية السعودية 2030» الطموحة لتقليص اعتماد المملكة على الريع النفطي، وتنويع مصادر دخل بديلة. والرؤية قيد الدراسة الآن لأجل وضع الخطط التطبيقية في أهم دولة نفطية عالمياً. والأنظار متجهة إلى طريقة تطبيقها، لما لها من أهمية داخلية وإقليمية ودولية. والرؤية تعالج كلاً من الجوانب الاقتصادية والبترولية والاجتماعية، بعد عقود عديدة من الاعتماد على الريع النفطي وفي ظل الأزمات الإقليمية الراهنة.

تنطلق هذه المبادرات والدعوات المتعددة في أجواء مختلفة: فالإمارات أقدمت عليها تدريجاً، وإيران تعثرت في أدائها بسبب التداعيات السياسية. وفي العراق، لم تجد دعوة وزير النفط السابق أي صدى محلي بسبب الأخطار السياسية المهددة للبلاد واستفحال الفساد في شكل غير مسبوق. وفي السعودية، يبقى المجال مفتوحاً لإنجاح الرؤية بفضل الاستقرار الداخلي والاقتصادي، والمخططات الاستثمارية المرسومة. ويبقى التحدي الرئيس في كل هذه المبادرات مدى النجاح في التحول من عهد اقتصادي إلى آخر. فالاعتماد على الريع النفطي يعفي المواطنين من مسؤولية تمويل الدولة، ومن دون الاعتماد الكلي على الريع، يتحمل المواطن المسؤولية في التمويل عن طريق الضرائب ودفع ثمن اقتصادي للخدمات. هذا تحول كبير تنبع عنه مسؤوليات مالية على المواطن ومدى مشاركته في اتخاذ القرارات.

ويبقى السؤال: ما هي الفترة الزمنية المطلوبة لتغيير هيكلية الاقتصاد؟ وما هي الالتزامات النفطية للدول المنتجة للأسواق العالمية مع تغيير الاعتماد على الريع النفطي؟ وما هو مدى التأثير في صلاحيات مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية؟ وما مدى الاعتماد على الخريجين الجامعيين والمهنيين في التطبيق؟ وما هو دور القطاع الخاص؟ وما مدى إمكانية دمج فئات المجتمع المتعددة في مجتمع تتساوى فيه حقوق المواطنين ومسؤولياتهم أمام الدستور والقوانين؟ وما مدى إمكانية القضاء على وباء الفساد؟ وما هي البدائل الاقتصادية لكل بلد – صناعة المعرفة، أم إنتاج المواد الاستهلاكية، أم الزراعة؟

وليد خدوري
نقلا عن الحياة