عادت مدينة “مارع” الواقعة في ريف حلب الشمالي إلى الواجهة من جديد بعد أن تمكن تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش») من إطباق الحصار عليها في أواخر أيار/مايو المنصرم، من خلال سيطرته على عدة قرى استراتيجية كـ “كفر كلبين” و”جبرين” وبالتالي قطع الطريق الوحيد الذي كان يصل “مارع” بمدينة “اعزاز” الحدودية. ولم يكن التقدم الذي حققه تنظيم «الدولة الإسلامية» مفاجئاً ووليد اللحظة بل جاء في السياق الطبيعي والمتوقع لمجرى الأحداث التي شهدتها مناطق ريف حلب الشمالي وبالأخص المنطقة الممتدة من “اعزاز” إلى “مارع” و “الراعي”.
وفى خلال ستة أشهر لم تتمكن فصائل المعارضة المسلحة من حسم المواجهة ضد تنظيم «داعش» في تلك المنطقة، ويرجع ذلك لعدة أسباب منها عدم اقتناع العديد من العناصر التي تتبع للفصائل الإسلامية بمشروعية محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية»، الذي يعتبره قسم كبير منهم إخوة في الدين الإسلامي ولا يجوز شرعاً محاربتهم حتى ولو ثبت غلوهم وتطرفهم.
وأدى أيضاً غياب القيادة الموحدة التي تستطيع جمع ذلك العدد الكبير من الفصائل، إلى إفشال أي جهد جماعي للتصدي لـ تنظيم «داعش»، كما أن الخلافات الكبيرة والمتراكمة بين تلك الفصائل أدت إلى غياب عامل الثقة؛ فعند فشل أي عملية ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» يبدأ كل فصيل بتحميل الفصيل الآخر مسؤولية الفشل ومعها تبدأ الحملات الإعلامية ضد بعضهم البعض بما تتضمنه من اتهامات بالخيانة والسرقة وبيع السلاح لـ تنظيم «داعش» و «جبهة النصرة».
كما أدى تمسك تنظيم «الدولة الإسلامية» بريف حلب الشمالي وتحديداً منطقة “دابق” لما تحمله من رمزية دينية يتكئ عليها التنظيم، إلى تعزيز موقعه وشرعيته الدينية الإسلامية وأحقيته بقيادة المسلمين في معركة “دابق” الكبرى.
بالإضافة إلى ذلك، هناك العديد من الأسباب الأخرى كغياب المهارة القتالية وعدم الاستعانة بقادة يمتلكون خلفية عسكرية قادرة على رسم الخطط … كل هذه الأسباب جعلت من الأراضي الممتدة بين “مارع”، و “الراعي”، و”اعزاز”، منطقة تسودها الفوضى.
وفي ظل عدم قدرة فصائل المعارضة مجتمعة على خوض معركة كبيرة وفرض سيطرتهم على تلك المناطق، تمكن تنظيم «داعش» من فرض سيطرته مؤخراً ومحاصرة “مارع” وفرار العديد من الفصائل إلى “اعزاز” وترك المدنيين وحدهم بحالة يرثى لها ليواجهوا إرهاب تنظيم «الدولة الإسلامية». وبعد مناشدات كثيرة من المدنيين وجهت لـ “قوات سوريا الديمقراطية” عبر وسطاء ناشطين في مجال العمل الإنساني، كنت شخصياً أحد هؤلاء الوسطاء ونقلت عدة رسائل من الأهالي لقيادة “قوات سوريا الديمقراطية”، مما أدى إلى تحرك تلك القوات وتأمينها ممراً إنسانياً من مارع مروراً بـ “الشيخ عيسى” وصولاً إلى عفرين. ووفقاً لـ “مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية” (OCHA)، نزح تسعة آلاف مدني من “مارع” عبر الممر الذي آمنته “قوات سوريا الديمقراطية”، وهنا تجدر الإشارة إلى أنه لو التفتت المنظمات الإنسانية إلى المناطق الآمنة مثل “عفرين” وأمنت المساعدات الكافية للنازحين لما اضطر قسم كبير منهم إلى التفكير بالهجرة الغير شرعية.
لقد كنا نراهن على أن قيام “قوات سوريا الديمقراطية” بفتح ممر آمن للمدنيين المحاصرين ونقل الجرحى إلى المشافي، كانت خطوة يمكن أن يُبنى عليها اتفاق كامل بين فصائل المعارضة و”قوات سوريا الديمقراطية” لتوحيد الجهود والقتال معاً تحت راية واحدة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية». لكن تدخل بعض الدول الإقليمية مثل تركيا أدى إلى عرقلة هذا الاتفاق، حيث اعازت تركيا للفصائل التي تأتمر بأمرها بقصف حي الشيخ مقصود في حلب وقرى عفرين. وقد زاد هذا التصعيد من حالة غياب الثقة بين “قوات سوريا الديمقراطية” وبين فصائل المعارضة. كما أن مقاطع الفيديو التي خرجت من “مارع” وهي تصور عناصر تابعة لبعض الفصائل تقوم بالتمثيل بجثث تنظيم «الدولة الإسلامية» قد عقّدت الأمور بصورة أكثر، وجعلت المواطنين الكورد يرتابون كثيراً من أي اتفاق مع مقاتلين يمارسون نفس إجرام تنظيم «داعش». ويعود ذلك بسبب هيمنة الجماعات المتطرفة على المشهد في ريف حلب الشمالي وخاصة «جبهة النصرة» وحلفاءها في «جيش الفتح» كـ «فيلق الشام» و«جيش السنة».
وفي نظر البعض تشكل المناطق الممتدة من غربي الفرات مروراً بـ “جرابلس”، و “الباب” و”منبج” و”الراعي” و”دابق” و “مارع” وصولاً إلى “اعزاز” العقدة الأكثر حدة؛ وقد تصبح مفتاح الحل لو توفرت الأسباب لتحرير المدنيين في تلك المناطق من تحت سيطرة القوى والفصائل المتطرفة.
وبعد تحرير تلك المناطق، قد يتمكن سكانها من إعلان حقيقة موقفهم الذي يقولونه لنا سراً وهو رغبتهم بتوحيد جهود أهالي ريف حلب عرباً وكورد لطرد تنظيم «الدولة الإسلامية» من مناطقهم وبشكل نهائي، وليس كما يحدث منذ عدة أشهر من معارك كر وفر بين تنظيم «داعش» وفصائل المعارضة. فهم يريدون البدء بإدارة شؤون مناطقهم عبر إدارة تحمل فكراً إنسانياً وتؤمن بثقافة الحياة، وبأن الإنسان هو القيمة الأغلى ، وأن البشر جميعهم خلقوا متساوين ومنحوا من خالقهم حقوقاً لا يمكن لأحد التصرف بها ومن ضمنها الحياة والحرية والعمل لتحقيق السعادة كما جاء في وثيقة إعلان الاستقلال الأمريكي في 4 تموز/يوليو 1776. كسوري أتطلع إلى أن يكون لنا وثيقة خاصة بنا، وثيقة إعادة بناء الشعب والبلاد وطرد الإرهاب من سوريا.
ريزان حدو
معهد واشنطن