حين تكون جالساً لسببٍ أو لآخر، تحت شمسٍ حارقة مع رفيقٍ لك، وكل ما تملكانه هو قنينة ماء واحدة، لا بدّ أن تؤدي “حتمية” الأمور إلى صدامٍ بينكما، في حال عدم قدرتكما على تقاسم المياه، حتى يحلّ الليل، وتجلبان قنينة أخرى أو أكثر. وإذا كنتما، أنت ورفيقك، من دين واحدٍ أو قومية واحدةٍ أو عرقٍ واحد، فإن خلافكما سيُصنّف في سياق القتال على الماء فقط، وأي اصطفافٍ من مجموعاتٍ ما إلى جانب كل واحد منكما، سيكون مردّه تأييد شخصكما لأسبابٍ عدة، كالقرابة الدموية أو العلاقة الاجتماعية. أما في حال كان كل منكما من دين أو عرق أو قومية ما، فإن إسقاطاتٍ كثيرة ستتداخل في صدامكما على المورد، في إطار عنصرية وعنصرية مضادّة، لينتفي معها هدف صراعكما الأساسي، وهو الماء. وبما أن “الحتمية” تقضي، أيضاً، بانتهاء كل صدام، إلا أن الحتمية نفسها يُمكن كسرها، عبر التعلّم من خطيئة تحوّل الصراع على الموارد إلى صداماتٍ مذهبيةٍ وقومية وغيرها، والتحوّل، بالتالي، إلى تقاسم الموارد بما يشبه “عدالة اجتماعية شاملة”.
ما سبق يُفسّر مآل الأمور في لبنان أخيراً، بعد التفجيرات الانتحارية التي شهدتها منطقة القاع على الحدود مع سورية، لناحية تحوّل ردّة الفعل على التفجيرات إلى السوريين في مخيمات النزوح أو خارجها. “من الطبيعي”، في بلد كلبنان، أن ينفجر المرجل بين مؤيد لـ”سحق المخيمات وضربها وإزالتها” في صورةٍ عنصريةٍ فاضحة، كأنها كانت تنتظر مثل هذا الاعتداء حتى تُكشف وجهها الحقيقي، وبين ردّ فعل يُظهر عنصريةً مضادة، كأنه يريد الانتقام من بلدٍ بكامله، بسبب عنصرية بعضهم منه، أكثريةً كانوا أم أقلية. مع العلم أن المصاهرة بين لبنان وسورية هي الأكبر في العالم، نسبة لعدد السكان.
الواقع مغاير. علينا الاعتراف بأن المجتمع الدولي لن يمنح لبنان الأموال الكافية لمساندته في وضع اللجوء السوري، فتركيا مثلاً صارعت وقاتلت، حتى توصلت إلى اتفاقٍ مع أوروبا في شأن اللاجئين. لبنان الرسمي ليس تركيا. بيروت غير قادرةٍ على المطالبة بما طالبت به أنقرة. مع ذلك، ليس الأمر دائرةً مغلقةً نفني فيها بعضنا بعضاً، تحت عناوين دينية وسياسية وقومية وغيرها، بل هو تأمين الموارد بصورة عادلةٍ للجميع. هنا، يعود الأمر إلى الحكومة اللبنانية، بأن تعمد إلى توظيف مواردها ووقف الفساد والهدر وتوزيع الثروات في سياق السعي إلى اكتفاءٍ ذاتي، بدلاً من ترك الأمور تنحو نحو صدامٍ غير مبرّر. المهاجرون هم أكثر من يدافعون ويعملون في بلد اللجوء، في حال توفّر لهم الحد الأدنى من الإنسانية. انظروا إلى لبنانيي كندا والولايات المتحدة وغيرهما. لم يجد هؤلاء حكومةً تحاربهم، بل مجتمعاً يتقبّلهم. هو ما نحتاجه في لبنان.
في التاريخ، اعتاد اللبنانيون الذين، وللمناسبة، هم مجموعة متحدرة بأكثريتها من شعوب لجأت وهاجرت من أنحاء مختلفة من الشرق إلى لبنان، الموازنة بين قلّة الموارد والديموغرافيا السكانية بالهجرة. لذلك، يوجد اليوم حوالى 17 مليون مغترب في العالم من أصول لبنانية. أيضاً لا جديد في الأمر، فأكثر من 40 مليون أميركي يتحدّرون من أصول إيرلندية، أي من جزيرةٍ عدد سكانها نحو 6.4 ملايين نسمة.
الآن، تقتضي الواقعية كل شيء سوى التعميم، لا يُمكن إلقاء اللوم على كل السوريين لجريمةٍ ارتكبها سوري، كما أنه لا يُمكن اعتبار كل اللبنانيين عنصريين، لأن هناك لبنانياً أظهر وجهاً نازياً ما. لا تقتضي الواقعية بالاعتداءات على السوريين التي ستؤدي إلى حربٍ وبعدها؟ يموت مئاتٌ وآلافٌ، ثم ماذا يحدث؟ ينطلق الحلّ من تقاسم الموارد، وفقاً لمنظومةٍ اقتصاديةٍ متكاملةٍ تضعها الحكومة، وكل من يدّعي ألا قدرة على فعل ذلك مجرمٌ بحقّ لبنان والسوريين.
ضحيتان… لبنان والسوريون
بيار عقيقي
العربي الجديد