بعد حوالي شهر من استعادة الفلوجة من «تنظيم الدولة»، تستعد قوى دولية ومحلية لمعركة استعادة الموصل من التنظيم، بعد أكثر من سنتين من السيطرة عليها، وسط مخاوف إنسانية وطائفية على المدنيين في ثاني أكبر المدن العراقية.
استعدادات الحكومة العراقية والتحالف الدولي
يوم 13 يوليو (تموز) الجاري، قال وزير الدفاع العراقي خالد العبادي إن الاستعدادات العسكرية الجارية لمعركة الموصل «وصلت إلى مراحلها النهائية عدةً وعددًا وتجهيزًا وتسليحًا»، لافتًا إلى أن القوات الأمنية المشتركة أصبحت على مشارف المدينة، لاستعادتها من «تنظيم الدولة» الذي أحكم سيطرته عليها في يونيو (حزيران) 2014.
وجاءت تصريحات العبادي بعد أيام من سيطرة القوات العراقية على قاعدة القيارة الجوية؛ أهم قاعدة عسكرية بمحيط المدينة، وبعد يوم واحد فقط من إرسال الولايات المتحدة الأمريكية 560 جنديًا إضافيًا إلى العراق لـ«المساعدة في محاربة تنظيم الدولة»، بحسب وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر، الذي وصل إلى العاصمة العراقية بغداد، في زيارة لم تكن معلنة، لمتابعة سير العمليات العسكرية في العراق، والخطط المتعلقة باستعادة الموصل من «تنظيم الدولة». وبهذه الإضافة الأخيرة، يرتفع عدد الجنود الأمريكيين المتواجدين في الأراضي العراقية إلى 4600 جندي، يُقدم أغلبيتهم الإشراف والمشورة لتدريب القوات العراقية.
«فرنسا ستعزز تدخلها في سوريا والعراق عقب هجوم نيس»، هذا ما أكده الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، في أول ردود الأفعال عقب هجوم نيس الذي أسفر عن مقتل 84 وإصابة العشرات. واتخذت تلك التصريحات محملًا أكثر جدية، عندما أفاد المتحدث باسم الحكومة الفرنسية؛ ستيفان لو فول، الأربعاء 13 يوليو (تموز)، إن بلاده تُجهز مع أمريكا لضربة منسقة ضد «تنظيم الدولة» في الموصل.
وتأتي هذه التصريحات تزامنًا مع بدء اجتماع في واشنطن يستمر يومين، يضم وزراء دفاع وخارجية أكثر من 30 دولة مشاركة في التحالف الدولي المناهض لـ«تنظيم الدولة»، لمناقشة عدد من الملفات، أبرزها: تسليح وتدريب القوات العراقية، والتجهيز لاستعادة الموصل، وملف النازحين، بحسب وزير الدفاع العراقي الذي يُشارك بالفعل في الاجتماع الذي يُعقد بقاعدة أندروز الجوية في العاصمة الأمريكية واشنطن.
وماذا عن الفصائل الداخلية العراقية؟
لم يعلن التيار الصدري مشاركته في معركة استعادة الموصل، في الوقت الذي أعلنت فيه معظم الفصائل العراقية مشاركتها في المعركة: من قوات البشمركة الكُردية، وقوات الحشد الشعبي الشيعية، وقوات عشائر محافظة نينوى السنية، التي تتحفظ على مشاركة قوات الحشد الشعبي في المعركة.
«هم هدف لنا»
هكذا يؤكد رجل الدين العراقي مقتدى الصدر، في بيان لمكتبه أصدره الأحد 17 يوليو (تموز)، قاصدًا بذلك القوات الأمريكية التي أُرسلت حديثًا للعراق، وليس عناصر «تنظيم الدولة». ويرى التيار الصدري إن تحرير الموصل من التنظيم لا يتطلب تدخلًا أجنبيًا وبالأخص أمريكيًا، على اعتبار أن القوات المحلية العراقية – الرسمية وغير الرسمية – أظهرت القدرة على مواجهة« تنظيم الدولة» دون الحاجة لتدخل بري أجنبي. ويقود مقتدى الصدر آلاف المقاتلين تحت ما يُسمى بـ«سرايا السلام» ينتشرون في محافظة صلاح الدين وأطراف العاصمة العراقية بغداد.
وفي سياق متصل، تستعد قوات البشمركة الكُردية للمشاركة في معركة استعادة الموصل، ويرتكز دورها بشكل أساسي على اقتحام المدينة من المحورين الشمالي والشرقي، في حين تُركز القوات العراقية على اقتحام المدينة من محورها الجنوبي. وتأتي هذه الاستعدادات في الوقت الذي أفاد فيه التلفزيون التركي إن الجيش التركي شن غارات جوية ضد مواقع لحزب العمل الكردستاني شمالي العراق، أدت لمقتل 20 من عناصره.
وأعلنت الحكومة العراقية مشاركة قوات الحشد الشعبي الشيعية في معركة تحرير الموصل، وسيكون لهم مهام في تحرير المدينة لم يُفصح عنها بعد. وتشارك قوات عشائر محافظة نينوي السنية في معركة استعادة الموصل، وترفض مشاركة قوات الحشد الشعبي الشيعية فيها، اعتراضًا على استخدام الحشد الشعبي «العنف ضد المدنيين في معركتي الرمادي والفلوجة وقتلها للأبرياء» بحسب مزاحك أحمد الحويت – المتحدث باسم قوات العشائر السنية – الذي أعرب عن تخوفه من تكرار نفس السيناريو في الموصل، وقال إن «هناك حوالي 15 ألف مقاتل من السنة، وهم قادرون بمساعدة باقي القوات المتمثلة بالجيش العراقي وقوات البشمركة وقوات التحالف على تحرير مدينتهم».
ولكن التخوفات السُنّية لم تُغير من موقف قوات الحشد الشعبي الشيعية، الذي قال مسؤول بها إن « قوات الحشد الشعبي لن تنحصر في نطاق جغرافي معين، وستشارك في معارك الموصل لتحريرها، رغم أنف المعترضين، سواء كانوا عراقيين عربًا أم أجانب».
مخاوف أممية على مدينة الموصل
يعيش في مدينة الموصل؛ ثاني أكبر مدينة في العراق، من 1.2 إلى 1.5 مليون عراقي، ومع الاستعدادات المحلية والدولية لمعركة استعادتها من تنظيم الدولية، تزداد مخاوف الأمم المتحدة من أن تُسفر المعركة عن أزمة إنسانية تتضمن سقوط ضحايا مدنيين وتشريد مئات آلاف المدنيين، يتطلب إيواؤهم نحو ملياري دولار.
وقالت الأمم المتحدة، في بيان لها الاثنين الماضي، إن تأثير حملة الموصل العسكرية على المدنيين سيكون «مدمرًا»، مُرجحة وقوع خسائر «كبيرة» في صفوف المدنيين، وتوقعت أن تكون الأسر التي تحاول الفرار من المناطق الخاضعة للتنظيم في «خطر داهم».
وبحسب البيان، فإن الأمم المتحدة تخشى من صعوبات «العمل بالقرب من الحدود السورية، والحاجة لدعم المدنيين الذين يفرون عبر خطوط المواجهة ونقلهم لمئات الكيلومترات حتى بر الأمان، وإيوائهم وحمايتهم في مئات المخيمات ومراكز الاستقبال».
وطالبت الأمم المتحدة من المجتمع الدولي، توفير 284 مليون دولار قبل بدء الهجوم على الموصل بشهرين ونصف «وفي حال تأخر التمويل فلن يكون بمقدور المنظمات الاستجابة بالشكل الملائم»، بحسب البيان، الذي يرى أنه في أفضل السيناريوهات يُتوقع تشريد حوالي 300 ألف مدني من الموصل، وهو ما يتطلب تكلفة مساعدات تبلغ 143 مليون دولار، وفي أسوئها قد يصل عدد المشردين إلى مليون شخص، مما يعني ارتفاع التكلفة إلى 1.8 مليون دولار. ويُتوقع أن يُسفر اجتماع واشنطن الجاري عن جمع ملياري دولار للأغراض الإغاثية المطلوبة.
مخاوف طائفية من الحشد الشعبي
بعد انتهاء معركة استعادة الفلوجة من «تنظيم الدولة» مع نهاية الشهر الماضي، أفاد تقرير أممي في منتصف الشهر الجاري فقدان 740 رجلًا وفتى عراقيًّا من جراء المعركة، وأعلن يان كوبيس – المبعوث الأممي إلى العراق – أن الأشخاص المفقودين كانوا قد احتجزوا من قوات الحشد الشعبي، وأفاد كوبيس أمام مجلس الأمن أن البعثة الأممية تلقت تقارير موثوقًا بها، عن عمليات تعذيب وقتل وخطف نفذتها قوات الحشد الشعبي وقوات الأمن العراقية.
ويأتي هذا التقرير الأممي، ليؤكد اتهامات مُستمرة تواجه قوات الحشد الشعبي، بارتكابها جرائم وانتهاكات ضد المدنيين السُنة، تحت زعم تعاونهم مع «تنظيم الدولة» في المدن التي كانت تقع تحت سيطرتهم. في ظل تماهي الحكومة العراقية معهم، قد يصل إلى مرحلة «التواطؤ» مع إصرار الحكومة العراقية على مشاركتهم في معارك استعادة المدن من تنظيم الدولة وعدم محاسبتهم بشكل كافٍ على تلك الانتهاكات التي يرتكبونها ضد المدنيين السُنة والفارين من معارك استعادة المدن التي كانت تحت سيطرة «تنظيم الدولة».
«في حال مشاركة الحشد الشعبي في العملية، فإن المدنيين السنة في الموصل سيؤازرون تنظيم الدولة لحماية أنفسهم»، هكذا تقول ديلان أودريسكيل – الباحثة في معهد أبحاث الشرق الأوسط – مُعتبرةً أن مشاركة قوات الحشد الشعبي في معركة الموصل تُمثل أكبر تهديد للعراق. أشارت إلى وجود أدلة انتقامية للحشد الشعبي «الأمر الذي سيعمق الطائفية لدى أهالي المنطقة لمواجهة الظلم».
وفي السياق ذاته، أعرب مصدر في مجلس الأمن الإقليمي الكُردي عن مخاوف الطائفية التي قد تحل في الموصل حتى بعد تحريرها، ويقول «إذا لم يتم دعم الهجوم على الموصل بتسويات سياسية حقيقية بين السنة والشيعة فإننا نعتقد أنها ستكون مجرد مسألة وقت قبل أن ينفجر (الوضع) مرة أخرى».
أحمد عمارة
نقلا عن ساسة بوست