أدت فرنسا أكثر حماسا للعب دور فعال في المعارك المفتوحة على أكثر من جبهة ضد تنظيم داعش، وذلك ردا على الهجوم الأخير في مدينة نيس يوم 14 يوليو والذي أودى بحياة أربعة وثمانين شخصا.
وجاءت تصريحات المسؤولين الفرنسيين لتؤكد أن باريس قررت أن تقطع مع السياسة الحذرة التي تعتمدها تجاه ما يجري من حرب مفتوحة مع داعش في العراق وسوريا وليبيا.
وأعلن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الجمعة أن بلاده سترسل قطعا مدفعية إلى القوات العراقية قريبا، عارضا مشاركة بلاده في تدريب القوات العراقية.
وتشترك الطائرات الفرنسية في استهداف مواقع داعش في العراق وسوريا. وفي سؤال عن مشاركة طائرات فرنسية في قصف مدنيين شمال سوريا، قال هولاند الخميس إن لا معلومات لديه عن الأمر.
ولا تخفي باريس مشاركة قوات خاصة فرنسية في ليبيا لمواجهة داعش، وذلك في سياق التعليق على مقتل ثلاثة من جنودها في تحطم طائرة هليكوبتر أثناء مهمة لجمع معلومات مخابراتية قرب بنغازي شرق ليبيا.
يضاف إلى ذلك الدور الذي تلعبه فرنسا في مالي، وهو ملف لم تنجح في إنهائه بسرعة في ظل العمليات التي ينفذها المتشددون بشكل شبه مستمر.
وقال مراقبون إن إعلان باريس المشاركة العلنية في الحرب على الإرهاب يستجيب لرغبة شريحة واسعة من الشعب الفرنسي تطالب بالقصاص ممّن يقف وراء هجمات باريس ونيس، مشيرين إلى أن هذه الخطوة قد ترفع الحرج عن هولاند أمام الفرنسيين.
وحذر المراقبون من أن التدخل في أزمات متعددة في نفس الوقت لن يحقق نصرا حاسما، ولن يغلق ملف الإرهاب في الداخل، وربما يورط فرنسا في نزاع طويل الأمد.
وعملت السلطات الفرنسية ومنذ هجمات باريس في نوفمبر 2015 على إحكام عمليات التنسيق مع الدول الأوروبية الأخرى لمنع تسلل عناصر مرتبطة بداعش أو القاعدة ضمن موجة المهاجرين، لكنها تفاجأت في عملية نيس أن المنفذ لم يذهب إلى سوريا والعراق، وأنه نفذ العملية دون أن يتدرب لدى التنظيمات المتشددة.
وأربكت حادثة نيس الاستخبارات الفرنسية والأوروبية التي سيكون عليها أن تتّبع أساليب جديدة للوصول إلى الذئاب المنفردة التي تؤمن بأفكار داعش دون أن تكون لديها سجلات أمنية تساعد على الوصول إليها.
وحث محللون وخبراء فرنسا على دراسة الأسباب التي تجعل واحدا مثل منفذ هجوم نيس ينقلب مئة وثمانين درجة في سلوكه المتسم بالانفتاح وعدم الاحتكام لأيّ ضوابط، ويتبنى الأفكار المتشددة وينفذ هجوما على قدر كبير من التوحش.
وأشاروا إلى أن الانتماء لداعش يخفي الفشل في توفير الأسباب التي تسهّل اندماج أبناء الجالية العربية والإسلامية، وتحول دون انكماشهم ونقمتهم على المجتمع الذي يعيشون فيه، واضطرارهم إلى اللجوء لداعش للتعبير عن أنفسهم.
وتعيش فرنسا موجة من الاحتجاجات بين شباب المهاجرين والسلطات الأمنية، والأمر لا يتوقف على الجاليات من أصول مغاربية، وهو يطال خاصة الشبان ذوي الأصول الأفريقية كدليل إضافي على فشل سياسة إدماج المهاجرين.
ولكن الأمر لا يفسر فقط بإخفاق عملية الاندماج، ففرنسا، مثل بقية الدول الأوروبية، أغمضت أعينها عن أنشطة الجماعات المتشددة التي اخترقت المجتمعات المنغلقة للمهاجرين.
ونجحت مجموعات تابعة للإخوان أو السلفيين في استقطاب المئات من الشبان عن طريق الأموال التي توفرها جمعيات خيرية يأتيها الدعم من الخارج، فضلا عن المساجد التي فشلت الحكومة الفرنسية في مراقبتها.
وعمّقت هذه الجماعات القطيعة بين الشبان من أصول مغاربية والمجتمع الفرنسي، وأرست فكرا يتسم بكراهية الآخر ويحث على الانتقام، ما سهل عمليات داعش أو القاعدة في استقطاب المئات من الشبان وتسفيرهم إلى سوريا والعراق.
ورغم التهديد الذي يطلقه المسؤولون بمحاصرة هذه الجماعات ومنعها من توظيف المساجد في خطابها التحريضي، إلا أن ذلك لم ينفّذ بعد، ولم تحصل المواجهة التي تكشف للجالية طبيعة هذه الجماعات وخطورتها.
صحيفة العرب اللندنية