تساقط الكثير من الأقنعة منذ فشل الانقلاب العسكري في تركيا يوم الجمعة الماضي، فقد اتضح أن كثيرين ممن كانوا لا يملون من الدفاع عن الديموقراطية وحقوق الإنسان والجماهير وسلطة الشعب لم يكونوا سوى ليبراليين كاذبين وديموقراطيين مدعين.
والأمر المثير للسخرية هو أن نفس “الخبراء” و”المحللين” و”المعلقين” الغربيين الذين توقعوا الإطاحة بحزب العدالة والتنمية خلال الانتخابات السابقة، ثم خابت ظنونهم بعد فوزه بالانتخابات، قد أخطئوا في تقدير الأمور هذه المرة أيضا.
فبدلا من اتخاذ موقف مبدأي واضح ضد الانقلابات العسكرية ويقفوا في صف الديموقراطية والإرادة الشعبية، اختاروا الوقوف في صف الإنقلابيين الذين قاموا بتفجير مبنى البرلمان التركي بطائرات الإف ١٦ وأطلقوا النار على المتظاهرين السلميين.
لقد أخذوا يبحثون عن تبريرات لخطة الإطاحة بالحكومة المنتخبة ديموقراطيا عندما كانت قيد التنفيذ، وبالغوا في ازدراء الرئيس المنتخب بدلا من اللواءات والجنود الذين تأمروا للإطاحة به.
وعندما فشل الانقلاب، على عكس كل التوقعات، تحولت نبرتهم إلى التباكي على الديموقراطية ومأساتها الفظيعة تحت حكم أردوغان “المتغطرس” و”الاستبدادي”، وحذروا من انحدار البلاد نحو القمع والاستبداد.
حتى أن أحد كتاب صحيفة الصنداي تايمز قد وبخ الانقلابيين الذين وصفهم بأوصاف سامية مثل: “حماة العلمانية” و”قوات التقدم” وحتى أنه وصفهم بـ “الحداثة”، لقيامهم بالانقلاب في يوليو، وقال أن محاولة الانقلاب في سبتمبر ربما تحقق النتائج المرجوة.
وقد عزفت وسائل الإعلام التابعة لليسار نفس سيمفونية تبرئة الانقلابيين وشيطنة أردوغان. فبعد ساعات من بدء المحاولة الانقلابية، نشرت صحيفة الجارديان مقالا تحت عنوان “تركيا كانت تمر بالفعل بانقلاب بطئ – على يد أردوغان، وليس الجيش”.
كما كان رد فعل الحكومات الغربية غير متفق مع المبادئ. فقد تجنبت الحكومات، التي لجأت إلى السفسطة الدبلوماسية، استنكار الانقلاب، وحصروا أنفسهم في دعوات فارغة إلى “الحذر” و”ضبط النفس”.
فقط عندما نجح عشرات الآلاف من المواطنين الأتراك الذيت تحدوا حظر التجوال وقاوموا، وهم عزل، محاولة جر بلادهم إلى عصر الاستبداد العسكري في هزيمة المتآمرين، تحولت هذه العبارات الجوفاء إلى تعبيرات عن القلق بشأن الانقلابيين ومصائرهم.
ربما يكون أردوغان قد ارتكب عدة أخطاء بالفعل، متحركا كما هو في سياق داخلي وإقليمي معقد للغاية. لكن الأمر الذي لا يقبل الجدل هو أن سلطته قائمة على شرعية انتخابية وشعبية.
وسواء أحببته أم كرهته، فقد فعل الرئيس التركي الكثير لإحداث تحول ديموقراطي في تركيا، أكثر مما فعله أي زعيم آخر في التاريخ الحديث، حيث دعم المؤسسات المدنية وساند سلطة الشعب في المعارضة ضد الجيش الذي أفسد الحياة السياسية.
وقد شهدت فترة حكم العدالة والتنمية تحرير الحكم المدني من سيطرات الجنرالات وإصلاح الجيش وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية وجهاز المخابرات والقوات الخاصة.
ومن خلال تجميع التقاليد الديموقراطية، مع تحرير النظام السياسي في البلاد من خلال انتخابات متعاقبة وتعددية سياسية وتوسيع دور المجتمع المدني، أصبح الشعب التركي أكثر حرية وجرأة وأكثر قدرة على تحدي مراسيم الانقلابيين والجنرالات.
وللمفارقة، لم يتم شيطنة أي زعيم آخر في الشرق الأوسط كما حدث مع أردوغان، في حين أنه واحد من بين عدد قليل جدا من الرؤساء الذين تم انتخابهم ديموقراطيا في هذا الجزء من العالم.
وبالنسبة لحلفائنا، الذين يتراوحون بين المستبدين المخضرمين والجنرالات المتعطشين للدماء، فهم مستثنون من انتقاداتنا وخططنا ومؤامراتنا. وفي الحقيقة، فهم أحيانا يقومون بأعمالنا القذرة نيابة عنا، كما فعل بعض أصدقائنا الخليجيين في مصر ولا زالوا يفعلون في ليبيا وبعض دول المنطقة.
وهذا هو الاتفاق: فإما أن تأتي الديموقراطية بمن نريد، أي الذين ينفذون أوامرنا ويخدمون مصالحنا، وتطيح بمن نرفضهم، وهو السيناريو المثالي بالنسبة لنا. وإلا فإننا يجب أن نبحث عن الانقلابيين والجنرالات في كل أنحاء المنطقة للقيام بالتدخلات “الجراحية” العاجلة.
وسوف يقوم فريق المدافعين الخاص بنا على الفور بتجميل المشهد القبيح بتحليلات وتعليقات تقلب الحقائق وتحول الانقلابيين إلى “حماة للحداثة” و “عوامل تقدم”، والقيادات المنتخبة ديموقراطيا إلى “حكام مستبدين”.
أما بالنسبة لأولئك المواطنين الذين تجرأوا ودافعوا عن اختياراتهم الانتخابية، فسوف نصفهم بأنهم متعصبون ومتطرفون، أو في حالة تركيا، قد نسميهم “أنصار أردوغان من الإسلاميين الغوغائيين”، كما أشارت إحدة الصحف البريطانية.
والحقيقة هي أن الغرب لا يهتم كثيرا بالديموقراطية أو حقوق الإنسان. فعندما يتعلق الأمر بأحد أصدقائهم وحلفائهم لا يكترثون، ويكونون فقط كعصا تضرب على يد خصومهم أو أعدائهم. وإذا كان يتم تشويه سمعة أردوغان اليوم، فإن هذا ليس بسبب كونه غير ديموقراطي أو مستبد، وإنما لأنه لم يتكيف مع ما يمليه عليه الغرب وغير مستعد للإبقاء على القواعد والمعايير التي يضعها الغرب في المنطقة.
التحدي الحقيقي إذا هو: إذا كانت القوى الغربية قادرة على تقبل الزعيم الذي يعبر عن إرادة شعبه ومصالح بلاده التي لن تتفق بالضرورة مع إرادتهم ومصالحهم؟
ميدل إيست آي – التقرير