لم توقع إيران بعد مع الشركات الدولية أي اتفاق لتطوير حقول النفط، على رغم مرور سنة على الاتفاق النووي بينها وبين الغرب. فـ «شركة النفط الوطنية الإيرانية» استطاعت إعادة إنتاج النفط إلى أربعة ملايين برميل يومياً، والصادرات إلى 2.3 مليون برميل يومياً، وهما المستويان السابقان للعقوبات المرتبطة بالملف النووي، لكن من دون اتفاقات مع الشركات المهتمة بالعودة الى العمل في إيران. ووقعت إيران مع شركات مذكرات تفاهم، لكن هذه لا تشكل اتفاقات ملزمة. وتضغط على المفاوضات المتعلّقة بالاتفاقات عوامل خارجية (الالتزام بقوانين المقاطعة الأميركية التي لا تزال سارية المفعول) وداخلية (ضغوط القوى الراديكالية المطالبة باتفاقات متشدّدة مع الشركات).
تخطط طهران لزيادة طاقتها الإنتاجية إلى 4.6 مليون برميل يومياً بحلول 2020، وستتطلب هذه الزيادة استثمارات ضخمة. وثمة متطلبات مالية تواجه الحكومة، داخلية واجتماعية، وعسكرية وإقليمية. فالتعاون مع شركات النفط الدولية يؤمّن الأموال الاستثمارية التي تصعب من دونها زيادة الطاقة الإنتاجية. وأكد وزير النفط الإيراني بيجن زنغنة، أن المفاوضات كانت جارية قبل الاتفاق النووي لعودة بعض من أهم الشركات الأوروبية – «توتال» و«رويال داتش شل» و«إيني» و«ستاتويل» – التي أعلنت أنها لن توقع اتفاقات مع إيران قبل التوصل إلى الاتفاق النووي. وتُعقَد المفاوضات منذ البداية في وضع صعب في ضوء انهيار أسعار النفط، والمنافسة الحادة لاستقطاب الاستثمارات البترولية مع دول منتجة كثيرة، ناهيك عن صناعة البترول الصخري. وهذا يعني أن الدول المنتجة لا تستطيع التشدد في المفاوضات والاتفاقات.
تعاني الشركات ضغوطاً تدعوها إلى المفاضلة بين الاستثمارات والنفقات، والاستغناء عن المئات بل الآلاف من الموظفين. وواجهت طهران ضغوطاً من الشركات لتحسين الشروط التعاقدية التي تعرضها عليها. وأصرت الشركات على شفافية طهران في مفاوضاتها، خصوصاً لتفادي العقوبات الأميركية التي لا تزال سارية المفعول. وأهم هذه العقوبات هي تلك المفروضة على الحرس الثوري وقياداته وشركاته الذين لا يزالون على اللائحة السوداء، وأهم هذه الشركات «خاتم الأنبياء للإنشاء».
وتضغط القوى الراديكالية الإيرانية على وزارة النفط للتشبث بمواقفها، خصوصاً في مجال اتفاق مشاركة الإنتاج الذي يحل محل الاتفاق الإيراني النموذجي السابق، المعروف باتفاق «إعادة شراء النفط» وكان يعني أن الشركات تقدم خدماتها التقنية والاستثمارية والمالية من دون أي دور يُذكَر في العمل النفطي. ولم تكن شركات النفط متحمسة، لكنها وافقت في حينه بهدف الدخول في قطاع النفط الإيراني في ضوء خيارات محدودة.
وجرت محاولات لتسوية هذه الأمور لكن من دون حسم. ومن أهم الضغوط، نفوذ المؤسسات الدينية والسياسية العليا، والأهم من ذلك، كيفية إقناع المسؤولين بالضغط على شركة «خاتم الأنبياء للإنشاء»، وهي شركة تابعة للحرس الثوري ومهيمنة على قطاع المقاولات والتشييد للحقول. تأسست الشركة خلال الحرب العراقية – الإيرانية بأمر من الخميني، وتوسعت خلال عهد الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، فحصلت على العقود الرئيسة لتطوير بعض مراحل حقل «بارس الجنوبي» البحري العملاق، وأصبح لديها نحو مليون موظف يعملون في كل القطاعات الصناعية، منها النفط والتصنيع والصواريخ والطاقة النووية.
وتضغط واشنطن لتتخلى الشركة عن كثير من أعمالها، لأنها لا تزال هي وكبار مسؤوليها على القائمة السوداء الأميركية. وبما أن الاتفاق الإيراني النفطي النموذجي الجديد يفرض على الشركات الدولية مشاركة شركات محلية، وبما أن شركة «خاتم الأنبياء للإنشاء» تعمل حالياً في معظم الحقول التي يتم التفاوض لتطويرها مع الشركات الدولية، فهذا سيعني أن الشركات الدولية ستكون معرّضة للعقوبات لاضطرارها إلى العمل مع شركة «خاتم الأنبياء». والخيار المتوافر هو أن ترشح شركات لا ترد أسماؤها على قائمة العقوبات الأميركية.
تدل المعلومات الأخيرة على إمكان التوصل إلى حل وسط يرضي الأوساط المحلية المتشددة من جهة، ولا يتناقض مع الاتفاق النووي من جهة أخرى. ورجّح مسؤول نفطي إيراني توقيع بعض الاتفاقات خلال الفصل الأول من 2017. وكان المسؤولون الإيرانيون يتوقعون توقيع الاتفاقات في أوائل هذا العام. وتُعتبَر السياسة النفطية الإيرانية واضحة في هذا المجال. فالخزينة في حاجة ماسة إلى استثمارات ضخمة غير متوافرة لطهران. وسياسة الحكومة تدفع علناً باتجاه تعاون بناء مع الدول الغربية، فطهران على علم بحاجتها الماسة الى التعاون مع هذه الدول لتحسين اقتصاد البلاد من خلال منافع متبادلة. ووافقت إيران على الخطوة الأولى لفتح المجال للشركات للعمل على أراضيها. ورشحت الحكومة شركات إيرانية لمشاركة شركات دولية، هي، وفق تصريح أدلى به مسؤول في شركة النفط الوطنية إلى صحيفة «فايننشال تايمز»، «بترو إيران» و«بترو بارس» و«مابنا»، وهي شركات مدعومة من الحكومة لكن غير مدرجة على القائمة السوداء. وتعد إيران لاقتراح شركات أخرى.
لكن على رغم الأهمية الكبرى لهذه الخطوة من جانب إيران، تحوّل الاهتمام الآن إلى التنازلات التي اضطرت وزارة النفط لتقديمها الى القوى الراديكالية في مقابل هذه الخطوة. فما هي طبيعة عروض الاتفاقات الجديدة؟ هل هناك مطالب جديدة ستطرح على الشركات مستقبلاً؟ وهل ستقبل الشركات بهذه التغييرات؟ ستحصل منافسة بين الشركات. ويبقى السؤال: كم شركة ستوافق على الشروط الجديدة؟ وهل ستتأخر الاتفاقات فترة أخرى إلى حين تسوية الخلافات الجديدة؟ أصبح واضحاً مدى اضطرار إيران إلى الرضوخ أولاً لشروط العقوبات، وما قد يثيره ذلك من نزاعات مع قوى داخلية. وتدل التجربة الإيرانية على حاجة الشركات الى التعاون مع الدول المنتجة، على رغم نظمها السياسية.