عرض كبير مسؤولي التجسس الأميركيين تقديرات متضاربة لبعض القضايا الرئيسية: حيث حذر من الحديث عن التهديد “المتصاعد” الذي يشكله الفرع السوري لتنظيم القاعدة، (الجماعة الإرهابية) جبهة النصرة؛ وحذر من خطط إدارة أوباما لتبادل المعلومات الاستخباراتية مع روسيا حول الأهداف السورية؛ واستنطق المزاعم التركية بأن محاولة انقلاب يوم الجمعة الماضي كانت من تنظيم رجل دين يعيش في الولايات المتحدة.
وقدم مدير الاستخبارات الوطنية، جيمس كلابر، تعليقاته الحادة بشكل خاص في مقابلة أجريت معه يوم الأربعاء. وأكد تحذيرا كان أدلى به في مقابلة قد أجريت معه في شهر أيار (مايو)، من أن الولايات المتحدة لا تستطيع وحدها “إصلاح” مشاكل الشرق الأوسط المضطرب. ويشاطر الرئيس أوباما رأي كلابر المتشكك في هذا الصدد، والذي يعزز قلق الإدارة الأميركية من نشر قوة عسكرية في سورية.
بدأ كلابر النقاش الواسع الذي تناول الكثير من القضايا بالتشكيك في “فيض” القلق الأخير إزاء “جبهة النصرة”. وقال إن الفرع السوري لتنظيم القاعدة يشكل مجرد خطر “وليد” على الوطن الأميركي و”لا يقترب من مستوى التهديد” الذي يشكله “داعش”. وتبقى قدرة “جبهة النصرة” على مهاجمة الولايات المتحدة وأوروبا “طموحاً” وليس واقعاً “وشيكاً”، كما قال، واصفاً التقارير الإخبارية الأخيرة عن تزايد الأدلة على وجود مؤامرات خارجية تحيكها المجموعة بأنها “حادة وعالية النبرة”.
تترافق شكوك كلابر حول “جبهة النصرة” بقلقه من التعاون مع روسيا في شأن الضربات التي تُوجه ضد المجموعة، وهو نهج وافق عليه أوباما مبدئياً. وقال كلابر: “لقد أعربت عن تحفظاتي، على سبيل المثال، على تقاسم المعلومات الاستخبارية مع (الروس)… والتي أعتقد أنهم يريدونها بشدة من أجل استغلالها -لمعرفة ما الذي يمكنهم فعله إزاء مصادرنا وأساليبنا وتكتيكاتنا وتقنياتها وإجراءاتنا”، كما قال.
وبالبناء على سجل روسيا من الفشل في الوفاء بالوعود، تساءل كلابر: “ما الذي فعلوه، والذي يمكن أن يعطيكم الثقة في أننا إذا فعلنا المزيد معهم أو تقاسمنا معهم الاستخبارات، فإنهم سوف يتحسنون؟”.
وأكد كلابر أن الرئيس أوباما يواجه مجموعة قاتمة من البدائل في سورية. وقال: “كل الذي لدى صناع السياسة لدينا هو خيارات سيئة. ليس هناك خيار جيد هنا. يبدو أن هناك الكثير من الخطاب الذي يجعلكم تفكرون على النحو الآتي: “ياه، هذا حقاً بسيط. لو أنك فعلت الشيء الفلاني فقط، لكنا على ما يُرام!” حسناً، كلا. إن سورية هي شأن معقد بطريقة لا تصدق. إنها تصيب رأسك بالصداع فحسب”.
مثل أوباما، يشك كلابر في أن تدخلاً أميركياً أبكر أو شبه عسكري في سورية كان سيساعد. ويقول عن ذلك: “كنت حاضراً في كل المناقشات التي جرت في العام 2012. كان هناك جدال كبير في ذلك الحين حول دعم المعارضة، وخيار أن نكون أكثر حزماً وأشياء من هذا القبيل. ولو أنا كنا كذلك، لا أعرف ما إذا كان الوضع سيكون مختلفاً كثيراً عما هو الآن، سوى أننا سنكون استثمرنا المزيد من الدم والمال”.
وفي الإجابة عن سؤال حول أن تكون الادعاءات التركية بأن رجل الدين فتح الله غولِن خطط لمحاولة الانقلاب، شكلت “اختباراً” للمصداقية، قال كلابر: “كلا، ليس بالنسبة لي”. وقال إن وزير الخارجية، جون كيري، كان محقاً في مواجهة “ضغط الأتراك من أجل تسليمهم غولن بمطالبتهم بتقديم الأدلة على تورطه”. وقال: “لم نر ذلك حتى الآن. ومن المؤكد أننا لم نره في استخباراتنا”.
محاولة الانقلاب التركية سوف “تعقد الوضع في سورية، لأن الكثير من الناس الذين تم تطهيرهم كانوا محاورين رئيسيين مع الولايات المتحدة” ضد “داعش”، مثل قائد قاعدة إنجرليك الجوية، كما قال. “سوف يشكل هذا نكسة لجهود (مكافحة الإرهاب) بشكل عام، لأن الأتراك سوف ينشغلون في هذا الحدث وآثاره”. وقال كلابر إنه في هذه الفترة من انعدام اليقين، “من المهم أن يبقى الأتراك في حلف الناتو”.
وقال كلابر إن على الولايات المتحدة أن تتوقف عن الأمل بتحقيق حلول سريعة في الشرق الأوسط، والاستعداد لحماية نفسها خلال فترة مطولة من عدم الاستقرار والعنف من تنظيم القاعدة، و”داعش” والجماعات التي تخلُفها. وأضاف: “سوف نظل نفعل هذا، كما أعتقد، لوقت طويل. سوف يكون هذا هو العادي بالنسبة لنا”.
ثم عرض كلابر، المحارب القديم في حقبة الحرب الباردة، ملاحظة أخيرة: أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ربما لا يكون قوياً كما يبدو. وقال: “إننا نراقب الرأي العام في روسيا، وأعتقد أن شعبيته ربما تكون هشة قليلاً. بالنظر إلى الضغوط على الاقتصاد وتأثيراتها على الأفراد -البطالة، الأجور والمعاشات التقاعدية- فإن من غير الواضح لي أن الحديث عن روسيا كقوة عظمى تقوم بترسيخ نفسها في أماكن بعيدة مثل أوكرانيا أو سورية، سوف يستمر في أن يجد صدى لدى الجمهور الروسي”.
لاحظ كلابر عند إحدى النقاط في الحوار الذي استمر 90 دقيقة: “التحدث عن هذا يصيبني بالصداع”. كما تحدث أيضاً عن التناقض “المدهش” بين “بساطة” النقاش الجاري في الحملة الانتخابية الأميركية وبين “تعقيد” الحوار الحقيقي. ربما يتصور الناس أن قوة الجيش الأميركي تستطيع أن “تنظف الساعات وتشغلها” ببساطة في أماكن مثل الرقة والموصل وينتهي الأمر، كما قال، لكن العالم لا يعمل بهذه الطريقة.
ديفيد إغناتيوس – (الواشنطن بوست) 21/7/2016
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
*نشر هذا المقال تحت عنوان: A reality check on the Middle East from America’s spy chief
نقلا عن الغد الاردني