الأميركيون مرة أخرى على عربة الحرب

الأميركيون مرة أخرى على عربة الحرب

الامريكا

 

التورط العسكري الأمريكي في العراق يزيد الطين بلة

24 / أغسطس 2014

اليستر سلون: صحفي يكتب في مجال حقوق الإنسان في المملكة المتحدة، وتجارة الأسلحة، والرقابة، والاضطرابات السياسية، والدكتاتوريات.

ترجمة مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية

غاب عن ذاكرة السيناتور الأميركي جون ماكين ما حققته الجهادية من  انتصارات في أفغانستان وسوريا وفي العراق الآن، عندما قال مؤخرا: “إن أفضل طريقة لإرسال رسالة إلى “داعش”هي اتخاذ قرار رسمي بضربهم على رؤوسهم، وتمزيقهم، وارسالهم مباشرة إلى الجحيم الذي ينتمون اليه”. وثبت عملياً، ان هذه ليست الطريقة المثلى للتغلب على جيل جديد من الإرهابيين.

وتؤكد التصريحات من البحرية الامريكية ان: “من لم يقتلني يجعلني أقوى.” فيما تقول للجهادية الحديثة: “من يُقتل منا يجعلنا أقوى.” والانتحاريون خير علامة صريحة على ذلك. ثم العراق وبعد عشر سنوات من انهيار النظام السابق وانفاق 1.7 تريليون دولار من الجيش الأميركي انتهى به الحال الى دولة الخلافة.

وعن قصة التجنيد، التي نجحت الى حد كبير، في جذب المتطوعين الجهاديين، تقول ان “الامريكيين يقتلون المسلمين”. لذلك لا يمكن القضاء على الجهاديين الجدد بواسطة القنابل الأمريكية، إلا إذا كان المطلوب تجنيد المزيد منهم ، وإذا كنت تعتقد أنك تستطيع، فان هذا يتضارب مع القول القديم المأثور: “الجنون هو فعل الشيء نفسه مرارا وتكرارا مع توقع نتائج مختلفة”.

 

العنف يولد العنف

ليست الجماعات الجهادية دولة؛ انها شبكة واسعة من التهديدات غير المتناظرة. وتنحو “الدولة الإسلامية” نحو أكثر الحدود التقليدية الآن، وإذا تم تدمير دولتهم فان عشرات الآلاف من المقاتلين سيتم تجنيدهم في أماكن أخرى لإحداث الفوضى. ويقيناً لا يمكن أن تقتل الافكار، خاصة تلك التي تثبت انها “ناجحة”.

وعلى مدى أكثر من 30 عاما فشلت المخابرات الأمريكية والعسكرية والاستراتيجيات الاقتصادية في تدمير الجهاد العنيف، وفي الواقع كلما زادت الولايات المتحدة من انفاقها، تقوت شوكة العدو. ومع كل ضربة جوية  يسقط فيها المدنيون، فان الولايات المتحدة الامريكية تغذي شعلة النيران في منطقة الشرق الأوسط. هذه هي الأيديولوجية التي تجمع حولها عشرات الآلاف في مختلف أنحاء العالم – في نيجيريا، في اليمن، في باكستان، في أفغانستان، في المملكة العربية السعودية، في أستراليا، في جميع أنحاء أوروبا، والولايات المتحدة.

ومن هنا فان التكنولوجيا جعلت هذه الأيديولوجية أكثر ضراوة، فاليوتيوب، وتويتر، والفيسبوك، سيف ذو حدين، رغم انها جلبت وميض الحرية الى المنطقة، ولكن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي كان كبيراً على مستوى تسريع التجنيد الجهادي، فالدعاية التي استخدموها كانت مؤثرة وموجهه، كما في الخطاب البريطاني المتعمد وراء مقتل جيمس فولي.

ومع كل ما تقدم، فإننا مازلنا نعتمد على الجيوش التي استخدمت خلال حقبة الحرب الباردة في محاربة الدول، وليس على الشبكات. ونستمر في القصف على الرغم من الفشل، ولم نتكيف كما فعلوا (الجهاديون)، ولم نستفد من التجارب.

  وقد لاحظ المحللون العسكريون بالفعل أن الضربات الجوية قد تكون فعالة ضد قوات العدو وتمنع تقدمه السريع، ولكن عندما توجه ضد المتشددين الذين ينتشرون في المراكز الحضرية، فإن النتائج ستكون كارثية. وفي نهاية المطاف، قنبلة واحدة تصيب منزلاً أو مدرسة – وسوف تدفع “الدولة الإسلامية” لنشر فيديو يقتل فيه مدنيين. ثم سيتم توجيه ضربة آخرى، وهلم جرا. نتيجة لهذا، كما رأينا مرارا وتكرارا، سيتم حشد المزيد من المقاتلين الأجانب لهذه القضية.

اثارة الحرب

الرئيس اوباما تجاهل كل ذلك، وتمسك باستراتيجية الولايات المتحدة التقليدية ودعا الى تصعيد الغارات الجوية على الفور بعد ذبح جيمس فولي. إذ يفعل بالضبط ما يريد القتلة ان يقوم به: المبالغة في رد الفعل، على الفور، مع نشر المزيد من “المستشارين الخاصين” والقيام بطلعات قصف قد يمتد نطاقها قريبا إلى سوريا، وهناك جوقة تطالب القوات بالتحرك على الارض، يمثلون الثقل اليميني مثل ريك بيري، ديك تشيني، وجون ماكين.

ويبدو أن جزءا من الرأي العام الأمريكي مقتنع بالحاجة لعمل عسكري، ففي استطلاع اجرته مؤسسة بيو مؤخراً (قبل وفاة فولي) تبين أن 54 % من الأميركيين يؤيدون الضربات الجوية ضد المسلحين في العراق، و71 % من الجمهوريين تبدو مقتنعة أنها ينبغي أن تستمر الضربات، ونحو 57 % منهم يعتقدون أن الولايات المتحدة لن تذهب بعيدا بما فيه الكفاية لوقف المسلحين.

الدولة الإسلامية تصعد حملة التوظيف

يشبه رد الفعل المتسرع ما قام الرئيس السابق جورج بوش من برامج المراقبة غير القانونية، والسماح لوكالة الاستخبارات المركزية باستخدام التعذيب، وإنشاء خليج غوانتانامو، وغزو أفغانستان، ثم العراق بعد سقوط البرجين.

وقال جورج بوش للشعب الأمريكي بعد فترة قصيرة من هجمات 9/11 إن “هذه الأفعال من القتل الجماعي كانت تهدف الى تخويف أمتنا لتكون في حالة من الفوضى والتراجع، لكنهم فشلوا. بلدنا قوي، تم تحرك شعب عظيم للدفاع عن أمة عظيمة “.

اوباما يبدو الآن في موقف مشابه لموقف بوش حين اكد: “إن الولايات المتحدة الأمريكية ستواصل القيام بما يجب علينا القيام به لحماية شعبنا، وسنكون يقظين وسنرد بلا هوادة عندما يؤذى امريكي في أي مكان، ونحن نفعل ما هو ضروري لتحقيق العدالة”.

ولعل الرئيس اوباما يريد التقليل من سجل الإجراءات الأمريكية، التي أوصلت العالم إلى هذا الوضع الدموي: فكل ما حققته وزارة الدفاع ووكالة المخابرات المركزية، والاستخبارات العسكرية، والموارد للولايات المتحدة العظمى، ولأكثر من ثلاثين عاما، عالم أقل أمنا، سواء كان ذلك من قبل تسليح الجهاديين بشكل صارخ، أو بقصف عشوائي سبب تقوية صفوفهم، دون تذكير الناخبين بأداء واشنطن، باعتباره بطل هوليوود.

ولهذا سيتم اعتماد اختيارات كاذبة من قبل قادتنا بين عملية التدخل باعتبارها فعلاً صحيحاً، أو ترك الناس يموتون. لكن الحقيقة غير المريحة هي أن ندع الناس يموتون في كل وقت، فأوباما لم يدعم المسيحيين المحاصرين في سوريا. وفي كوريا الشمالية، حيث ترتكب الجرائم الفظيعة ضد الإنسانية، دون محاسبة. وفي دارفور، لا شيء. وما يحدث في جمهورية أفريقيا الوسطى: لا نكاد نهمس به. وبالتالي لا يستند تدخل الولايات المتحدة إلى مدى سوء ما يحدث من جرائم بقدر ما يرتكز على ما يمكن أن تحصل عليه الولايات المتحدة من هذا التدخل.

  في هذه الحالة، أكد مسؤولون في البيت الأبيض، ان الولايات المتحدة وضعت خطا أحمر غير رسمي حول كردستان، إذ تريد الاحتفاظ بموطئ قدم في العراق الغني بالنفط وذي الموقع الاستراتيجي. وعندما تحولت جماعة “داعش” بعيداً عن بغداد وباتجاه أربيل وما حدث للايزيديين، قفز اوباما بصورة مفاجئة للتدخل.

قد يجادل بعضهم بأن هذه الفوضى سببها الولايات المتحدة، وعليها ترتيب المشهد. كذلك، وهو امر لن يكون بمقدور الادارة الامريكية تحقيقه. وكل ما فعلته في السنوات ال 30 الماضية، خاصة في العقد الأخير، هو تفاقم الفوضى.

حان الوقت للمضي خطوة الى الوراء والتفكير، وعدم إعطاء مزيد من الوقود للعنف.

http://www.aljazeera.com/indepth/opinion/2014/08/americans-are-back-war-bandwag-2014824104422367376.html