لا شك أن قمة الدول العربية السابعة والعشرين العادية قد جاءت في وقت حرج، وفي أسوأ فترة تعيشها المنطقة العربية بكثير من الأزمات الأمنية والاقتصادية.
فالأزمات الأمنية، وما أكثرها، ولعل الأبرز منها هي ما تعيشه اليوم كل من سوريا والعراق واليمن وليبيا من قتل ودمار وخراب.
والحالة الاقتصادية، ولعل أهمها انخفاض أسعار النفط في السوق البترولية الدولية، وما له من انعكاسات سلبية على اقتصاديات معظم الدول العربية.
كما أن الحالة الأمنية الصعبة التي تمر بها المنطقة العربية، وحالة عدم الاستقرار السياسي والأمني، كان لها الأثر البارز في تدني المستوى الاقتصادي، وإن لم نقل الانهيار الكلي لاقتصاد بعض الدول العربية التي تعيش الحرب منذ أكثر من خمس سنوات كما هو حاصل في سوريا.
تأتي هذه القمة والوطن العربي يعيش هذا الواقع المؤلم، وقد أطلق عليها المنظمون اسم “قمة الأمل”، علّها ترسم بعض الأمل الذي يكاد يكون مفقوداً.
القمة العربية انطلقت يوم الاثنين 25 يوليو/ تموز 2016 في العاصمة الموريتانية نواكشوط، بحضور بعض رؤساء وقادة العرب، من بينهم أمير قطر، وأمير الكويت، والرئيس السوداني، واليمني، ورئيس جمهورية جزر القمر، بالإضافة إلى الرئيس التشادي كضيف شرف؛ بحكم رئاسته الدورية للاتحاد الأفريقي، أما باقي المشاركين فهم رؤساء حكومات، وممثلون لباقي رؤساء القادة العرب.
تأتي هذه القمة وهي تحمل جدول أعمال مكثفاً، يبدأ بالبحث في النزاعات والحروب القائمة في سوريا واليمن والعراق وليبيا، وآخر التطورات المتعلقة بالقضية الفلسطينية التي تُعد قضية العرب المركزية، وبلورة تصور مشترك بشأنها.
كذلك ستناقش هذه القمة ملفات اقتصادية تهدف إلى تشجيع التكامل الاقتصادي العربي، بالإضافة إلى تشكيل قوة عربية مشتركة، وإلى إيجاد خطة لتطوير الجامعة العربية، والبحث في دفع آليات عملها.
لعل هذه أبرز النقاط التي سيتم طرحها داخل هذه القمة، واللافت للانتباه أن وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم التحضيري أكدوا دعمهم للمبادرة الفرنسية لعقد مؤتمر دولي للسلام قبل نهاية 2016، وهذا لإعادة إطلاق المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية بمتابعة دولية.
كما أن اللّجنة العربية، التي تضم كلاً من السعودية ومصر والإمارات العربية والبحرين، بالإضافة إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية، كانت قد أصدرت بياناً صحفياً تضمن تصعيد نظام طهران الخطير وتدخلاته السافرة في الشؤون الداخلية للكثير من الدول العربية، والتصريحات العدائية والتحريضية للمسؤولين الإيرانيين تجاه هذه الدول.
كما أنّ هذه اللجنة رصدت التدخلات الإيرانية في المنطقة العربية، وهذا لرفعها أمام قمة نواكشوط العربية.
ما ننتظره من هذه القمة العربية أن تكون هناك مواقف واضحة من كل الدول العربية المشاركة من قضية التدخل الإيراني السافر في المنطقة العربية، وتشجيعه، وتدعيمه للمليشيات والمنظمات الإرهابية المنتشرة داخل الجسم العربي، وعلى رأسها التنظيم المسمى بحزب الله وتنظيم داعش ومليشيات الحوثي، وكيفية إيجاد السبل العملية لمواجهة هذا الإرهاب الإيراني داخل المنطقة العربية، وخاصة ما تعلق بالجرائم التي ترتكب في كل لحظة وحين في كل من سوريا والعراق.
كما ننتظر من هذه القمة أن تجد الحلول العملية والعاجلة لإعادة ترتيب البيت العربي، وإعادة تأسيس جسم الجامعة العربية، الذي هرم وتوقف عن الحركة منذ أمد.
ذلك لأن الجامعة العربية اليوم عاجزة عن توحيد الصف والموقف العربي، كما أنه ليس لها القدرة على اتخاذ قرارات حاسمة في ظل هذا الانقسام العربي، خاصة فيما تعلق بقضايا سوريا والعراق واليمن ولبنان وليبيا.
فلو نأخذ عينة بسيطة على هذا الانقسام، وهو ما حصل قبيل انعقاد هذه القمة عندما دعت أطراف إلى جعل مقعد سوريا الشاغر داخل الجامعة العربية، ومنحه لممثل عن ائتلاف المعارضة السورية، هذه الأطراف تمثّلت في المملكة العربية السعودية والكويت والبحرين وقطر واليمن والسودان، غير أن أطرافاً أخرى عارضت بشدة هذا الاقتراح، وهي دول مصر والجزائر وعُمان ولبنان وفلسطين وليبيا وتونس وجيبوتي، في حين امتنع باقي الأطراف، وهي دول الإمارات العربية وموريتانيا والأردن وجزر القمر والمغرب وأريتيريا والصومال.
والاختلاف هذا ناتج عن المواقف المختلفة تجاه نظام بشار الأسد، رغم أنه لا يزال يمارس مختلف جرائمه في حق شعبه؛ من قتل وحرق وتجويع وتدمير.
وبالنظر إلى كل هذه المعطيات نحن نرى بأن هذه القمة العربية ما جاءت إلا لحفظ ماء وجه الجامعة العربية التي غابت كلياً عن المشهد العربي، وظلت في سبات عميق منذ أمد بعيد.
كما أن الجامعة العربية خذلت المجتمع العربي، وكل الشعوب العربية، في كثير من المحطات الحاسمة، وعدم اتخاذها مواقف شجاعة، وإيجاد حلول سريعة وناجحة للأزمات المختلفة التي تعاني منها الشعوب العربية، وعلى رأسها الشعب السوري الذي تم قتله وتدمير ممتلكاته، وطمس معالم تاريخه وحضارته، وتهجيره خارج دياره وبلده، ونفس الصورة يعيشها الشعب العراقي بكل مكوناته وطوائفه.
كما أنّ هناك قرارات سياسية وعسكرية مهمة تمّ اتخاذها خارج هذه المؤسسة الميتة؛ كقرار عاصفة الحزم، ثم بعدها قرار إنشاء التحالف الإسلامي بقيادة المملكة العربية السعودية، وقد كان لهذين القرارين الأثر البالغ في إعادة المعادلة الأمنية داخل المنطقة العربية.
والمغرب لما رفض احتضان هذه القمة، كان قرار الرفض هذا مبنياً على عدم تحمل فشل قمة لا تتمتع بأدنى شروط نجاحها؛ نظراً لحالة الانقسام الملحوظ على المشهد العربي.
ومن ثم فإننا نرى بأن القرار الموحد الذي يمكن أن تخرج به هذه القمة هو دعم المبادرة الفرنسية لعقد مؤتمر دولي للسلام قبل نهاية 2016، وهذا لإعادة إطلاق المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية بمتابعة دولية.
إسماعيل خلف الله
الخليج أونلاين