تكتسب الانتخابات الرئاسية الأمريكية، التي تجري كل أربعة أعوام، أهمية كبيرة، نظرا لأن الولايات المتحدة لا تزال تقف على رأس هرم النظام الدولي، وتتشابك في الكثير من أزماته وتفاعلاته، ومنها منطقة الشرق الأوسط.
ورغم أن السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط تحكمها العديد من الثوابت، والمحددات، والمصالح، بغض النظر عن طبيعة الإدارة ما إذا كانت جمهورية أو ديمقراطية، ورغم أن عملية صنع السياسة الخارجية الأمريكية تقوم على المؤسسات، وليس الأفراد، فإن شخصية الرئيس الأمريكي والفريق الرئاسي المعاون له في الإدارة تؤثر بشكل كبير في تلك السياسة، سواء من حيث التدخل، أو الانعزال، أو من حيث آلياتها ما بين استخدام الأدوات الصلبة، مثل القوة العسكرية، والعقوبات والضغوط السياسية، وبين الآليات الناعمة، مثل المساعدات، والاحتواء، والحوار، والدبلوماسية.
وتشكل الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016 أهمية خاصة تنبع من طبيعة، وتوجهات، وبرامج المرشحين الرئاسيين من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، خاصة المرشحين الأوفر حظا: هيلاري كلينتون عن الحزب الديمقراطي، ودونالد ترامب عن الحزب الجمهوري. فإلي أي حد يمكن أن يؤثر انتخاب كلينتون أو ترامب في قضايا الشرق الأوسط، مثل محاربة الإرهاب، والتنظيمات الإرهابية كتنظيم “داعش”، والموقف من الأزمات المشتعلة في سوريا، والعراق، وليبيا، واليمن، والعلاقات الأمريكية مع دول المنطقة، مثل العلاقات مع دول الخليج، والعلاقات مع مصر، والعلاقة مع إيران، بعد توقيع الاتفاق النووي معها، والموقف من العالم الإسلامي، وما هو الموقف من استخدام القوة العسكرية كإحدي أدوات السياسة الخارجية؟. وما هي أبعاد الاستمرارية وحدود التغير في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه قضايا الشرق الأوسط، في ضوء نتائج الانتخابات، وتغير الإدارة الأمريكية؟.
أولا – قضايا الشرق الأوسط في منظور مرشحي الرئاسة (كلينتون وترامب):
تجري الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وفقا لآليات معقدة إلي حد ما، حيث تستمر على مدي عام كامل تقريبا. وتجري الانتخابات التمهيدية في الولايات ابتداء من فبراير وحتى شهر يونيو 2016 للفوز بأعداد المندوبين في الولايات، ثم يعقد كل من الحزبين الجمهوري والديمقراطي مؤتمرا سنويا في شهر يوليو لاختيار المرشح الذي يمثله رسميا في الانتخابات، وغالبا ما يكون المرشح الحاصل على أكبر عدد من المندوبين في الانتخابات التمهيدية. ثم تجري الانتخابات العامة في شهر نوفمبر2016 لاختيار الرئيس الأمريكي، وفقا لنظام المجمع الانتخابي، حيث يكون الفائز من يحصل على 270 صوتا من بين أصوات المندوبين داخل المجمع الانتخابي البالغ عددهم 538 مندوبا.
1- خريطة انتخابات 2016:
في انتخابات عام 2016، تقدم للترشح أكثر من 22 مرشحا محتملا للرئاسة، خمسة منهم من الديمقراطيين، هم: هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، التي تبلغ من العمر 68 عاما، من ولاية نيويورك، والسيناتور بيرني ساندرز، يهودي يبلغ من العمر 74 عاما، من ولاية فيرمونت، والسيناتور لينكلن شافي، من ولاية رود ايلاند، ومارتن أومالي، حاكم ولاية ميرلاند، والسيناتور جيم ويب، وزير البحرية الأمريكية.
وترشح 17 مرشحا من الجمهوريين هم : دونالد ترامب، ملياردير ورجل أعمال، يبلغ من العمر 69 عاما، وهو من ولاية نيويورك، والسيناتور ماركو روبيرو من فلوريدا، والسيناتور تيد كروز من تكساس، والبالغ من العمر 45 عاما، وجون كاسيك، حاكم ولاية أوهايو، وبن كارسون، وهو طبيب جراح من ولاية ميرلاند، وجيب بوش، حاكم ولاية فلوريدا، وشقيق الرئيس السابق جورج بوش، وكريس كريستي، حاكم ولاية نيوجيرسي، وكارلي فيورينا، رجل أعمال من كاليفورنيا، وجيم جليمور، حاكم فرجينيا، والسيناتور لينسي جراهام، من ولاية كارولينا الجنوبية، ومايك هوكابي، حاكم ولاية أركنساس، وبوبي جيندال، حاكم لويزيانا، وجورج باتاكي، حاكم ولاية نيويورك، والسيناتور راند بول، من ولاية كنتاكي، وريك بيري، حاكم تكساس، والسيناتور ريك سانتوروم، من ولاية بنسلفانيا، وسكوت ووكر، حاكم ويسكونسن.
وقد أسفرت الانتخابات التمهيدية في الولايات الأمريكية، والتي جرت ما بين فبراير ويونيو 2016، عن تقدم كل من هيلاري كلينتون، بعد تجاوزها لأصوات المندوبين المطلوبين، 2383 مندوبا، لنيل ترشيح الحزب، وجاء بيرني ساندرز في المركز الثاني، وأصبحت كلينتون هي المرشح الأوفر عن الحزب الديمقراطي. وفي المعسكر الجمهوري، وبعد انسحاب غالبية المرشحين، خاصة البارزين منهم مثل تيد كروز، وجيب بوش، أصبح المرشح دونالد ترامب هو المرشح الأوفر عن الحزب الجهوري للدخول في الانتخابات النهائية، بعد أن تجاوز عدد المندوبين 1237 مندوبا لنيل ترشيح الحزب.
2- رؤية كلينتون وترامب لقضايا الشرق الأوسط:
أ- رؤية هيلاري كلينتون:
تشير المعطيات إلي أن احتمال أن تصبح هيلاري كلينتون رئيس أمريكا الـ45 هو الأقرب للواقع، وذلك لعدة أسباب، منها المزاج العام الأمريكي، الذي يريد أن يأتي بامرأة رئيسة لأمريكا، بعد أن جاء برئيس من الأقليات ومن أصول سوداء، هو أوباما، ليقدم نموذجا للعالم في الديمقراطية، ثم يعود مرة أخري إلي تقليد الرئيس الأبيض الأنجلوسكسوني، إضافة إلي أن صعود ترامب، المتهور والمثير للجدل، سوف يدفع قطاعا كبيرا من الأمريكيين، ومن الجمهوريين بشكل خاص، إلي اختيار كلينتون، ليس حبا فيها، ولكن خوف من خيار ترامب، وهو ما بدا من رفض بعض أعضاء الحزب الجمهوري نفسه والمحافظين التقليديين البرنامج الانتخابي الجدلي لترامب بحسبانه يسئ إلي صورة الولايات المتحدة، حيث رأي وزير الخارجية الأسبق جيمس بيكر أن خيار ترامب يعني عالما أقل استقرارا. كذلك يأتي دور زوجها الرئيس الأسبق بيل كلينتون، الذي يحظي بشعبية كبيرة في أمريكا منذ ولايته في التسعينيات، وإنجازاته الاقتصادية الداخلية، ولا يزال يحظي بشعبية، خاصة من النساء، إضافة إلي عامل آخر، هو دهاء هيلاري السياسي كوزيرة سابقة للخارجية لأربع سنوات مع أوباما، وخبرتها الواسعة في الشئون الخارجية، وعلاقاتها القوية في الشرق الأوسط، خاصة مع الدول الخليجية، مثل السعودية، وعلاقاتها المتميزة بإسرائيل، ومن ثم كسب دعم اللوبي اليهودي لها، والذي يلعب دورا مؤثرا في الانتخابات عبر ظاهرة المال السياسي، والذي كان لافتا في الانتخابات السابقة، وتجاوز السبعة مليارات دولار.
وتتمثل رؤية كلينتون للتعامل مع قضايا المنطقة، وفقا لبرنامجها الانتخابي وتصريحاتها في أثناء الانتخابات التمهيدية، في:
– تنظيم الدولة الإسلامية (داعش): تقدم كلينتون إستراتيجية من ثلاثة أجزاء للتعامل مع “داعش”، يتضمن الجزء الأول هزيمة التنظيم في العراق وسوريا، من خلال زيادة العمليات الاستخباراتية، وزيادة ضربات قوات التحالف الجوية، وشن حملة برية تدعمها قوات أمريكية خاصة يقودها العراقيون السنة، والأكراد، وتضم شركاء أوروبيين، ودولا عربية مجاورة. ويركز الجزء الثاني على قطع تمويل التنظيم وشبكاته. وستعمل كلينتون على تحديث العقوبات التي تفرضها الأمم المتحدة على التنظيم، وإشراك المجموعات المحلية، والمجتمعات المسلمة في جميع أنحاء العالم للمساعدة في مكافحة التطرف، بالإضافة إلي مكافحة التجنيد عبر الإنترنت بشكل نشط. أما الجزء الثالث والأخير، فيركز على الأنظمة الدفاعية في الولايات المتحدة، مما يحد من قدرة الدولة الإسلامية على اختراق الحدود الأمريكية أو التجنيد من داخلها.
– الأزمة السورية ومشكلة اللاجئين: بالتزامن مع الجهود لمكافحة “داعش”، تدعم كلينتون فكرة العمل مع مجموعات محلية لإزالة الأسد من الحكم، والتخطيط للانتقال إلي حكومة معتدلة. وكانت كلينتون أول من قال إن الرئيس السوري بشار الأسد فقد شرعيته من وجهة نظر الولايات المتحدة، وذلك إثر هجوم متظاهرين موالين للنظام السوري على سفارتي الولايات المتحدة وفرنسا في دمشق في منتصف عام .2011 وتؤيد كلينتون فرض منطقة حظر جوي فوق شمال سوريا قرب الحدود التركية، وإنشاء مناطق آمنة للاجئين تمكنهم من البقاء في سوريا، في مأمن من “داعش” ونظام الأسد. وستقوم كلينتون بإشراك العالم العربي للمساعدة في دعم هذه المناطق الآمنة. بالإضافة إلي ذلك، تدعم كلينتون استقبال الولايات المتحدة لعشرات الآلاف من اللاجئين السوريين، ودفعها للحلفاء الأوروبيين والعرب لاستقبال المزيد من اللاجئين.
– العلاقات مع إيران والاتفاق النووي: تقدم كلينتون استراتيجية خماسية للتعامل مع إيران. أولا: تعميق التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل، من خلال دعم الدفاع، وتحديدا في مجال الكشف عن الأنفاق والدفاع الصاروخي. ثانيا: تأكيد أن منطقة الخليج تشكل مصلحة أمريكية حيوية، من خلال وجود عسكري قوي، والحفاظ على مضيق هرمز مفتوحا، وزيادة التعاون الأمني مع دول مجلس التعاون الخليجي. ثالثا: مكافحة وكلاء إيران في الدول الأخري، وإشراك دول مثل تركيا في تضييق الخناق على الدعم المقدم لهؤلاء الوكلاء. رابعا: التصدي لانتهاكات حقوق الإنسان في إيران. خامسا وأخيرا: العمل مع دول عربية لوضع إستراتيجية إقليمية شاملة.
وتؤيد كلينتون الاتفاق النووي مع إيران، ولكنها تصفه بأنه مقاربة “غير موثوق بها، ولكن تحققت”. وقالت إنها سوف تلجأ إلي عقوبات إضافية، أو إلي القوة العسكرية، إذا لزم الأمر، لفرض الاتفاق. ورأت أن الاتفاق من شأنه تعزيز أمن الولايات المتحدة، وإسرائيل، ومنطقة الشرق الأوسط، وأكدت أنها لا توافق على أي تهديد إيراني لإسرائيل، حيث إنها سبق أن أعلنت – خلال حملتها الانتخابية خلال عام 2008 – أنها ستشن هجوما نوويا انتقاميا على إيران، إذا حاولت قياداتها قصف إسرائيل أو تهديدها(1).
– العلاقة مع إسرائيل وعملية السلام: تدعم كلينتون التحالف القوي والمتين مع إسرائيل، وقالت إنها ستدعو رئيس الوزراء الإسرائيلي إلي البيت الأبيض، خلال الشهر الأول من رئاستها، لتعيد الالتزام بالتحالف بين البلدين، ولإظهار تضامنها مع إسرائيل. كما قالت إنها ستلتزم بأمن إسرائيل، من خلال توفير الدعم الدفاعي لها.
كما أكدت كلينتون دعمها لإسرائيل في مواجهة حركة “حماس”، حيث أرسلت رسالة إلي الملياردير اليهودي الأمريكي، حاييم صابان، ذكرت فيها أن إسرائيل لم تلقن “حماس” درسا كافيا، خلال الحرب الأخيرة على غزة، ولم يتعامل الرئيس أوباما كما يجب مع حليفنا الديمقراطي، وتساهل مع من سمتهم “الفاشيين”. وأكدت أنها ستمنح، في حال تولت الرئاسة، الدولة اليهودية كل الدعم العسكري، والدبلوماسي، والاقتصادي اللازم من أجل القضاء على “حماس”.
وبالنسبة لعملية السلام، فإن كلينتون تؤيد حل الدولتين، لكنها لا تمتلك الرؤية الواضحة بشأن تنفيذ هذا الحل، في إطار الجمود الكامل الذي تعيشه عملية السلام، منذ فشل المفاوضات التي قادها جون كيري في عام .2014
– العلاقة مع دول الخليج: أكدت كلينتون أن منطقة الخليج شريك مهم للولايات المتحدة من النواحي الأمنية، والتجارية، والدفاعية. وشددت على التزام أمريكا بحماية دول مجلس التعاون الخليجي ضد أي اعتداء أو تدخل إيراني في الشئون الخليجية. ورأت أن دور السعودية أساسي من أجل التغلب على الدولة الإسلامية، وتحييد إيران، وتحقيق الاستقرار في المنطقة. وتريد كلينتون أن تدفع الدول الخليجية، مثل السعودية وقطر وغيرهما، إلي بذل المزيد من الجهود لدعم المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية، سواء من خلال الدعم المالي، أو العسكري.
لكن خيار فوز كلينتون يعني عدم حدوث تغييرات جذرية في تلك السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط. فكلينتون لا تمتلك رؤية شاملة يمكن أن نسميها “عقيدة كلينتون” لكيفية التعامل مع ميراث السياسة الخارجية الذي سيتركه أوباما، وعلى رأسه الأوضاع في الشرق الأوسط، وإستراتيجية محاربة الإرهاب، ونمط التعاطي مع الأزمات في سوريا، والعراق، واليمن، وليبيا، ومشكلة اللاجئين، والتي أظهرت جميعها تخبط السياسة الأمريكية وإخفاقها في التعامل مع تلك الملفات، وهو ما أسهم في تعقدها واستمرارها، مما دفع أوباما إلي ترجيح خيار الانسحاب من الشرق الأوسط، والتوجه صوب الشرق الأقصي.
كما أن فوز كلينتون يعني عدم حدوث تغيير جوهري في اتجاه حل القضية الجوهرية المتمثلة في القضية الفلسطينية، والصراع العربي – الإسرائيلي، خاصة أن كلينتون ذاتها – إبان توليها وزارة الخارجية – لم تحدث اختراقا ملموسا في إحياء عملية السلام المتجمدة منذ سنوات، ومالت بشكل كبير إلي تبني وجهة النظر الإسرائيلية(2).
كما أن موقف كلينتون من قضايا الديمقراطية، والإصلاح السياسي، والمجتمع المدني في الشرق الأوسط لن يشهد أيضا تغيرا جذريا، حيث تميل كلينتون إلي الواقعية السياسية، ومحاولة تحقيق التوازن بين المصالح الأمريكية في المنطقة، ودعم الديمقراطية، والإصلاح، وحقوق الإنسان والحريات. لكن عندما تتصادم الواقعية مع المثالية، أي المصالح مع القيم، فإن كلينتون، كغيرها من الرؤساء الأمريكيين السابقين، سوف تُعلى المصالح والاستقرار على الديمقراطية والإصلاح، وهو ما بدا من مواقفها المتناقضة من ثورات الربيع العربي، ودعمها لمعظم النظم الاستبدادية في البداية، ثم التخلي عنها مع تصاعد تلك الثورات. وفي كل الأحوال، فإن خيار كلينتون سوف تكون له تداعيات كبيرة ومهمة على منطقة الشرق الأوسط، وأزماتها المستعصية، ويفرض حقبة جديدة في سياسة أمريكا تجاه المنطقة.
ب- رؤية دونالد ترامب:
أثار المرشح دونالد ترامب جدلا شديدا بشعاراته ومقولاته الصادمة، خلال حملته الانتخابية، ومنها طرد المسلمين من الولايات المتحدة، وفرض رقابة على أحياء المسلمين، وإقامة جدار على الحدود مع المكسيك، إضافة إلي وصفه الحلف الأطلنطي بالعقيم، واعتزامه الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وإلغاء الاتفاق النووي مع إيران، وغيرها من التوجهات التي تشكل ظاهرة غريبة على المجتمع الأمريكي. والمفارقة أن ترامب تقدم في الانتخابات التمهيدية في الولايات بما يجعله المرشح الأوفر حظا للدخول في السباق النهائي عن الحزب الجمهوري. ويعني فوز ترامب تداعيات خطيرة على السياسة الخارجية، أبرزها إثارة حالة التوتر بين الولايات المتحدة والعالمين العربي والإسلامي. فتضخيم ظاهرة الإسلاموفوبيا، وتطرف ترامب سوف يغذي بدوره ظاهرة التطرف لدي الجماعات المتشددة، وهو ما يعني دخول مرحلة جديدة من العنف والإرهاب. كما أن توجهات ترامب سوف تقود إلي صدام وتوتر مع حلفاء أمريكا التقليديين، كأوروبا، ودول أمريكا اللاتينية، ومع روسيا، وحلف الأطلنطي. وإذا تبني ترامب الانسحاب الأمريكي المتدرج من المنطقة، وفقا لسياسة أوباما، فهذا يعني أن فترة ولايته ستشكل الفصل الأخير في عصر الحماية الأمريكية(3).
وقد أثار ترشح ترامب انقساما وجدلا داخل الحزب الجمهوري، ودعا البعض إلي اختيار الحزب الجمهوري لمرشح آخر غير ترامب، حتى لو فاز بأصوات المندوبين في الانتخابات التمهيدية(4). إلا أن تقدمه في الانتخابات التمهيدية، وتجاوزه لتأييد 1237 مندوبا للفوز بترشيح الحزب جعل قادته، ومن بينهم رئيس الحزب رينسي بريبوس، يتجهون إلي تزكيته كمرشح للحزب في مؤتمره العام في يوليو 2015، والالتفاف حوله في مواجهة المرشح الديمقراطي هيلاري كلينتون.
وتتمثل رؤية ترامب للتعامل مع قضايا منطقة الشرق الأوسط، وفقا لبرنامجه الانتخابي وتصريحاته خلال الانتخابات التمهيدية، في:
– تنظيم الدول الإسلامية (داعش): تقدم دونالد ترامب بخطة معقدة يصعب اتباعها غالبا فيما يتعلق بـ”داعش”. ففي البداية، كان مترددا بشأن التدخل في الصراع، بحجة أنه لم تكن لديه مشكلة في ترك روسيا تحارب الدولة الإسلامية. وقال إنه لا حاجة إلي التدخل الأمريكي، وإن الولايات المتحدة تستطيع ببساطة “الاهتمام بالبقايا”، بعد أن تهزم روسيا التنظيم. وفي إطار أي جهد أمريكي، يؤيد ترامب استخدام عدد محدود من القوات البرية الأمريكية. كما أنه يؤيد قصف حقول النفط العراقية لقطع إيرادات التنظيم، ولكنه يريد أيضا أن يزود العراق الولايات المتحدة بـ 1.5 تريليون دولار أمريكي من عائدات النفط لسداد تكاليف الحرب. ويدعم ترامب قتل أسر مقاتلي داعش في محاولة لوضع حد للتجنيد. ويقول إنه ينبغي القضاء على داعش قبل أن تتعامل الولايات المتحدة مع الأسد(5).
– الأزمة السورية ومشكلة اللاجئين: أوصي ترامب باستخدام “قوة هائلة” ضد الأسد، وأعرب في الوقت ذاته عن قلقه إزاء ما سيأتي بعد سقوطه. وقد أعرب عن تشكيكه في موضوع تدريب الولايات المتحدة للمعتدلين السوريين، وما إذا كان يمكن الوثوق بهم أم لا. كما يعارض فرض مناطق حظر جوي في شمال سوريا، ولكن يدعم إقامة مناطق آمنة. وصرح ترامب بأنه سيمنع اللاجئين السوريين من دخول الولايات المتحدة.
-العلاقة مع إيران والاتفاق النووي: يعارض ترامب الاتفاق النووي مع إيران، ويقول إنه قادر على التفاوض على صفقة أفضل. وأكد أنه سيوقف البرنامج النووي الإيراني “بأي وسيلة ضرورية”، كما يؤيد زيادة العقوبات الاقتصادية على إيران لأكثر مما كانت عليه قبل الاتفاق.
– إسرائيل وعملية السلام: شدد ترامب على دعمه الكبير لإسرائيل كشريك عسكري واقتصادي. ويؤيد التحالف الوثيق مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. لكنه لم يكن واضحا بشأن رأيه في إنشاء دولة فلسطينية. ففي أغسطس 2015، قدم ترامب اقتراحا هزليا لحل القضية الفلسطينية، حيث وجه رسالة إلي الفلسطينيين بأن يتركوا أرضهم إلي الدولة الإسرائيلية، مقابل أن يمنحهم جزيرة بورتوريكو الأمريكية التي تبلغ مساحتها ألف ميل مربع كتعويض لهم. وأوضح ترامب أنه سيجعل الولايات المتحدة تمول إعادة توطين أربعة ملايين فلسطيني، هم قاطنو الضفة الغربية وقطاع غزة، وأن الولايات المتحدة ستقدم لهم الإسكان المجاني، وتدربهم على الأعمال، وتضمن لهم حياة طبيعية. وقال: سأبني للفلسطينيين جمهورية بدلا من “المساجد اللعينة”، وبدلا من أن يقتلوا الإسرائيليين، حسب قوله.
– العلاقة مع دول الخليج: طالب ترامب بأن تتحمل دول الخليج تكلفة إقامة مناطق آمنة في سوريا، وطالب السعودية بالتعويض ماليا للولايات المتحدة، كلما ساعدتها هذه الأخيرة في حماية مصالحها.
– العلاقة مع العالم الإسلامي: أكد ترامب أنه سيمنع جميع المسلمين من الدخول إلي الولايات المتحدة حتى يقوم نظام الهجرة بتحسين إجراءات الفرز. واقترح أيضا إغلاق المساجد، وتسجيل جميع المسلمين الموجودين أصلا في البلاد في قاعدة بيانات تديرها الحكومة، ومراقبة أحياء المسلمين، وهو ما أثار جدلا شديدا داخل الولايات المتحدة وخارجها.
وبالنسبة لاستخدام القوة، والتدخل العسكري في العالم، يقول ترامب إن على الولايات المتحدة التدخل في الصراعات في أنحاء العالم، فقط عندما يكون تهديدها مباشرا على أمريكا، وليس لأغراض إنسانية فحسب. ويؤيد ترامب الديكتاتوريين في مختلف أنحاء العالم، إذا كانوا يضمنون الاستقرار.
3- ملاحظات على رؤيتي كلينتون وترامب لقضايا الشرق الأوسط:
– إن خطاب المرشحين الرئاسيين الأمريكيين لا يترجم دائما على أرض الواقع بعد تسلم المنصب، وبالتالي ليس كل ما يقوله المرشح في حملته الانتخابية سيصبح سياسة بعد أدائه اليمين الدستورية، وهو ما يعني أن تصريحات وبرنامج ترامب المتشدد تجاه قضايا المنطقة لن يطبقهما على الأرض.
– القاسم المشترك بين كلينتون وترامب هو تأكيد الالتزام بعلاقة قوية ودائمة ومتبادلة مع إسرائيل. ويري المرشحان أن تحالف الولايات المتحدة مع إسرائيل من بين التحالفات الأهم والأكثر استراتيجية في العالم. كما ألمحا إلي تدهور العلاقات بين البلدين في عهد الرئيس أوباما، وتعهدا بإعادة تأكيدها(6). ولم يقدم أي من المرشحين رؤية عملية محددة لحل القضية الفلسطينية، وإقامة حل الدولتين.
– بالنسبة للعلاقات مع دول الخليج، ورغم الآراء المتشددة لترامب تجاه دول الخليج، لم يسع أي منهما إلي الحد من علاقة الولايات المتحدة مع دول الخليج، أو إعادة النظر فيها. بل أشارا إلي أهمية وجود الدول المستقرة في المنطقة كشركاء اقتصاديين، وعسكريين، واستراتيجيين في المجالات كلها، وليس في التعامل مع “داعش” فحسب. ورأيا أن التحالفات مع دول مثل المملكة العربية السعودية، ومصر، والأردن، وقطر، والإمارات العربية المتحدة، وغيرها غاية في الأهمية بالنسبة للولايات المتحدة، وقدرتها على العمل في مختلف أنحاء العالم. وستبقي تلك التحالفات على حالها، أو يتم تعزيزها، خاصة مع استمرار المعركة ضد الدولة الإسلامية(7).
ثانيا – محددات السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط:
هناك عدد من المحددات التي تحكم السياسة الخارجية الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط، وتجعل هناك استمرارية لتلك السياسة، بغض النظر عن الفائز في الانتخابات، وأن التغير فقط سيكون في الآليات، وليس في التوجهات. ومن هذه المحددات:
1- المصالح الإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط:
هناك عدد من المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط تشكل ثوابت السياسة الأمريكية، وتمثل استمرارية في تلك السياسة، بغض النظر عن كون الإدارة ديمقراطية أو جمهورية، ومنها:
– حماية أمن إسرائيل:
يعد أمن إسرائيل عنصرا ثابتا في أجندة السياسة الأمريكية لا يختلف باختلاف الحكومات المتعاقبة، سواء الديمقراطية أو الجمهورية، حيث استمر الدعم الأمريكي لإسرائيل على مدي السنوات المختلفة، ومنذ إنشائها عام 1948، وإبان حرب أكتوبر 1973، ثم الدخول كطرف أساسي في مفاوضات السلام بين العرب وإسرائيل كراع للسلام في المنطقة. بل كانت الصراعات العراقية – الأمريكية في جزء منها بسبب الرغبة الأمريكية في الحفاظ على التفوق الإسرائيلي على جميع الدول العربية(8). ولذا، تقدم الولايات المتحدة مساعدات عسكرية سنوية لإسرائيل، تجعلها تحتل المرتبة الأولي في الدول المستقبلة للمساعدات العسكرية الأمريكية الخارجية، وذلك لضمان تفوقها العسكري. كما تساند الولايات المتحدة إسرائيل على المستويين السياسي والدبلوماسي في المحافل الدولية، مثل مجلس الأمن الدولي، حيث استخدمت أمريكا حق النقض “الفيتو” عشرات المرات ضد أية مشروعات قرارات في المجلس تدين إسرائيل وممارساتها العدوانية ضد الشعب الفلسطيني. كما يلعب اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة دورا مهما في حشد دعم الإدارة الأمريكية والكونجرس لإسرائيل.
– المحافظة على إمدادات وأسعار نفط مستقرة:
تمثل منطقة الخليج أهمية كبيرة للولايات المتحدة، حيث تمد السوق العالمية بالنفط، وستظل دول الخليج المصدر الرئيسي للنفط في العقود القادمة. ومن شأن المحافظة على استقرار هذه الدول استقرار أسعار النفط(9).
– مواجهة انتشار أسلحة الدمار الشامل:
هناك مصلحة للولايات المتحدة في منع انتشار أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، لما في ذلك من تهديد لحليفتها إسرائيل، ولشركائها في منطقة الخليج العربي، والقوات الأمريكية هناك. وتحت هذه الذريعة، قامت الولايات المتحدة بغزو العراق، وتعمل على احتواء البرنامج النووي الإيراني، ومنع إيران من امتلاك السلاح النووي(10).
– الحفاظ على استقرار الدول الصديقة في المنطقة:
طورت الولايات المتحدة علاقة صداقة وثيقة مع عدد من دول المنطقة المعتدلة، ومنها مصر ودول الخليج، والتي تتوافق مع المصالح والأهداف الأمريكية(11).
– الحرب على الإرهاب:
كانت الولايات المتحدة تسعي للحفاظ على الاستقرار في الشرق الأوسط لتحقيق مصالحها الاستراتيجية، ومنها النفط، وحماية أمن إسرائيل، حتى لو تم ذلك بالتعامل مع الأنظمة السلطوية في المنطقة، أي تغليب الواقعية على المثالية، وترجيح المصالح على القيم، ودعم الديمقراطية والإصلاح. ومن ثم، كان اهتمامها بالمنطقة يقتصر على تحقيق مصالحها. أما الاهتمام بالديمقراطية، وإحداث إصلاحات سياسية، فكان محدودا، ويظهر ذلك من علاقاتها بالأنظمة في المنطقة. إلا أنه بعد 11 سبتمبر، أصبحت مواجهة الإرهاب أحد اهتمامات الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، وعليها أن تتعاون مع شركائها الإقليميين في مواجهة الإرهاب، وتجفيف منابع التطرف.
وبعد ثورات الربيع العربي في عام 2011، وتصاعد خطر الإرهاب، أصبحت الإدارة الأمريكية في حاجة إلى بناء تحالفات استراتيجية مع دول المنطقة، مثل مصر والسعودية، لاحتواء خطر التنظيمات الإرهابية المتصاعدة، مثل “داعش”، وجبهة النصرة، إضافة إلى تنظيم القاعدة. ولذلك سوف تستمر الإدارة الأمريكية، سواء برئاسة كلينتون أو ترامب، في التعاون مع دول المنطقة لمواجهة خطر الإرهاب، وربما تتراجع الولايات المتحدة عن دعم الديمقراطية، وممارسة الضغوط على الأنظمة في المنطقة لتحقيق الإصلاح السياسي، وذلك مقابل أولوية محاربة الإرهاب(12).
2- الإطار الجديد الحاكم للسياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط:
شهدت السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، خلال السنوات الأخيرة، متغيرات جديدة شكلت إطارا حاكما لتلك السياسة في التعامل مع قضايا وأزمات المنطقة. وبدأ هذا الإطار الجديد خلال الفترة الثانية للرئيس باراك أوباما، وتحديدا بعد ثورات الربيع العربي. ومن المتوقع أن يشكل هذا الإطار الجديد حاكما لحدود التغير، أو لطبيعة ومضمون السياسة الأمريكية، لأي رئيس أمريكي جديد، بغض النظر عن الفائز في الانتخابات الرئاسية، سواء كان كلينتون أو ترامب.
ويتمثل أبرز المتغيرات الجديدة، التي تشكل إطارا جديدا حاكما للسياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، في:
– سياسة رد الفعل: حيث أوضحت خبرة الإدارة الأمريكية في التعامل مع الانتفاضات العربية، خاصة في تونس، ومصر، وليبيا، واليمن، وسوريا، أن الإدارة لم تكن في موقع الفاعل، سواء في اندلاع تلك الانتفاضات، أو في توجيه مسارات تفاعلاتها. واتخذت الإدارة موقف رد الفعل ضمن إستراتيجية “دعنا نري”، حيث بلورت مواقفها وسياساتها بناء على مسار تلك التفاعلات، وهو ما حدث في الثورتين التونسية والمصرية. وسعت الإدارة الأمريكية إلى بلورة استراتيجية تقوم على تحقيق التوازن بين المثالية، أي دعم الديمقراطية، وثورات الربيع العربي، وبين الواقعية، أي الحفاظ على المصالح الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة مع دول الربيع العربي. ولذلك، اتسمت السياسة الأمريكية بالتخبط في التعامل مع تلك الأزمات، كما حدث في التعامل مع الأزمتين السورية والليبية. ولذلك، فإن إشكالية التوازن بين المصالح والقيم أبرزت تحديات الإدارة الأمريكية الجديدة.
– تصاعد تأثير الرأي العام العربي في عملية صنع السياسة الخارجية: حيث لم تعد السياسة الأمريكية مقتصرة فقط على التحالف مع الأنظمة الحاكمة في المنطقة بما يحقق مصالحها وأهدافها، خاصة الحرب على الإرهاب، مقابل الدعم الأمريكي لتلك الأنظمة للحفاظ على شرعيتها واستمرارها. بل أضحي الرأي العام العربي عاملا حاكما في السياسة الخارجية لدول المنطقة، وأسهم في جعلها أكثر استقلالية وندية إزاء السياسة الأمريكية، بعد أن كانت أشبه بالتابعة لها، في ظل الأنظمة القديمة. ولذلك، فإن الإدارة الأمريكية الجديدة، وهي تسعي لتحقيق مصالحها في الشرق الأوسط، عليها أن تراعي الرأي العام العربي في نمط تحالفاتها أو سياساتها الخارجية تجاه المنطقة(13).
– بروز دور الفاعلين الأخرين في المنطقة: لم تعد الولايات المتحدة الفاعل الرئيسي في تفاعلات وقضايا الشرق الأوسط، مع تصاعد أدوار قوي دولية أخري، مثل روسيا، خاصة في مرحلة ما بعد ثورات الربيع العربي، حيث أصبح الدور الروسي بارزا ومتشابكا في العديد من الأزمات المنطقة، خاصة في الأزمة السورية. فبعد التدخل العسكري الروسي في فبراير 2016 إلى جانب النظام السوري، انقلبت موازين القوي لمصلحة النظام في صراعه مع المعارضة المسلحة، والتنظيمات الإرهابية، مثل تنظيم “داعش”.
وقد أسهم الانسحاب الأمريكي من الأزمة، وتخبط إدارة أوباما إزاء التعامل معها في إحداث فراغ كبير، سعت روسيا إلى ملئه، وذلك في مساعيها لتوسيع نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، في إطار الحرب الباردة الجديدة مع الولايات المتحدة، والدول الأوروبية، والذي برزت ساحته الأساسية في أوكرانيا. كما أن توجه مصر إلى التحالف مع روسيا، بعد فتور العلاقات مع الولايات المتحدة، كان نتيجة لمواقف إدارة أوباما من النظام المصري، بعد ثورة 30 يونيو. كل هذه المتغيرات وضعت قيودا على حركية السياسة الأمريكية وتحالفاتها في المنطقة.
3- مستقبل السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط:
يمكن القول إن تحليل السياسة الخارجية الأمريكية، منذ نشأة الولايات المتحدة، يوضح أن تلك السياسة تتغير دوريا وبشكل روتيني من توجه انعزالي إلى آخر تدخلي من فترة إلى أخري، بحيث إنه يمكن توقع التغير من توجه لآخر في لحظات تاريخية معينة. فالسياسة الخارجية الأمريكية تميزت خلال الفترة من 1776 حتي 1798 بالتوجه الانعزالي. ولكنها، ابتداء من 1798 حتي عام 1824، تحولت إلى توجه تدخلي، ثم عادت إلى التوجه الانعزالي حتي عام 1844 وهكذا. وقد لاحظ بعض الدارسين أن تلك السياسة تتسم بالثبات أكثر منها بالتغير. فرغم تعاقب الرؤساء منذ الحرب العالمية الثانية، فإن الخطوط العامة للسياسة الخارجية الأمريكية ظلت ثابتة تقريبا(14)، وهذا ما لاحظه ديكسون وجاردر على السياسة الخارجية الأمريكية في الفترة من 1948 وحتي .1988
كما أنه ومنذ انتهاء الحرب الباردة وحتي الآن، تتسم السياسة الخارجية الأمريكية بالثبات والاستمرارية، خاصة في الأهداف والتوجهات. لكن التغير يكون في الآليات ما بين التدخل العسكري، كما حدث في عهد الجمهوريين في إدارتي بوش الأب وبوش الابن، وتبني الآليات الدبلوماسية في عهد الديمقراطيين في إدارتي كلينتون وأوباما. كما أن السياسة الأمريكية، بعد الحرب العالمية الثانية، تسعي دائما للتوازن بين حسابات المصالح الأمريكية، الواقعية، وحسابات القيم والديمقراطية، المثالية.
لكن المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، وعلى رأسها تأمين وصول النفط، ومحاربة الإرهاب، ستفرض على الرئيس الأمريكي القادم استمرار الانخراط في قضايا المنطقة، وضرورة التعامل معها. لكن نمط السياسة لن يختلف كثيرا عن استراتيجية أوباما، وهي الانخراط والحرب بالوكالة، لكن دون التورط العسكري المباشر في تلك الأزمات.
وأيا كان الفائز بانتخابات نوفمبر 2016، سوف تبقي منطقة الشرق الأوسط مضطربة خلال فترة ولاية الرئيس الجديد، وستظل أحد تشابكات السياسة الخارجية الأمريكية، والانخراط في قضاياها وأزماتها، مع الاختلاف في الآليات، وليس في التوجهات، أو الأهداف.
الهوامش :
1- عمرو عبدالعاطي، رؤي مرشحي الانتخابات التمهيدية للرئاسة الأمريكية لقضايا الشرق الأوسط، المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية، 13 أكتوبر .2015
2- د. أحمد سيد أحمد، هيلاري كلينتون .. هل تصبح أول رئيسة لأمريكا؟، صحيفة الأهرام، 6 أبريل 2016.
3- جميل مطر، تأملات وتحليلات في الانتخابات الأمريكية، صحيفة الخليج الإماراتية، 12 مايو .2016
4- Alexander Burns, Anti-Trump Republicans Call for a Third-Party Option, The New York Times, March 2, 2016, at: http://nyti.ms/1WWdyIp
5- جيمس جيفري، خيارات الرئيس الأمريكي المقبل فيما يخص تنظيم الدولة الإسلامية، معهد واشنطن، 3 أبريل 2016.
6- د. ناجي صادق شراب، العرب وقضاياهم والانتخابات الأمريكية، صحيفة الخليج الإماراتية، 3 أبريل .2016
7- ماذا تعني الانتخابات الأمريكية لعام 2016 بالنسبة للشرق الأوسط؟، الموجز البحثي لمركز الدراسات الإقليمية- نقلا عن معهد بروكنجز الأمريكي، 31 مارس، 2016.
8- أميرة محمد راكان العجمي، مفهوم الإصلاح كمحدد للسياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط خلال إدارتي جورج دبليو بوش، رسالة ماجستير، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، 2010، ص.24
9- Joe Jobe, Fuel for Thought, in Joshua Tickell(ed), Biodiesel America: How to achieve Energy Security, Free America from Middle East Oil Dependence, and Make Money Growing Fuel, (New York: Biodiesel America, 2006), p.10.
10- إنجي محمد مهدي توفيق، الاستباق في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي: المبدأ والتطبيق، رسالة ماجستير، جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، قسم العلوم السياسية، 2007. ص.61
11- إيمان محمد العيوطي، السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الإصلاح في الشرق الأوسط .. دراسة حالة العراق، رسالة ماجستير، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، 2007، ص.89
12- Francis Fukuyama and Michael Mcfaual, Should Democracy be promoted or demoted, the Washington Quarterly, Vol. 31, No1. (Winter 2007-2008), p.26.
13- John Hodak, The 2016 U.S. Elections: Impact on the Middle East, Brookings Center (Doha) May 27, 2015.
14- د. محمد السيد سليم، تحليل السياسة الخارجية، (القاهرة: مكتبة النهضة المصرية، 1989)، ص 118.