لا يعكس الحماس الكبير الذي يبديه رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي لإطلاق معركة استعادة مدينة الموصل من تنظيم داعش، أكثر من رغبة سياسية في الاستفادة من زخم الانتصارات المتحقّقة على التنظيم في محافظة الأنبار دون ترك فاصل زمني يكون فرصة لتصعيد الحراك الشعبي المحتج على تفشي الفساد والمطالب بالإصلاح.
كما أن حسابات الميدان ومتطلباته تختلف جذريا عن مآرب السياسة وحركتها الدعائية، فرغم تنامي الثقة في القوات العراقية بعد استعادتها مؤخرا مناطق خسرتها عقب انهيارها المفاجئ صيف 2014 أمام تقدّم تنظيم داعش في شمال وغرب البلاد، إلا أن المعطيات الاستراتيجية والعسكرية للمعركة الفاصلة الأكبر في معقل التنظيم الأساسي في العراق، مدينة الموصل، تؤخر تحديد موعد انطلاق عملية استعادتها بالرغم من إعلان رئيس الوزراء حيدر العبادي عن تقريب الموعد المقرر لذلك دون أن يطرح إطارا زمنيا.
ويقول مسؤول مقرّب من العبادي في حديث لوكالة الأناضول، إن الأخير الذي يشغل إلى جانب منصبه كرئيس للحكومة منصب القائد العام للقوات المسلحة المدعومة من قبل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة يطمح لبدء الزحف صوب مدينة الموصل بحلول شهر أكتوبر القادم، لكن على القوات الحكومية استعادة قضاء الشرقاط الواقع جنوب الموصل والتابع لمحافظة صلاح الدين، أولا حسب خطط القيادة الأميركية.
وتحاصر قوات البيشمركة مدينة الموصل وقضاء تلعفر المجاور من ناحية الشرق والشمال والغرب منذ شهور لكن عناصر تنظيم داعش ينشطون في منطقة صحراوية واسعة إلى الجنوب على مساحة 14 ألف كيلومتر مربع بين نهر دجلة والحدود مع سوريا. وتلعفر معقل أساسي لداعش ويقع على بعد 65 كيلومترا إلى غرب الموصل مركز محافظة نينوى.
وحسب تقديرات الخبراء تحتاج عملية استعادة مدينة الموصل إلى ما يتراوح ما بين 20 و30 ألف جندي. ويجب على القوات التي ستشارك في العملية، بحسب خبير عسكري، التقدم من القيّارة الواقعة على بعد 60 كلم جنوب الموصل حيث يتمركز حاليا نحو خمسة آلاف من أفراد قوات الجيش ووحدة تابعة لجهاز مكافحة الإرهاب، على أن يتم بعدها تحريك وحدات عسكرية أخرى تابعة للجهاز.
ويعد اللواء المتقاعد عبدالكريم خلف استعادة القوات الأمنية سيطرتها على معظم المواقع الكبيرة لداعش في محافظة الأنبار غربي العراق وتقدمها باتجاه الموصل أكبر مدينة تحت سيطرة التنظيم في ما يسميه دولته التي أعلنها في يونيو 2014، إنجازا كبيرا يحسب للقوات العراقية.
وبحسب خلف فإن قاعدة القيارة العسكرية تعد حجر زاوية مهمّا بالنسبة للقوات الأمنية العراقية، لكن الطريق لا يزال طويلا أمام تلك القوات حتى تصل إلى مشارف الموصل. ثم يأتي التحدي الأكبر متمثلا في تطويق جنوبي الموصل حيث نقطة تمركز داعش الأساسية. وبحسب الخبير ذاته فإنّ القيارة ليست سوى نقطة واحدة على هذا الطريق الطويل.
وسبق أن فشلت القوات الأميركية التي وصل عدد أفرادها في العراق إلى الذروة بعد الغزو عام 2003 وبلغ حوالي 170 ألف جندي في تأمين المنطقة الواقعة إلى الجنوب الغربي من الموصل
بشكل كامل عندما حاربت تنظيم القاعدة آنذاك.
وتقود الولايات المتحدة الأميركية تحالفا دوليا مكونا من أكثر من ستين دولة، يشنّ غارات جوية على معاقل داعش، في العراق وسوريا منذ ما يقارب العامين، كما تتولى قوات التحالف تقديم المشورة لقوات محلية تحارب التنظيم في كلا البلدين.
وتعرض الكثير من الدول من بينها فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وكندا “خدمات” متفاوتة الأهمية للمساعدة في معركة الموصل التي تراها فاصلة في مسار القضاء على داعش، وتريد من هذه الزاوية المشاركة في نيل هذا “الشرف” لأهداف سياسية من بينها الظهور أمام رأيها العام في مظهر الجاد في محاربة التنظيم في معاقله بعد أن أصبح يهدّد دولا غربية داخل أراضيها.
وتشعر بغداد وحليفتها واشنطن بالثقة في أن القوات العراقية ستكون مستعدة قريبا للهجوم على الموصل. وحصلت الحملة التي تود إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما استكمالها قبل يناير المقبل على قوة دفع كبيرة بالسيطرة على الفلوجة، كبرى مدن محافظة الأنبار الشهر الماضي، ثم قاعدة القيارة الجوية بجنوب الموصل، والإعلان عن إرسال قوات أميركية جديدة للعراق.
ويتخذ قائد شرطة محافظة نينوى، ومركزها الموصل، اللواء الركن بهاء العزاوي، من قاعدة سبايكر الجوية في محافظة صلاح الدين مقرا لقواته. وفي ظل إعلان العبادي تقريب موعد انطلاق عملية استعادة الموصل يرى أن انتزاع السيطرة على الموصل دون خطة لاستعادة الأمن والخدمات الأساسية وإدارة المدينة إلى جانب توفر المال والأفراد لتنفيذ ذلك على الفور، سيكون مجازفة بحياة مواطني المدينة الذين يتعرضون للقمع طوال فترة بقائهم تحت سيطرة داعش.
ويقول العزاوي إن معلومات استخباراتية تؤكد وجود ما يقارب العشرة آلاف مقاتل تابعين لداعش أغلبهم انغماسيون أي انتحاريون، متواجدون في المدينة.
وتحتاج بغداد بشدة إلى مشاركة قوات البيشمركة الكردية، ويعمل القادة السياسيون على إقحام جماعات مسلحة شيعية تدعمها إيران منضوية تحت الحشد الشعبي في معركة الموصل ما يثير خطر حدوث مواجهات بين العرقيات والطوائف المختلفة في الموصل خاصة بعد اتهام جماعة الحشد بارتكاب انتهاكات في مواقع كانت دخلتها في محافظتي الأنبار وصلاح الدين.
وفي مواقف عدة، أعلن محافظ نينوى السابق أثيل النجيفي وقوف عشائر سنية معه، لمنع مشاركة الحشد الشعبي في استعادة الموصل، ويسعى عوضا عن ذلك إلى الاستعانة بالحشد الوطني الذي يضم متطوعين غالبيتهم من العشائر السنية المحلية، والتنسيق مع حكومة إقليم كردستان العراق التي تعتبر استعادة الموصل ضروريّة لإبعاد الخطر الأمني عن مدنها، لكن قادة سياسيين أكرادا عبّروا أكثر من مرّة عن طموحهم بأن تكون المعركة مناسبة لتحويل إقليمهم إلى دولة مستقلة بحدود جديدة تضم مناطق يعتبرونها حقهم التاريخي.
وبالإضافة إلى العوائق العسكرية والسياسية التي تهدّد بتحويل معركة الموصل إلى مستنقع دموي، تلوح بوادر كارثة إنسانية على هامش المعركة المرتقبة.
وتوقّعت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، الجمعة، أن يضطر ما يصل إلى مليون شخص للنزوح عن ديارهم خلال الأسابيع والأشهر القادمة مع إطلاق الحملة على الموصل. وقالت اللجنة ومقرها جنيف إنّ نزوح مثل هذا العدد الهائل سيمثل مشكلة إنسانية هائلة للبلاد.
صحيفة العرب اللندنية