كشف الأمير رضا محمد رضا بهلوي، #نجل_الشاه الإيراني الراحل، أن نظام ولاية الفقيه دأب على خداع الإيرانيين بلعبة الإصلاحات التي يدعيها، مشيراً إلى أن أي تغيير أو إصلاح في ظل هذا النظام يبدو مستحيلا.
وأوضح بهلوي أن #نظام_طهران الحالي يبقى نظام شعارات، وأن الفساد يستشري فيه، وتسيطر مافيا الاستخبارات على جميع مفاصله، وقد بُني على فكرة إيجاد سيطرة إقليمية تحت راية خليفة “عصريّ”، يتخذ من الحكومة الدينية حجة للوصول إلى هدفه.
وكشف بهلوي عن معاناة الإيرانيين مالياً، وعن مشاكل اقتصادية تجاوزت الحدود، من الفقر والفاحشة والانتحار، وهجرة العقول إلى جميع أنحاء العالم، فضلاً عن أطفال يموتون بالتحسس من التلوّث، وسرطان الدماغ بسبب أمواج التشويش على القنوات الفضائية.
الأمير رضا يتحدث إلى صحيفة “الوطن” السعودية عن أوضاع الإيرانيين في الخارج، وعن #المعارضة_الإيرانية وتطلعاتها، مسلطاً الضوء على كثير من الألاعيب والتدخلات التي يمارسها نظام ولاية الفقيه محاولاً تصدير مشاكله إلى الخارج هروباً من الأزمات التي تعصف به في الداخل.
الأمير رضا يكشف عبر عدة حلقات كثيراً من الأسرار التي تستحق التأمل:
“النظام الإيراني يهتم بالانتخابات ليس حرصا على الديمقراطية وإنما لاكتساب الشرعية”
* أشكركم لإتاحة الفرصة لي للقاء بكم وإجراء هذا الحوار.
بداية دعنا نتحدث عن أوضاع إيران الداخلية، ثمّ ننتقل للحديث عنكم، وعن علاقاتكم بمجتمع الإيرانيين المقيمين في #أميركا، والمهاجرين الإيرانيين في الدول الغربية بشكل عام، ثمّ نعرّج على علاقات إيران بدول العالم، كيف ترون أوضاع إيران السياسية خاصة في عهد روحاني؟
تعاملنا نحن الذين نقف في جبهة نظام علماني يريد الوصول إلى الديمقراطية، ويُعد فصل الدين عن السياسة عاملا رئيسا فيه، مع النظام الإيراني الديني الأيديولوجي، يتم منذ البداية على أساس أن هذا الأخير لا يمكن إصلاحه، وأنه نظام دأب على خداع الشعب بلعبة الإصلاحات.
الشعب يسعى للحصول على حقوقه المشروعة تدريجياً، ومنذ اليوم الأول اتّضح أن النظام ودستوره، أي نظام #ولاية_الفقيه ودوائره المختلفة، ليس منتخباً من الشعب، ويمكنه تجاهل كل القوانين في أي لحظة، وفي ظله تبدو أي عملية تغيير وإصلاح مستحيلة، فنحن هنا نواجه نظام شعارات أكثر منه نظام فعل وعمل.. لقد شغلوا الناس لعشرين عاماً بهذه القضية، ابتداء من عهد خاتمي وانتهاء بروحاني، إن أمعنتم النظر ستجدون أن الاختلاف بين الأفراد ليس كبيراً، وأن طبيعة النظام لا تسمح لأحد بإحداث أي تغيير، فضلاً عن أنّ جميع من يمرون عبر هذه “المصفاة” هم فقط من لديهم الأهلية في نظر النظام.
على أي حال، لا يمكن القول إن النظام الإيراني يمتلك أدنى بُعد شعبي وديمقراطي، أضف إلى ذلك الفساد المستشري فيه، ومافيا الاستخبارات التي تسيطر على جميع مفاصله، ولا تسمح بتأمين أجواء سياسية واقتصادية صحية، وهي بشكل عملي تحكم قبضتها على النظام برمّته، وهو للأسف يسعى لحماية مصالحه وليس المصلحة العامة، من أجل إطالة عمره، ومن أجل تحقيق هذا الغرض يقوم بقمع الشعب من جهة، ومن جهة أخرى يضغط على المنطقة بأكملها بفكرة تصدير الثورة، وأنتم تشاهدون الآن ما يحدث في اليمن، والعراق، ولبنان، وسورية.
وأعتقد أن أصدقاءنا في المنطقة يعلمون هذا بشكل كامل، لذا القضية التي نواجهها هي نفس القضية التي تتكرر باستمرار، بالأمس القريب أجريت انتخابات البرلمان، ورأينا أن نسبة مشاركة الناس فيها كانت الأدنى على الإطلاق، وهو أمر كان لي فيه تأثير بالطبع، فقد طلبت من الناس أن يدركوا ويعوا أن التصويت لمثل هذا النظام ليس له أي ميزات سوى إضفاء الشرعية على نظام يريد أن يقول للعالم: لأن الناس يصوتون فنحن شرعيون، في حين أنّ تصويت الناس لا يلعب دوراً في تحديد مصيرهم.
من هذا المنطلق، الكثيرون أبدوا تفاعلهم مع هذا التجمع ولم يذهبوا ولم يصوتوا، البعض منهم صوتوا بطبيعة الحال، وأكثرهم كانوا مجبورين على ذلك، فهم موظفون حكوميون، وإن لم يصوتوا سيتم طردهم من وظائفهم، حتى أنهم أجبروا السجناء على التصويت هذه المرة، إذن هذه مسرحية روتينية يجريها النظام، ولحسن الحظ لم تعد تخدع أحدا.ً
“طهران تحتاج بشدة إلى خلق الأزمات للتدخل في شؤون الآخرين”
النظام الإيراني يتدخل اليوم في الشؤون الداخلية لدول الجوار، والدول الأجنبية الأخرى، هل يتبع النظام نفس الهدف الذي أشرتم إليه سابقاً؟
النظام يتبع عدة أهداف، أحدها تصدير الأيديولوجية كي يستطيع البقاء، مثل هذا النظام يحتاج بشدة إلى خلق الأزمات كل لحظة، أي أنه لا يستطيع استغلال الفرص من أجل النفوذ الإقليمي والتدخل في شؤون الآخرين إلا في أجواء متأزمة وغير مستقرة.
إنّ فكرته مبنية على إيجاد سيطرة إقليمية تحت راية خليفة عصريّ، على سبيل المثال خليفة شيعي، وهو يتخذ من #الحكومة_الدينية حجة للوصول إلى ذلك، وسعيه للحصول على #السلاح_النووي لا يعني بالضرورة أنه ينوي مهاجمة إسرائيل، وإنما لكي يتمكن من خلال التهديد النووي من إيجاد جبهة عسكرية تقليدية (حسب مفهوم الجيوش غير النووية) لا يمكن لأحد أن يواجهها.
لقد كان النظام يضع هذه السياسة نصب عينيه دائماً، سواء كانت تجاه دول المنطقة أو الجيران أو ما وراء ذلك، لقد كانت هذه الأزمات المختلقة وهذا الإرهاب المتطرف البداية التي أدت بعد كل تلك السنوات إلى ظهور حركة مثل الدولة الإسلامية، أساس القضية منذ اليوم الأول هو عندما زرع النظام الإيراني هذه البذرة وأصبح عرّابها.
“خامنئي يسكب الماء البارد على الرؤوس وينفي وجود المحافظين”
هناك مصطلحان يتم تداولهما في إيران ويطرقان مسامعنا باستمرار، وهما “الإصلاحيون” و”المحافظون”، برأيكم هل كلاهما واحد أم أن هناك فروقات بينهما؟
مؤخراً سكب خامنئي ماء بارداً على رؤوس الجميع عندما صرح أن جميع أبناء النظام هم إصلاحيون، وأنه لا يوجد هناك محافظون، وأنهم جميعاً حزب الله، لكنه ذكر في النهاية أن كل فرد يدخل دائرة النظام لا يمكن له فعل أي شيء باستثناء بذل الجهد من أجل حفظه، سواء كان هذا الفرد يسمى روحاني أو #خاتمي أو أحمدي #نجاد أو أياً كان، الجميع يتعهدون حماية النظام، والنظام بدوره لا يتحمل أي شخص يحاول اتخاذ موقف غير ذلك، هكذا يتعامل النظام مع أبنائه فكيف به إذا كان معارضاً للنظام، وهي الفئة التي تشكل بالطبع غالبية الشعب.
توجه صريح لإشغال الآخرين والهروب من أزمات الداخل”
يقول البعض إن النظام الإيراني نفسه يريد الهروب من الداخل إلى الخارج، أي أنه يعلم أن هناك مشكلة تواجهه في الداخل، لذلك يتحدث دائماً عن وجود عدوّ خارجي، وأنه يجب عليه الحرب خارج حدوده حتى يُبقي العدوّ بعيداً عنه، على سبيل المثال قال ولايتي إنهم إن لم يحاربوا في سورية فسيصل الإرهابيون إلى “كرمانشاه”، أي أن النظام الإيراني كان يؤكد دائما على هذه الفكرة طيلة 37 عاماً، وأنه طالما هناك عدوّ فعلى الجميع الصمت، الأولوية للخارج، والشعب لا يمكنه التفوه بأي كلمة، ما رأيكم بذلك؟
على مرّ التاريخ سعت الأنظمة الشمولية للتمدد خارج حدودها، بحيث يكون لها مواقع “طلائعية” من خلال إقامة علاقات إقليمية، فعلى سبيل المثال كان للاتحاد السوفييتي تأثير على كثير من الدول، ومنها على سبيل المثال دول المعسكر الشرقي، وهي دول تبعد عن حدوده كثيرا.ً
إن الموقف الذي تتخذه إيران الآن بتواجدها في سورية ولبنان يبعد عن حدودنا كثيراً، والسبب هو أنهم يحاولون من جهة صرف الأنظار قدر استطاعتهم إلى مكان آخر، وعدم جذب انتباه الآخرين إلى الداخل، ومن جهة أخرى هذا يوفّر لهم حالة من الحماية، لأن أي صراع في هذه الحالة سيحدث بعيداً عن حدودهم.. قبل بضعة أشهر أعلن أحد مسؤولي النظام قائلاً: نحن نفضّل أن تكون سورية تحت سيطرتنا على أن تكون خوزستان (عربستان).
جميع حساباتهم الإستراتيجية مبنية على كيفية استمرارهم في هذا التعدّي والتجاوز، وكيفية ممارسة الضغط على الآخرين، وإشغال البعض بأمور أخرى، وفي هذه الأثناء يحاولون إيجاد موطئ قدم لأنفسهم.
النظام يقدم الوعود ومواطنوه يغرقون بالجوع
لقد أثر كلّ هذا على حياة الشعب الإيراني، وحياة الناس وأوضاعهم المعيشية تزداد سوءا يوماً بعد يوم، كيف ينظر الناس أنفسهم إلى هذه الأوضاع، كيف تنظرون أنتم إلى الأمر؟
ضع نفسك مكان أحد أساتذة الجامعات، أو أحد العمال، أو مهندس عاديّ ممن تتراوح رواتبهم الشهرية الآن بين 300 إلى 400 دولار، في حين أن حدّ الفقر الذي أعلن عنه رسمياً هو 500 دولار، لذا من جهة نشاهد أن الناس يعانون الجوع، ومن جهة أخرى يقدم النظام الوعود للناس بأن من يحارب في لبنان أو يقتل في هجوم على المصالح الإسرائيلية، فإنهم سيقومون بتعويض عائلته بمبلغ 7 آلاف دولار، أو إن تمّ تخريب بيته فسيقومون بتعويضه بمبلغ 30 ألف دولار، أي ما يعادل أجر أحد المعلمين لمدة 7 أو 8 سنوات، إذن أين أولويتكم؟ إن المشاكل الاقتصادية في إيران تجاوزت الحدود، الفقر، الفاحشة، الانتحار، هجرة العقول إلى جميع أنحاء العالم، فضلاً عن الأطفال الذين يموتون في #الأحواز بسبب التحسس من التلوّث، والذين يموتون بسرطان الدماغ في طهران بسبب أمواج التشويش على القنوات الفضائية، لأن النظام يريد منع استخدام الأطباق اللاقطة، إلى غير ذلك.
يمكنني أن أعرض عليك قائمة طويلة جدا بمصائب الناس في إيران، كل ذلك في حين تمتلئ جيوب رجال الدين هناك أو “الأسياد” على حدّ تعبيرهم بموارد الدولة، وتسيطر فيها مافيا الحرس الثوري على جميع النواحي الاقتصادية للدولة، ولو أراد تاجر عاديّ، بعد فك الحصار، أن يتعامل مع شركة أجنبية، فسيجبرونه على أن يذهب إلى صلاة الجمعة ويطلق الشعارات، وإلا سيمنعونه من أي نوع من التجارة.
في مثل هذه الأجواء يحاول الناس أن يستمروا في حياتهم، لا يملكون قوت يومهم، ولا يتقاضون الأجور في الوقت المحدد، ووضع العمال منهم سيئ جداً، إذن المشاكل ليست واحدة أو اثنتين، فمثلا وضع المدارس في كردستان كارثيّ، والأمر كذلك في #بلوشستان، إنّ عنصرية النظام في التعامل مع الأقليات سواء كانت قومية أو مذهبية أو دينية من شأنه أن يمهد الطريق إلى تقسيم الدولة.
ثورة الخميني أطلقت الحركات الإرهابية وأشعلت المواجهات المذهبية
قبل ظهور هذا النظام، لم نكن من قبل قد رأينا مثل هذه الحركات الإرهابية، حتى عام 1979 لم نشاهد مثل هذه الظواهر من قبل إطلاقاً؟
حتى عام 1979 لم تكن قضية المذهب مطروحة فيما يخص علاقات إيران بدول المنطقة، سواء السنية منها أو الشيعية، ولم يكن هناك اختلاف بين القوميات، سواء الكردية منها أو البلوشية أو العربية.
عندما شكلنا مع تركيا والباكستان “حلف الـسنتو” كانت علاقاتنا معهم حسنة، بينما صرحت باكستان قبل عدة أشهر مخاطبة إيران بأنها إن أرادت تأجيج الصراع في المنطقة، وإن أرادت استفزاز السعودية وغيرها من الدول فستقف في وجهها، فما الذي تغيّر في هذه الأثناء، هل الشعب هو من تغير؟ أم أن النظام هو الذي سبب هذه الأزمات؟ للأسف، لقد وصل الأمر إلى مرحلة نشاهد فيها مواجهات بين السنة والشيعة، وهو أمر كان من المستحيل حدوثه في الماضي، وما كان يجب أن يحدث من الأساس، إن الأوضاع ستصلح بعد زوال هذا النظام.
(الجزء الثاني)
يواصل الأمير رضا محمد رضا بهلوي في الجزء الثاني من حواره المطول مع “الوطن” تشخيص الأوضاع الإيرانية، مركزاً على العوامل التي لا بد من توفرها ليحدث التغيير في إيران، وليتم اقتلاع نظام ولاية الفقيه بكل عيوبه.
ويوضح بهلوي أن حالة القمع الشديدة التي تمارس ضد الشعب من قبل النظام وأدواته أعاقت وتعيق التغيير، مشدداً على أن التغيير يجب أن يأتي عبر حركة مقاومة مدنية بعيدة عن العنف، وأن تتوفر لها قيادة بديلة للنظام الحالي تستطيع إقناع قيادة الشعب لتحقيق مبتغاه، مبيناً أن الظروف الدولية تبدو مواتية لهذا التغيير، خصوصاً أن دول المنطقة لم تكن من قبل على هذه المواقف المتشابهة من المسألة الإيرانية.
ورفض بهلوي بشكل قاطع التغيير عبر التدخل العسكري ليس فقط لأنه رجل وطني حسب تعبيره، ولكن لأن التدخل العسكري لن يفلح، وربما يدعو الشعب للالتفاف حول النظام، مبيناً ضرورة طمأنة القوات المسلحة الإيرانية بأن التغيير لن تتبعه عمليات انتقامية، ولن يكرر ما حدث في العراق، حيث تم حل الجيش وتحول عناصره لاحقاً للقتال إلى جانب داعش.
قمع المتظاهرين
قلتم سابقاً إن الشعب غير راض عن إرسال ثروات بلاده إلى الدول الأخرى مثل لبنان أو غزة، وفي عام 2009 أطلق الناس شعارات مثل “لا غزة ولا لبنان روحي فداء إيران”، السؤال الذي يطرحه الجميع هو لماذا لم يتحرك الشعب منذ 2009 حتى الآن، وهل كانت لديه فرصة أم لا؟ هل يقبلون النظام الإيراني أم أنهم ينتظرون أن تسنح الفرصة ليقاوموه ثانية؟
إن المسألة معقدة، أولاً لا بد من توفر عدة عوامل لإيجاد تغيير أساسي، ما هي الأمور التي تشكل عائقاً أمام الناس؟ إنّ حالة القمع الشديدة التي يمارسها النظام ضد الشعب من جهة جعلت من المستحيل تنظيم أي محاولة لمقاومة النظام باستثناء إبداء بعض الاعتراضات أو تقديم بعض المطالب، لأن أي محاولة أخرى يتم قمعها فوراً.
1- تضحية الثوار
الحركة الخضراء في 2009، وعلى الرغم من تواجد الملايين في الشوارع، إلا أنها كانت هادئة وبدون مشاكل، ورأينا في نهاية الأمر كيف قمع النظام هذه المظاهرات، لهذا، لا يوجد لدى الناس أي أمل يدفعهم للخروج إلى الشوارع من أجل تغيير الأوضاع، القضية الثانية هي قضية قيادة حركة المقاومة، الكثيرون يقولون إنه لم يتم دعم الحركة الخضراء في 2009، وباعتقادي لم يتم دعمها لسببين: الأول: أنه لا يجب أن ننسى أن قياديي الحركة الخضراء نفسها، وهما في الحقيقة السيد مير حسين موسوي والسيد مهدي كروبي، كانا في الحقيقة كما يقول الغربيون “المعارضين المزيفين”، فقد كان موسوي يتحدث عن فترة الخميني الذهبية، وكان يتصرف وفق مبادئ الجمهورية “الإسلامية”.
برأيي لم يكن الاعتراض على تزوير الانتخابات هو من دفع الشباب للنزول إلى الشوارع والتضحيية بأرواحهم، و”نداء” التي ضحت بروحها كذلك، فقد كانت لديهم مطالب أعمق من ذلك بكثير، بعضها لا يمكن لهم التصريح به، على أي حال كان من الواضح أنّ الناس لم يواجهوا كلّ هذه المخاطر من أجل مسألة تزوير الانتخابات.
2- الجاهزية للتغيير
هناك عوامل دولية لها تأثير كبير في التغييرات الجوهرية، فالحكومة الأمريكية الحالية كانت تحاول بأي شكل كان أن تصل إلى تسوية مع إيران، ولم تقدم أي دعم للحركة الخضراء آنذاك، وهو ما حدث فيما يخص القضية السورية، فقد أظهرت ضعفاً مقابل نظام الأسد، وهذه المسائل الخارجية تنطبق على إيران كذلك.
الأهم هو أنني أعتقد أن الشعب الإيراني لديه الجاهزية لتغيير جوهري، وخوفه يتناقص يوماً بعد يوم، فلم يعد لديه الصبر والاحتمال، وما شاهدناه من اعتراضات في الأشهر الأخيرة يدل على ذلك، فجميع شرائح المجتمع، النساء والمعلمون والعمال، وكذلك عوائل السجناء السياسيين، والذين تم إعدامهم أو قتلهم، يعترضون باستمرار.
نتيجة لذلك تهيأت الفرصة لظهور تيارات مدنية قوية في بلادنا، ما هو بديهي بالنسبة لنا، نحن الذين نبذل الجهود من أجل تغيير النظام، هو أننا لن نصل إلى مقاصدنا الوطنية أبداً طالما يقبع هذا النظام على سدة الحكم، ولا بدّ لنا من التغيير، لكن كيف؟ إنّ حركة مقاومة مدنية بعيدة عن العنف يمكن لها من جهة أن تمارس الضغوط الداخلية على النظام وتجبره على التراجع، ومن جهة أخرى تنظيم العمل مع الضغوطات التي تمارس على النظام من الخارج، فمثلاً بعض العقوبات لو بقيت مرتبطة بقضية انتهاك حقوق الإنسان، وليس فقط الملف النووي، لساعد ذلك الناس كثيراً في ألا يواجهوا النظام وحدهم.
3- تأمين الاقتصاد والحريات
النقطة الثانية مهمة جداً، فالبديل يجب أن يكون محدداً، فالأمر لا يقتصر أن نقول يجب على النظام أن يتغير، لا يجب أن ننسى أنه قبل 37 عاماً عندما حدثت الثورة، قال معارضو نظام والدي: على الشاه أن يغادر وبعدها سنرى ما يمكن فعله! وشاهدنا آنذاك ماذا كانت النتيجة، اليوم لا يمكننا أن نقول للناس يجب على النظام أن يغادر وبعدها سنرى ما يمكن فعله، بل يجب أن نخبر الناس من هو البديل، ولماذا من مصلحتهم أن يكون هذا أو ذاك هو البديل، وكيف يمكن لهم الوصول إليه.
لذا حاولت في هذا الإطار، خاصة بعد الحركة الخضراء، ومن أجل ألا تخمد هذه الحركة، حاولت تشكيل مجلسٍ قوميّ هدفه على المدى القريب الوصول إلى ظروف تسمح بانتخابات حرة في بلادنا، وحيث أنّ “الجمهورية الإسلامية”، كما ذكرت سابقاً، لن تتنازل عن السلطة باختيارها، لذا لا مفرّ من أن نقوم بتشكيل مقاومة مدنية في مواجهتها، كي نتمكن من الوصول إلى الظروف التي نريد، وما يهم أبعد من هذا هو أن يعلم الجميع أن لدينا تخطيط أساسي، ليس فقط للاستهلاك الداخلي، بل أقول هذا أيضا لجيراننا ولسائر دول العالم أننا نتقدم إلى الأمام بحسابات عملية حقيقية، يهمنا ماذا سيكون مستقبل الاقتصاد، أو البيئة، أو الصحة، وكذلك وضع المسنّين، أي أننا نراعي جميع النواحي الاجتماعية والسياسية للدولة من خلال التخطيط الصحيح قصير المدى، متوسط المدى، وبعيد المدى، إن مسؤولية الحكومة الانتقالية هي تهيئة الأجواء لانتخاب المجلس التأسيسي، وكتابة دستور جديد، وتشكيل الأحزاب، تحرير الصحافة، وتحرير السجناء السياسيين، وغير ذلك من الأمور، أي أننا نراعي جميع المراحل الطبيعية التي يجب أن نمر بها.
وهذه مسألة في غاية الأهمية، فالشخص الذي يجلس في الداخل، سيقول لنفسه ما الذي سأحصل عليه في مقابل ما أتحمله من مخاطر، إن أراد أن يضرب يجب عليه أن يفكر في رزق عائلته، فما الذي سيعود عليه في المقابل؟ عدم وجود قيادة يشكل جزء من المشكلة، سيتحرك الناس من أجل ماذا؟ بدون القيادة لا يمكن لهم النزول إلى الشارع.
4- تشابه الهواجس
الأمر الثالث الذي أشرت إليه سابقاً هو نوع الدعم والتنسيق الدولي الذي يمكن الحصول عليه. إذا نظرنا إلى منطقتنا، سنرى أنه للمرة الأولى في تاريخ الشرق الأوسط المعاصر لم تكن هواجس دول المنطقة متشابهة إلى هذا الحد، ونجد أنّ أصابع الدول الرئيسة في المنطقة مثل: السعودية، وباكستان، وتركيا، ومصر، وكثير من الدول الغربية مثل: فرنسا، وألمانيا كلها تتجه صوب إيران، فكلهم يعلمون طبيعة هذا الكائن.!
إنني أقدر شجاعة وموقف السيدة ميركل عندما قالت: طالما أنّ هناك انتهاكا لحقوق الإنسان في إيران فإننا لن نستثمر فيها، وما يهمنا ليس فقط صناعة المال. كل ذلك إشارات إيجابية من شأنها أن تسهم في تغيير الظروف.
وليس بالمستبعد ولا بالمستحيل أن تسهم هذه الحركة في تقوية المجتمع من أجل أن يرفع من جاهزيته، وأن يملك أسباب العمل والنهوض، وهو أمر ربما يحتاج إلى دعم لوجستي، وإن توفر مثل هذا الأمر، سنرى بطبيعة الحال أن كفة الميزان سترجح بشكل كامل لمصلحة الشعب.
هناك أمر مهم جداً في هذه المعادلة، وهو برأيي أمر حياتيّ، وهو أمر ليس فقط يدركه الشعب الإيراني، بل تعيه دول الجوار كذلك، لكن لا ضير من تكراره، وهو أن موقفي دائما كان معارضاً لأي نوع من العمل العسكري ضد بلادي، وهو بالنسبة لي كان ومازال الخط الأحمر، والسبب لا ينبع فقط من كوني وطنيّ، بل لأن أي عمل عسكري ضد النظام لا يسهم في شيء إلا في تقوية النظام نفسه، ومن الطبيعي أن الناس في مثل هذه الحالة سيلتفّون حول النظام، وهو سيناريو خاسر تماماً لمن هم يريدون إنقاذ البلد مثلنا، أو من يعتقدون أنهم سيحصلون على شيء خلال ذلك.
5- تململ القوات المسلحة
أما ما هو واقعي، هو أنني في حساباتي التي أقوم بها أعوّل إلى حدّ ما على انحياز وتعاون القوات المسلّحة الموجودة داخل إيران في نجاح هذا الأمر، ماذا يعني ذلك؟ هذا يعني عناصر الحرس الثوري وبطبيعة الحال الجيش وقوات التعبئة، لماذا؟ لأن حركتي في الأساس مبنية على نوع من المصالحة الوطنية والعفو العام، أي على العكس مما فعلته أميركا في العراق بعد الحادي عشر من سبتمبر، حيث انهار كلّ شيء، وقاموا بحلّ الجيش، وأصبحنا نرى عناصره الآن يقاتلون إلى جانب الدواعش، أما نحن فنقول لهؤلاء إنكم ستحتفظون بمكانكم في إيران المستقبل، ولن نقوم بالانتقام منكم، أنتم من ستحمون الشعب من النظام إن أراد في محاولة أخيرة يائسة أن يقمعهم للحفاظ على بقائه.
لا شك أن لكل نظام أتباعه، لكن لا بدّ من معرفة أن أكثر أفراد القوات المسلحة الموجودين في إيران اليوم مستاؤون، فهم لا يتمتعون بالمنافع التي تتمتع بها المافيا التي تتربع على رأس الهرم، إنهم يسمعون شتائم الناس ولا يفعلون شيئاً، فالنظام لا يعود بالفائدة عليهم، وأجورهم لا تكفيهم.
6- مشاريع وطنية
ماذا أقصد بهذا الحديث؟ أقصد أننا إن تقدّمنا بهذا النحو من التفكير، يمكننا أن نعدهم بأن يكونوا شركاء في هذه الحركة، وأن يكونوا الدرع الذي يحمي الشعب، وأن نقول لهم: لماذا تدافعون عن مثل هذا النظام؟ فلا مستقبل لكم في ظل هذا النظام! في المقابل هم يستطيعون التراجع عن موقفهم تجاه النظام والالتحاق بجموع الشعب بوجود بديل قوي ووجود حركة شعبية، وقد شاهدنا نماذج من هذا الأمر في أكثر من مكان، منها ما حدث في تشيكوسلوفاكيا، أو حتى ما حدث في زمن يلتسن في الاتحاد السوفييتي، وشاهدنا كيف أن كثيراً من الجيوش لم تقمع شعوبها، السيناريو الوحيد من هذا النوع هو ما حصل في رومانيا في عهد نيكولاي تشاوتشيسكو، الذي حاول قمع الشعب، لكن شاهدنا كيف كانت نهايته.
أقول هذا لأن من الأهمية بمكان أن ندرك أن حصول مثل هذا السيناريو في إيران، حسب نظرتنا خلال الأشهر والسنوات القادمة، هو أمر ممكن، وكذلك أن ندرك أن بلدنا بهذا المخطط لن يتعرض للانهيار، إن سلامة الأراضي الإيرانية هي عامل حياتي لكل من يقول إننا لا يمكن أن نسمح بتجزئة بلادنا، والضمان الذي سيقدم للقوات المسلحة بعدم تدخل أي قوة عسكرية أجنبية واستغلالها للأوضاع للهجوم على إيران هو كذلك عامل مهم للغاية.
لذلك إن كانت دول المنطقة تفكر مثلنا، أو لديها الرغبة بمساعدة إيران حتى نتخلص من شرور هذا النظام، وهو بالطبع أمر سيعود عليهم وعلى الشعب بالمنفعة، من المهم أن يعلموا أنه حين تحين تلك اللحظة يجب عليهم أن يقدموا هذه الضمانات للقوات خاصة القوات المسلحة، كيلا يعتقدوا بأن بلدنا سيواجه أخطاراً من الخارج في حال تركوا مراكزهم الدفاعية.
بطبيعة الحال سيقوم النظام بعمل دعاية مضادة، وسيدّعي أن بلدنا في خطر، وسيتخذ من ذلك حجة لقمع عناصرنا، وارتكاب جرائمه البشعة.
(الجزء الثالث)
يرى الأمير رضا محمد رضا بهلوي نجل الشاه الإيراني السابق أن الحروب الطائفية التي تشتعل في المنطقة ستزول تلقائياً بزوال نظام ولاية الفقيه، الذي يكرس للطائفية ويعد “عراباً” لداعش، مشيراً إلى أن زواله سيقود لسيادة الأجواء السلمية والحرية في إيران، وسيتجاوزها إلى الدول الأخرى.
وأكد بهلوي استفادته الكبيرة من وسائل التواصل الحديثة للتواصل مع الإيرانيين في الداخل والخارج، موضحاً أن طهران تنفق أموالاً باهظة على مليشياتها التي تنشرها في كل مكان، وعلى لوبيات تخدم مصالحها في كل مكان، مشدداً على الربط بين زوال النظام الإيراني وزوال النظام السوري.
وركز بهلوي على ضرورة أن تخاطب دول المنطقة وسائل الإعلام الغربية لتوضيح موقفها وكشف توجهاتها لأن هذا السبيل الأسرع والأنجع لتوضيح صورتها الحقيقية في العالم الغربي.
بهلوي يكمل رؤيته للمستقبل الإيراني في الحلقة الثالثة من حواره المطول مع “الوطن”.
وسائل التواصل وقناة فضائية تحققان لنا الحضور
كيف تصف علاقاتك بالشعب الإيراني في الداخل؟
تشكل وسائل التواصل الاجتماعي أداة مفيدة وقيّمة للتواصل الذي نريده، أتذكر عندما توفي والدي في القاهرة، مكثت هناك مدة من الزمن، وكنا ننتظر ساعات لنتمكن من إجراء اتصال هاتفي بالخارج.
حاولت خلال هذه الأعوام المحافظة على التواصل بشكل دائم مع أبناء وطني، خاصة في الداخل، ولحسن الحظ هيأت وسائل التواصل هذا الأمر، فضلاً عن القنوات الفضائية. منذ عام أسسنا قناة “أفق إيران” الفضائية، ومن خلالها نرسل رسائلنا إلى الداخل، ونحصل على رسائل من الداخل.
التواصل يتم على مستوى موسّع، وهو لحسن الحظ يتم مع الجميع، والناس يتواصلون معنا من جميع أنحاء الدولة، وقد تمّ تقوية شبكة التواصل هذه من خلال التشكّلات التي أوجدناها، ومنها #المجلس_الوطني الذي مرتّ على تأسيسه ثلاث سنوات. بدورها تتواصل الحركات الوطنية التي تشكلت في الداخل معنا باستمرار، ونتبادل الرأي.
الحروب الطائفية ستنتهي
يعتقد البعض أن مسألة الخلافات السنية الشيعية، لم تكن موجودة في عهد الشاه، ومن أوجدها هو نظام ولاية الفقيه، وهم يعتقدون أن الحرب الطائفية الموجودة حالياً ستزول تلقائياً بزوال هذا النظام؟
نعم، هو كذلك، هذا النظام يريد تأسيس خلافة مذهبية على أساس فلسفة مذهبية، المستقبل الذي أريده لبلادي هو أن يكون الجميع متساوين أمام القانون، وألا ننظر إلى لونهم أو أصولهم القومية عرباً كانوا أو آذريين أو تركمانا، أو غيرهم، وألا ننظر إلى مذهبهم أو ديانتهم، مسيحيين أو يهودا، سنة أم شيعة، كيف لا يمكن لإيراني سني، كردي مثلاً، أن يكون له مسجده الذي يصلي فيه في طهران؟! أمن المعقول في دولة حرة ألا تكون العبادة حرّة؟! إن المذهب شأن خاص، أتمنى أن يأتي اليوم الذي لا يسأل فيه الإيرانيون بعضهم البعض عن مذهبهم، وأن يمتلكوا مثل هذا الحق أمام القانون.
فندما نقوم بتهيئة هذه الأجواء ويعيش جميع المواطنين سواسية وتزول مظاهر العنصرية القومية والدينية والمذهبية، ستسود الأجواء السلمية والحرية وحدها، الأمر الذي يمكن له أن يتجاوز حدودنا إلى الدول الأخرى، نحن نسعى أن تسير بلدنا على طريق التقدم، والتطور، والازدهار الاقتصادي، والاستقرار، والأمن الفردي والاجتماعي، وأن تتحقق جميع هذه الأمور في ظلّ ظروف آمنة مستقرة يسيطر عليها القانون.
والدولة التي تفكر هكذا بالنسبة لشعبها، من الطبيعي أن تنظر بهذا المنظار إلى جيرانها، مثل هذه القضايا ليست مهمة للنظام الإيراني، فهو لا يفكر بجيرانه، هو يريد أن يصل إلى مصالحه، وزواله سيؤدي إلى اختفاء الأزمات بالسرعة التي ظهرت بها.
محتوى النظام أهم من الرأس
ما رأيكم بخصوص معارضي النظام، أو المعارضة؟
المعارضة كلاسيكية وتعتمد على مواقفها الأيديولوجية في إبراز نفسها، وأعتقد أن هذا النوع من المواقف لم يعد يشكل الهاجس الأكبر لدى الناس، ما يهم الناس اليوم هو المحور الاقتصادي، وانعدام الحريات، بما فيها السياسية والمذهبية وحرية العمل، والأمر يعود إلى أن التيارات الموجودة في الداخل تحاول إبراز نفسها من خلال مطالباتها السياسية، أعتقد أن نقابة رسمية للعمال أو النساء اليوم لها أبعاد سياسية أكثر من أي جماعة تجلس في الخارج وتتحدث عن مواقف أيديولوجية، برأيي المعارضة الحقيقية هي تلك القوى الموجودة في الداخل.
في تلك المتغيرات الأيديولوجية توجد لجميع التيارات الإيرانية التي تلتقي جزئياً عند تقاطع الديمقراطية العلمانية، أطياف متنوعة من اليساريين إلى اليمينيين، اليساريون الذين يميلون إلى الاشتراكية الديمقراطية، أو الليبراليون اليمينيون بمفهومهم الاقتصادي، والجميع يتحدث عن رأس النظام، وهل يجب أن نكون نظاماً جمهورياً أم نظاماً ملكياً دستورياً! أعتقد أن شكل النظام ليس هو الموضوع الأساسي، وإنما محتوى النظام، على الأقل أنا حاولت أن أوجه أساس النقاش إلى أن يكون شكل النظام برلمانيا كيلا ندخل متاهة النقاشات الأيديولوجية الفلسفية القديمة.
عندما يكون في الدولة نظام ديمقراطي وتعددية سياسية، ويتم تأسيس أنواع وأقسام وأصناف الأحزاب المختلفة، فمن الطبيعي أنها ستتنافس، مثل أي دولة ديمقراطية أخرى، على تشكيل الحكومة، وسيقوم الحزب الفائز، بتشكيل الحكومة، وسينفذ سياسات الدولة حتى يحين وقت الانتخابات التالي وهكذا.
علاقتي بالإيرانيين في الداخل والخارج تقوم على هذا الأساس، ولا أنظر إلى القضية إلا من وجهة نظر وطنية، ويمكن لنا العمل مع أي إنسان يحمل هذه الأفكار والطموحات والقيم، وعندما يحدث خلاف في الرأي عندها يطرح كل منا رأيه، وطالما لا نملك حق التصويت، فلا شيء آخر يمكن مناقشته، فإن لم نستطع الوصول إلى انتخابات حرة نزيهة، فلا فرق حينها بين ما أعتقده أنا أو ما يعتقده غيري، فالأولوية هي للوصول إلى تلك النقطة، ومن خلال صناديق الاقتراع يمكننا تحديد وتقييم الطريق الذي اختاره الناس من أجل تحديد مصيرهم.
لكن قبل ذلك لا بدّ من طرح عدة خيارات أمام الناس، وخياري هو أشبه بخارطة للطريق تمكننا من الوصول في أسرع وقت إلى النقطة التي نريد، ولا أفكر فيما سيعود عليّ من نتائج، فالنتيجة سيحددها الشعب نفسه، وما قمت به خلال السنوات السابقة مبني على هذا الأساس.
نظام الفقيه ينفق أموالاً طائلة على لوبي يخدم مصالحه
قبل سنتين أو أكثر، أي في عهد روحاني، تضاعفت حالات الإعدام في إيران بنسبة تزيد عما كانت عليه في عهد أحمدي نجاد، فخلال سنتين وبضعة أشهر مضت وصلت حالات الإعدام إلى ألفي حالة تقريباً، وقد أشار الدكتور أحمد شهيد، المقرر الخاص للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في إيران، إلى ذلك في تقريره، كيف هي علاقتك بمنظمات حقوق الإنسان في أميريكا أو في أوروبا؟
لقد نقلنا كثيراً من المعلومات التي لدينا للدكتور شهيد، وذكرها بدوره في تقريره، لدينا تعاون وعلاقات وثيقة مع هذه المنظمات، إنّ الناشطين في هذا المجال، وغيرهم من المنظمات الدولية مثل منظمة العفو الدولية، ومنظمة مراقبة حقوق الإنسان (هيومن رايتس ووتش) تركز اهتمامها على قضايا حقوق الإنسان في إيران، وكذلك جماعات من المنظمات الإيرانية التي تعمل بشكل متخصص في مجال حقوق الإنسان في إيران، هناك مؤسسات مختلفة تقوم بهذا العمل.
أحياناً يصل إلى مسامعنا أن في الغرب، خاصة في واشنطن، لوبيا ينشط لخدمة مصالح نظام ولي الفقيه، ولدي أسماء بعضهم، لكن لا أحبّذ ذكرهم، من المؤكد أنهم موجودون، ما رأيكم؟
أفهم ما ترمي إليه دون أن تذكر لي أي اسم، هم حتماً موجودون، والنظام الإيراني ينفق الكثير على جماعات الضغط الموالية له في أوروبا وفي أميركا، وهدفهم بذل الجهود لتثبيت دعائم النظام وإضفاء صبغة “الشرعية” عليه، هم يقولون إنهم يقومون بإصلاح الأمور، أو إنهم يوجدون التغيير تدريجياً، وهم أساساً يكررون كلام إصلاحيي الحكومة، الذين يخاطبون العالم بقولهم تعالوا لنتعاون معاً، في حين أنهم يسعون للحفاظ على النظام الموجود.
من المؤكد أن للنظام جماعاته الخاصة، نحن أيضاً بدورنا، وفي سبيل مواجهة هذه الجماعات، نسعى إلى إثبات وجودنا على المستوى العالمي، سواء من خلال وصولنا إلى برلمانات الدول أو بالتواصل مع أحزابها، وكثيراً ما تتجاوب الحكومات مع المعارضة العلمانية الديمقراطية في مواجهتها لمن يحسبون على النظام الإيراني.
النظام الإيراني هو عراب داعش ولا يمكن التحالف معه
هل لجماعات الضغط أي تأثير في تغيير نظرة الشعب الأميركي إلى إيران؟
الضغوط التي تمارسها هذه الجماعات هي على المشرّعين وصنّاع السياسات لا على الشعب العادي الذي يتأثر كثيراً بما تقوله وسائل الإعلام.. أنتم تلاحظون مؤسسة سي إن إن أو فاكت نيوز على سبيل المثال، لا تهتم كثيراً بالتفاصيل، وللأسف نهج تعامل وسائل الإعلام الأميركية هو إثارة الجدل أكثر مما هو تحليل منطقي عميق، خاصة عندما يتناولون قضايا منطقتنا، فتفاصيل الأحداث في منطقتنا معقدة للغاية لدرجة أنهم لا يتمكنون من تحليلها تحليلاً دقيقاً.
الشعب هنا ليس لديه الصبر للجلوس والتدقيق في الأخبار، وهذا يؤدي إلى ظهور تعقيدات في عملنا، ومن الممكن أن تقوم جماعات الضغط بتضليل الرأي العام من خلال مساعيهم المعتمدة على إطلاق الشعارات والتنظير، وهذا أحد المعوّقات في طريقنا.
لكنني لا أظن أن أحداً يجهل أن الدّاعم للراديكالية والإرهاب هو في نهاية الأمر نظام أو حكومة، وجميع ما يحدث ليس صدفة، لكن يمكن للبعض النظر إلى القضية من وجهة نظرهم الخاصة، على سبيل المثال لو كنت يهودياً يعيش في هذه الدولة، فستتأثر بما تنقله وسائل الإعلام الإسرائيلية، وبما تصرح به االحكومة الإسرائيلية، وستنظر إلى المسألة من وجهة نظر إسرائيلي.
لذا لا أرى أن جماعات الضغط يمكنها إنهاء المسألة بقولهم إن كلّ شيء على ما يرام، وإنّ جميع القضايا يمكن حلّها، فنحن نشاهد ما يحدث كل يوم، لكن ما تمّ إغفاله تقريباً خلال هذه المدة، ونحن نتحدث عن حرب الحضارات أو حرب المذاهب، وأنا أقول هذا للأجانب سواء لوسائل إعلامهم أو للقطاع الخاص، أقول إننا لا نواجه أيا من هاتين المعركتين، بل نحن أمام حرب للقِيَم، على سبيل المثال الجمهورية “الإسلامية” أو تنظيم الدولة، كلاهما ينظر إلى المسألة من وجهة نظره المذهبية، في حين أن وجه التشابه بينهما يكمن في مواجهة القيم الغربية من قبيل حقوق الإنسان، والمساواة بين الرجل والمرأة، والديمقراطية، وغيرها، وهو أمر يطغى على الاختلافات السائدة بينهما.
يذكر أن البعض حين يغفلون عن هذه القضية، ويعتقدون أن إيران يمكن أن تكون حليفتهم في مواجهة تنظيم الدولة، أقول لهم إنّ عرّاب هذا “العبء” هو النظام الإيراني نفسه، فكيف يمكن التحالف معه؟! كيف يمكن لنظام أسس للإرهاب أن يتحالف معكم؟ يجب توخي الدقة في مثل هذه المسائل، وتوضيحها بشكل كاف، وعندما تتضح الأمور سيدركون الأمر، وهذا يحتاج إلى توعية عميقة لوسائل الإعلام، وأن يُسمع هذا الكلام على أوسع المستويات.
برأيي، من هم مثلنا، أو دول المنطقة التي تتعجب من عدم الشفافية التي يواجهها الرأي العام هنا، أكثر ما يمكن أن يركزوا جهودهم حوله في الوقت الراهن هو أن يقوموا بتوضيح الأمور لوسائل الإعلام هنا، لكي تتمكن بدورها من نشر موقفنا بشكل أفضل، لأننا إن أردنا القيام بذلك من خلال الجامعات والمؤتمرات وغير ذلك، فستفوتنا الفرصة، لذا أرى أن الطريق الأسرع هو وسائل الإعلام.
التقارب مع الأميركان نتاج ضغوط وسماسرة لكنه لن يكتمل
نشاهد تقارباً بين إيران وحكومة أوباما، كيف تصف هذا التقارب سواء كان من جانب جون كيري أو من جانب أوباما نفسه، وما هو السبب وراء هذا التقارب؟
بعض جماعات الضغط التي أشرت إليها، إلى حد ما، لهم نفوذ وتأثير على بعض الأشخاص في الحكومة الحالية، لأنهم يعتقدون أنهم من خلال ذلك يمكنهم التقرب أكثر، كما أن هناك بعض “السماسرة” الذين يقولون إن باستطاعتهم تمهيد الطريق للدخول وإقامة العلاقات، على أي حال، الاتفاق الذي تمّ اتفاق لن يكتمل، لكن الموقف الرسمي للمجلس الوطني هو ترجيح وجود صفقة على عدم وجودها، والسبب هو أننا قلقون على بلادنا، فمن شأن هذه الصفقة على الأقل تأجيل المواجهة العسكرية المباشرة وحذفها من المعادلة، لكن هناك قضايا كثيرة لم يتم طرحها في هذا الاتفاق وليتها طُرحت، مثل ربط قضايا حقوق الإنسان وغيرها بملف الاتفاق النووي.
الحكومة الحالية كانت تريد بأي شكل كان أن تقول إنها هي من أبرمت الصفقة، أما التأخير الذي حدث في هذه المفاوضات فقد كان سببه النقاش حول تحديد المدة التي يحتاجها النظام من أجل صنع قنبلة نووية، المدة التي تحولت في نهاية الأمر من 3 أشهر إلى 12 شهراً.
كما أنني أسأل على لسان الشعب الإيراني السؤال الواضح التالي: أين ستنفق الأموال التي من المقرر أن يُفرج عنها؟ هل ستنفق على الشعب الإيراني؟ أم سينفقها النظام على مليشياته التي أوجدها حتى الآن بالنظر إلى ما يدور في سورية من أحداث؟! أريد أن أصل إلى هذه النقطة، لو فرضنا أن الأبواب فتحت، وأصبحت فرص الاستثمار مهيأة، لكن في نهاية الأمر سيدرك الجميع سواء الفريق الإصلاحي الذي يريد أن يتم هذا الاتفاق لمصلحة النظام لكي تلغى العقوبات ويطول عمر النظام، أو الغربيون، سيدركون أنّ الدخول إلى إيران ليس بالسهولة التي يتوقعون.
بالنظر إلى الأسعار الحالية للنفط، يجب على النظام أن يضع في حسبانه تكاليف كثيرة، وعدم وجود معايير دولية للاستثمار والتجارة في إيران سيصعب الأمر كثيراً، على سبيل المثال لو أرادت شركة ما أن تستثمر في إيران، يجب عليها أن تتقرب من رجل الدين الفلاني أو الثوري الفلاني أو المحافظ الفلاني، ممن هم من المقربين من النظام، ويجب عليها أن تقدم الرشاوى، عندها بماذا ستجيب المساهمين؟ وما الذي سيحصلون عليه مقابل ذهابهم إلى إيران؟ هذه حسابات ستؤخذ بعين الاعتبار، وأنا أعتقد بأن هناك تفاؤلا غير حقيقي في القضية.
نظام طهران قائم على الوحشية وارتكاب الجرائم الإنسانية
نشاهد اليوم ما يحدث في سورية من قتل وتدمير، الجميع يتهم إيران بدورها في قتل الشعب السوري، ما رأيكم بهذا؟
أقول، وأكرر ثانية، إن النظام الإيراني قائم على الوحشية وعدم الاستقرار وخلق الأزمات، وهو أمر من شأنه تعريض استقرار المنطقة للخطر، فعندما يجبر النظام جماعات من الناس على مغادرة بلادهم، هؤلاء المهاجرون سيشكلون ضغطاً كبيراً على الدول الأخرى، الأمر الذي يعد جريمة إنسانية، لو كان النظام الإيراني حريصاً ورحيماً بهذه الشعوب لما فعل ما فعل، جميع هذه القضايا مرجعها ماهية النظام، ولا شك أن هذه الأوضاع ستتغير بمجرد زوال هذا النظام.
برأيكم ما هو المستقبل؟ وكيف ترون مستقبل سورية؟
مستقبل سورية يرتبط على نحو ما بمستقبل النظام الإيراني، إنّ تغيير الأوضاع في إيران سيؤدي بالتأكيد إلى تغيير الأوضاع في سورية، لا يمكن أن يسود الاستقرار في المنطقة، ولا يمكن أن يحلّ الأمن في المنطقة، ولا يمكن أن تتوفر الأجواء المناسبة التي يحتاجها الناس لكسب عيشهم وتجارتهم في ظل نظام يهدد جيرانه، ويصدر أيديولوجيته، ويستخدم قوته العسكرية كاملة لقمع شعبه وشعوب الدول المجاورة.
لكن إن نجحنا في تمهيد الطريق في إيران لظهور الحريات ووصول حكومة على قدر المسؤولية، ورحيمة بالناس، فماذا ستكون النتيجة الفورية لذلك؟ سنتمكن من اصطياد عصفورين بحجر واحد، إذ سننهي المخاوف النووية، ونقطع جميع العلاقات بين #الجماعات_الإرهابية التي يدعمها النظام، ثم تتم السيطرة على جميع الأموال التي تُهدر هنا وهناك، وبعدها ستزول جميع الأخطار التي تهدد استقرار المنطقة، وسينتهي التدخل في شؤون الدول المجاورة، وأعتقد أن ذلك من مصلحتنا، ومن مصلحة جيراننا، فحينها يمكن لنا أن نسير في طريق تثبيت دعائم الأمن وإقامة سوق مشتركة.
لو تزايد أعداد المستثمرين الإيرانيين في العراق، أو العراقيين في السعودية، أو السعوديين في مصر أو المصريين في الأردن، عندها ستضغط شعوب المنطقة على حكوماتها من أجل إيجاد بيئة مناسبة للتنمية الاقتصادية، وبالتالي سيتغير الوضع تماماً، وستزول الخلافات السنية الشيعية.. علينا التعامل مع القضايا برؤية مشتركة، أليس للأوروبيين سوقاً مشتركة؟! لماذا لا يكون لدينا مثلها؟!
(الجزء الرابع)
يختم الأمير رضا محمد رضا بهلوي نجل الشاه الإيراني السابق حواره الذي امتد على 4 حلقات حديثه لـ”الوطن” بتأكيده على أن النظام الإيراني الحالي غير قابل للتعايش مع الآخرين، وأنه مؤمن بأن وجوده مرتبط بزوال الآخر.
وطالب بهلوي دول المنطقة بتفهم الظروف التي يعيشها الشعب الإيراني الذي يرى أنه لا يعادي شعوبها، وأن العداء فقط مكمنه ومصدره النظام، وبزوال هذا النظام ستنتهي كل مشكلات المنطقة أو معظمها.
وطالب بهلوي دول المنطقة بمساعدة الإيرانيين على التخلص من نظام ولاية الفقيه ليس عبر التدخل العسكري، موضحا أن هذا النظام الذي يطلق على نفسه اسم “الإسلامي” هو العائق أمام تطوّر المنطقة، وإذا تحقق زواله ستُفتح الأبواب أمام الجميع، وستُستأنف العلاقات الحسنة مع دول الجوار خاصة دول الخليج، ودول العالم الأخرى.
مشكلة النظام الإيراني هي قناعته بأن بقاءه يتطلب زوال الآخرين
عندما أوقفت المملكة العربية السعودية مساعداتها بقيمة ثلاثة مليارات دولار للجيش اللبناني وأجهزة الأمن اللبنانية، أدى ذلك إلى توتر بالعلاقات بين البلدين، وبالنظر إلى وجود حزب الله سيكون هذا التوتر لصالح النظام الإيراني، ما رأيكم بهذه المسألة؟
ما تقوله صحيح بالكامل يمكنني أن أؤيد كلامك بأن ما ذكرته من أمثلة، هي ضمن المخططات الاستراتيجية للنظام الإيراني التي ينوي من خلالها أن يوجد لنفسه هيمنة إقليمية والآن سواء رضينا أم لا، هناك أربع عواصم في الشرق الأوسط يسيطر عليها النظام الإيراني، وبوجود مثل هذا الدافع، أي الطممع بالتوسع، فقط يمكن للنظام البقاء على قيد الحياة، وهي نقطة مهمة جدا أريد من الجميع فهمها، خاصة الغربيين، لأنها تقريبا واضحة بالنسبة لشعوب منطقتنا.
عندما بدأ النظام الإيراني مواجهته للسعودية منذ اليوم الأول، لم ترغب الحكومة السعودية آنذاك بالمقابلة بالمثل، حتى لا يشتعل الموقف بلا سبب، وكانت حركة الحجاج مستمرة، وحدث ما حدث خلال هذه المدة، لكن لم يعد اليوم للصداقة وجود، ولم يعد هناك أي مجاملات، يجب على العالم من حولنا أن يعي ما أريد قوله الآن، مهما قدّمتم للنظام الإيراني من ضمانات سياسية تؤكد بقاءه، فلن يترككم وشأنكم، أتعلمون لماذا؟ هناك توضيح أسعى دائما إلى إيصاله إلى الغربيين، وربما يكون مناسبا لقرائكم، عندما كانت الحرب الباردة دائرة، كان هناك معسكران هما: المعسكر الشرقي المتمثل في الاتحاد السوفييتي بأفكاره الاشتراكية الشيوعية الماركسية ونظرته الشمولية الكوسموبولوتية، والمعسكر الغربي المتمثل بأميركا وأوروبا وأفكارهم التي تبنوها مثل الاقتصاد الحر، والرأسمالية، والمجالس الديمقراطية، وحقوق الإنسان، وغير ذلك، لكن شاهدنا كيف أن هاتين المجموعتين المتعارضتين، استطاعتا أن تتعايشا في أجواء مشتركة، حتى أنهما وقعا اتفاقيات عسكرية فيما بينهما، مع أنهما أعداء بالكامل.
المشكلة التي نواجهها مع نظام كالنظام الإيراني الموجود حاليا، هو أنه لا يمكنه التعايش مع العالم، أي أنه يعتقد بأن بقاءه رهن زوال الطرف الآخر، وأنه يمكن له البقاء فيما لو حطم الآخر وقيمه، إن خاطبت أميركا أو أوروبا النظام الإيراني قائلة بأننا لا شأن لنا بك، يمكنك البقاء كما أنت، لا تتدخل في شؤوننا ولن نتدخل في شؤونك، الجواب من قِبل النظام الإيراني سيكون بالرفض، وأنه لا يمكن له ألا أن يتدخل في شؤون الآخرين، أنسينا كيف أن الغربيين قبلوا بتقديم التنازلات للنظام الإيراني، يفوق ما اكتسبه اليوم، لكنه رفض، أعلن صدام عام 1982 أنه سيدفع خسارة الحرب لإيران، وأعلنت الأمم المتحدة ذلك لكن الخميني رفض وقال: كلا، يجب على الحرب أن تستمر، إنّ الطريق إلى القدس يمرّ من كربلاء! ماذا يعني ذلك؟
يعني أن هدفنا على المدى البعيد السيطرة على العالم وإخضاعه للنظام الإيراني، على الجميع أن يعلم أن هذا النظام لا يعمل لإيران، ولا لمصلحة شعبه، النظام يعتقد بأنه كلما ازداد وضع الناس سوءا، وكلما اتسعت رقعة الفقر، فذلك أفضل له، لأن ذلك يساعدهم في السيطرة على الشعب، إنّ النظام الإيراني على استعداد لدفع أي تكاليف للوصول إلى هدفه “المقدّس”، وفي هذه الأثناء فجميع النقاشات الدائرة مثل الإصلاحيين والتيارات الإصلاحية وغير ذلك، هي برأيي فقط للبهرجة السياسية لا غير، إنها نوع من التقية أوجدها النظام نفسه، برأيي لو كان هذا النظام يتمتع بالشرعية بعد مرور 37 عاما، لما احتفظ بكل هذه الأعداد من السجناء السياسيين في سجونه، ولما أعدم رجالاته.
لو كان يهدف إلى تحسين أوضاع الدولة، لماذا تواجه قضية الاستثمار أزمة في إيران؟! والدليل على هذه الأوضاع واضح، السبب هو أن الهدف النهائي للنظام شيء آخر، وهو يستخدم جميع الأدوات لتحقيق ذلك، وجميع ما ذكرتموه من أمثلة سواء حزب الله أو لبنان أو سورية أو اليمن، كلها مرتبطة بذلك الدّافع، لذا طالما النظام الإيراني الحالي موجود سيبقى الشعب الإيراني في بؤس، وسيبقى العالم في قلق.
لذلك أعتقد أن جميع هذه الألاعيب التي يقوم بها النظام في المنطقة لم تكن مصادفة، بل بناء على تخطيط مسبق، وكلها تقوم على استراتيجية بعيدة المدى، ونحن نرى الآن أين يوجه النظام قدراته المادية كلما سنحت له الفرصة! سيكون جديرا بالاهتمام مشاهدة ردة فعل النظام إزاء استكمال رفع العقوبات وتحرير الأموال المحتجزة، فهل ستنفق هذه الأموال على الشعب، وهي الوعود الكاذبة التي تطلقها الحكومة الحالية؟ أم هل ستتوجه إلى سورية وغيرها؟!
النظام وليس الشعب الإيراني يعادي شعوب المنطقة
كيف وصل إليكم خبر الهجوم على سفارة المملكة العربية السعودية وقنصليتها في مشهد؟
وصل إلينا فور حدوثه، وقد وصلتنا الأخبار والصور بعد مرور نصف ساعة على الحادث، مثل هذه الأمور تنتقل بسرعة، كل ما يحدث يصل إلينا في غضون 4 ساعات كحد أقصى، خاصة إذا كان داخل إيران، المعلومات تصل بسرعة.
ما رأيك في الهجوم على السفارة؟
للأسف ظهرت هذه التوترات في وقت مبكّر، وقد تفاقمت بسبب التدخل الإيراني في اليمن وغيرها، والتهديدات التي واجهتها السعودية، ليس فقط السعودية هي من تواجه مثل هذه التهديدات، فإيران تمارس أعمالها التخريبية في #البحرين وغيرها، وأنا أستطيع أن أتفهم أن دول المنطقة في نهاية الأمر ستُجبر على التدخّل، ولن تكتفي بالتفرّج، لذا أعتقد بأن مطالبنا التي ترمي إلى تحرير بلدنا من أجل تحقيق مصالحه الأمنية والاستراتيجية ومطالب دول المنطقة متشابهة، لذا أرى أن الوقت حان من أجل إجراء مشاورات لنتمكن من التنسيق فيما بيننا فيما يخص الأحداث في المنطقة، فلدينا عدو مشترك اسمه “النظام الإيراني”.
الشعب الإيراني لا يعادي أي شعب آخر، لذا إن تمكن من التحرر من براثن النظام، سنرى أن جميع العداءات والأحقاد التي أوجدها النظام ستزول بزواله، وسترون أن الشعب الإيراني يبحث عن أمور أخرى، وسيعلن أن هدفه هو الخروج من حالة الفقر والبؤس، وأن يساعد أبناءه من أجل إكمال دراستهم، وأن يسهم في القضاء على البطالة، وأن يجلب الاستثمارات الخارجية إلى بلده. إيران ليست بلدا فقيرا، لدينا مصادر طبيعية متنوعة، بلدنا غني من حيث الطاقة البديلة، كالطاقة الشمسية مثلا، وكذلك من حيث قدراته السياحية، لا حدود للاستثمارات التي يمكن أن تتم فيه، ولما يمكن أن يصل إليه هذا البلد من تطور وتقدم، والشعب يدرك أن هذا النظام الذي يطلق على نفسه اسم “الإسلامي” هو العائق أمام التطوّر، وإذا تحقق زوال هذا النظام ستُفتح الأبواب أمام الجميع، وستُستأنف العلاقات الحسنة مع دول الجوار خاصة دول الخليج، ودول العالم الأخرى.
العلاقات السعودية الإيرانية اليوم مقطوعة، وكذلك العلاقات البحرينية مع إيران، كما قامت بعض الدول باستدعاء سفرائها من طهران، والتوترات تتصاعد يوما بعد يوم، هل تعتقد بأنه، لا سمح الله، ستقع حرب بين إيران ودول المنطقة؟
أتمنى ألا يصل الأمر إلى ذلك الحد، ولذا يجب تقديم المساعدة سريعا ليتمكن الشعب الإيراني من التخلص من النظام بنفسه، فنحن لا نسعى أن تتدخل قوة خارجية، وأن تقوم بحرب من أجل إسقاط النظام، نعتقد أن الطريق الأسرع لذلك هو المساعدة المباشرة للشعب الإيراني، والدعم من قبل جميع الدول، ما سيمكن الشعب من الضغط على النظام في الداخل، وفي النتيجة زواله.
في البداية قلت أنني للأسف لا أستطيع الوقوف إلى جانب أي حركة ستؤدي إلى الحرب، ولا بدّ لي أن أقف ضدّها، كما أنني قلت بأن أحد عوامل التغيير المهمة هي القوات المسلحة الموجودة في الداخل، ومن هم أمثالنا ممن يريدون التخلص من شر النظام، إن تبيّن في هذه المعادلة أن القضية تتجه نحو التأزم، وأن هناك احتمالا لتدخل عسكري خارجي، عندها يجب علينا أن نعلن موت الديمقراطية في إيران.
للأسف منطقتنا تتجه نحو حرب عالمية ثالثة، أما السؤال عن الدور الذي ستلعبه الولايات المتحدة الأميركية وروسيا في هذه الحرب فليس مكانه هنا، لكن ما هو مؤكد أن المنطقة ستواجه وضعا متأزما للغاية، حتى لا نصل إلى تلك المرحلة يجب القيام بشيء ما منذ الآن، والطريق الأسرع كما ذكرت، هو تقديم المساعدة الحقيقية والجادة لمعارضي النظام في داخل الدولة، فلدينا جيش قوي في إيران، وهو الشعب الإيراني نفسه، لذا لا حاجة لتدخل خارجي.
وما هو مهم كذلك، وما آمل أن يدركه المسؤولون في السعودية والإمارات والبحرين والكويت ودول المنطقة الأخرى، هو أن الشعب الإيراني مفصول عن النظام، نحن إن كنا في صراع فهو مع النظام وليس مع الشعب، وتوضيح هذه النقطة برأيي سيكون له تأثير كبير ومهم، وأعتقد أنه تم الحديث بشكل كاف عن هذه النقطة، فالنظام يقوم بدعاية مناهضة للعرب ودول المنطقة، والبعض وقعوا تحت تأثير الشعارات القومية، وأخذوا يبدلون الخلاف إلى خلاف قومي ومذهبي.
الطريق الأمثل لإفشال هذه الدعاية هو تركيز السعودية على أنه لا خلاف مع الشعب الإيراني، مشكلتنا مع النظام الذي يهددنا، والمشكلة التي تواجه الشعب الإيراني تواجهنا أيضا، نحن لسنا على خلاف معكم. عندها سنرى أن النظام لن يحصل على نتيجة من عملية غسل الأدمغة ودعايته المناهضة للدول الأخرى، ولن يصل الأمر إلى حد التعبئة لحرب حقيقية، أنا بدوري سعيت دائما إلى أن أشرح للشعب الإيراني بأنه يجب علينا كما في السابق، الحفاظ على العلاقات الحسنة مع جيراننا، قبل الثورة لم تكن لدينا أي مشكلة لكن اليوم وبناء على السؤال الذي طرحتموه، يجب علينا مقاومة هذه الدعاية التي يبثها النظام، وعملية غسل الأدمغة التي يقوم بها، وأن يبادر أصدقاؤنا بتوضيح أن المشكلة ليست مع الشعب وإنما مع النظام.
لقد كتبت مقالا يتعلق بهذا الموضوع، وعنوانه “رسالة من مواطن عربي إلى الشعب الإيراني”، وتحدثت فيه عن علاقاتنا الحسنة مع الشعب الإيراني، كما ذكرت أننا لا نواجه أي مشكلة مع الشعب الإيراني، وأتمنى أن تعود هذه العلاقات، فإيران دولة جارة لنا؟.
أنا لا أخص في هذه القضية رجالات وأصحاب القرار في هذه الدول، فالقطاع المدني لهذه الدول، والجامعات، والقطاع الخاص، والشعوب نفسها يجب عليهم التأكيد على هذه النقطة، أن تكررها وسائل إعلامهم، وأن يوسعوا هذا المفهوم، أن تتحد شعوب المنطقة ورجالات السياسة فيها مع الشعب الإيراني، وأن يؤكدوا جميعا على هذه القضية وهي أن مشكلتنا ليست بين الشعوب، وإنما النظام الذي مهّد الطريق لهذا التصادم، وهو أمر مهم للغاية.
العمل المشترك سبيل إنقاذ المنطقة من أزماتها
سؤالي الأخير، كيف ترى مستقبل علاقات إيران مع دول الجوار دون نظام ولاية الفقيه؟
ستختلف تماما عما هي عليه الآن، وستصبح أفضل مما كانت سابقا، ومرة أخرى أجلب انتباه أصدقائنا إلى ما يمكن أن يكون عليه مستقبل المنطقة خلال الـ30 أو الـ40 عاما المقبلة، سنواجه مشكلات عملية، وسيؤدي ذلك إلى اشتداد الأزمة في المنطقة، وسنواجه أزمة مياه، وهي من مشكلات المنطقة الأساسية، ابتداء من المغرب حتى الباكستان وجميع الدول الواقعة في هذا النطاق، أزمة المياه ليست أزمة بسيطة، فعدد السكان يزداد يوما بعد يوم، لو كان من المقرر حدوث حرب في القرن الـ21، فستكون بسبب الماء وليس النفط. لذا علينا منذ الآن التخطيط في مجال الصناعات الحديثة كالطاقة وغيرها، وهذا يتطلب تكنولوجيا جديدة للاستثمار والتنمية، وإن قمنا بهذا العمل بشكل جماعي، فسنتقدم بشكل أسرع، يمكن لسوق مشتركة ولتعاون إقليمي استراتيجي في شتى المجالات أن يساعد كثيرا، فقليل من الميزانية التي تُخصص للجيوش بإمكانها أن تعطي نتائج كبيرة في مجالات أخرى مثل التعاون الاستراتيجي، الجامعات، المستشفيات، والتنمية الاجتماعية في جميع دول المنطقة.
إن عدد سكان السعودية اليوم إن لم أخطئ، وصل إلى 30 مليون نسمة، وهو عدد ليس بالقليل، يجب علينا أخذ جميع هذه الأمور بعين الاعتبار، إذن فعلاقات استراتيجية حسنة، لا يكون الدافع وراءها فقط أمنيا أو اقتصاديا، بل يمكن له أن يكون في جميع المجالات التي تحتاجها الدول، يمكن لها أن تفتح الأبواب، وتقوي العلاقات بين الدول.
نحن، وأقصد من وجهة نظر إنسانية، لدينا مثل هذه القدرات، لكن الأمر يحتاج إلى اتخاذ قرار حازم، لقد وقفنا اليوم على مفترق طرق، إما أن نكون فقط متفرّجين، ونسمح بأن يتطور الأمر إلى حرب عالمية ثالثة، وللأسف يمكن القول إنها على وشك البدء بشكل غير رسمي، أو أن نعلن موقفنا بشكل صريح، فلو مضينا في الوضع الذي نحن عليه أكثر من هذا، سيدفع الجميع الثمن باهظا، يجب علينا أن نبدأ العمل وأن نحل المسألة من أساسها.
برأيي، إن النظام الإيراني هو السبب الرئيس وراء الأزمة في المنطقة، وبزواله ستزول 90% من مشكلات المنطقة الحالية، ويجب على بعض الدول وخاصة روسيا التي تمسك بخيوط لعبة طهران – دمشق، تحديد ما التوجه الذي ستتخذه على المدى البعيد. كلما كنا نحن دول المنطقة متحدين في الرأي أكثر، فإن فرصة ظهور أي توتر أو حتى حرب ستكون أقل، المهم أن تتسع رقعة هذا الحوار مع جيراننا ومع دول المنطقة على نطاق أوسع، وأن نوضح لهم ما هي رؤيتنا، وإلى أين نريد الوصول، وأن نفهم بعضنا البعض بشكل أفضل، وأن ننقل وجهة نظرنا هذه إلى أبناء وطننا، سواء من خلال وسائلنا التي نمتلكها، أو من خلال وسائل هذه الدول، والقيام بهذا الأمر فورا هو برأيي أمر حياتي، وسيكون له بالغ الأثر، لا أشك في أن هذه الأزمة ستزول بمحض أن نحرر بلدنا، عندها سيحل الأمن والاستقرار والتقدم، فكل شيء رهن وجود هذه الأمور، كما آمل أن يفكر أصدقاؤنا في المنطقة مثلنا، وأن يقدموا مساعداتهم من أجل ذلك.
على أمل أن نرى ذلك اليوم، ما كلمتكم الأخيرة في نهاية هذا الحوار؟
أتمنى أن تدرك شعوب المنطقة، وليس أصحاب القرار فيها فقط، أننا يجب أن نتعامل مع القضايا بشكل استباقي، ويجب أن يكون لنا تأثيرنا في مجريات الأحداث، وألا ننتظر حتى نرى ما سيحدث، وهذا المطلب يجب أن يكون مطلبا جماعيا، أنا لا أنظر إلى القضية من زاوية إيران، كإيراني، لكنني أفكر في العراق، وسورية، وباكستان، والسعودية، ومصر، أفكر بالجميع، وأتمنى أن ينظر المصري والعراقي والسعودي إلى القضية مثلما أنظر، ففي النهاية مصيرنا نحن الذين نعيش في المنطقة مُشترك، بعبارة أوضح، إن كان وضعكم سيء سيصبح وضعنا كذلك سيء، وإن كان جيدا فوضعنا سيكون كذلك، لذلك أرى أن من الضروري أن نتحدث وأن نتشاور مع بعضنا على نطاق أوسع، وأن نتقدم في ذلك، لحسن الحظ وسائل التواصل في عالمنا اليوم مهيأة، ويمكن لهذا الأمر أن يكون بداية لنتقدم في هذا الطريق.
نقلا عن العربية نت