وما الفوائد إلا ثمن تخلي من يملكون المال السائل عن مالهم، لفترة من الفترات، وقد تكون الفترة لمدة ساعات، كما يحدث كثيراً حينما تقترض إحدى المنشآت المالية الكبرى من منشأة مالية أخرى في لندن ونيويورك أو زيوريخ وفرانكفورت. وأحياناً لا يتم ذكر الفوائد مباشرة، كأن يقول مصرف لبنك مركزي: أقرضني حالياً من دون مقابل وسأودع لديك نفس مبلغ قرضي أو أكثر من مبلغه من دون مقابل في المستقبل. فالمقابل أو الفائدة موجودة ضمناً. فلا توجد منشأة مالية تقرض من دون مقابل بطريقة من الطرق.
والفوائد، في نهاية المطاف، هي أثمان، أو أسعار، تخلي صاحب مال، عن استخدامه هو بذاته، لماله لفترة محددة. وهذا هو أيضاً معنى الأسعار عموماً. فسعر سلعة أو خدمة هو ما يتخلى عنه المشتري من أشياء أخرى نقدية أو معنوية للحصول عليها.
ولا علاقة لوجود الأسعار بكافة أنواعها بما فيها الفوائد والإيجارات والأجور بوجود النقد بحد ذاته. وقد عاشت البشرية آلاف السنين وأهم وسائل التعامل من طريق تبادل السلع والخدمات. بل إنني ممن أدركوا وقت كان المزارعون يعملون عند أرباب المزارع، مقابل إطعامهم، أو منحهم كمية صغيرة من المحصول.
ونعود إلى السؤال عن كيفية رفع أو خفض الفوائد. وللإيضاح نأخذ ما يحدث في نيويورك أو لندن أو فرانكفورت أو زيوريخ أو طوكيو.
فالبنوك المركزية تلزم المصارف التجارية التي يودع الناس فيها أموالهم بالاحتفاظ بنسبة من مبلغ مجموع الإيداعات تسمى «الاحتياطي» ليس من المصرح لها إقراضه. وعادة يتم إيداع هذا الاحتياطي لدى البنوك المركزية (وبالطبع بمقابل، أي تحصل البنوك المودعة لأموال لدى المركزي على عمولة أو فائدة).
وكثيراً ما تحتاج المصارف إلى سيولة إضافية لأسباب استثمارية أو لأسباب أخرى كالالتزام بحفظ الاحتياطي الملزمة بالاحتفاظ به، فمن أين تقترض؟
إذا كانت الحاجة، لمدة ساعات، أو أيام، فربما يقترض مصرف محتاج إلى سيولة إضافية من مصرف آخر، لديه فائض موقت، ويحصل على فوائد أعلى مما يحصل عليه لو أنه أودع فائضه في المركزي. ولكن الحاجة إلى سيولة إضافية تكون في أغلب الأحيان لمدة أطول. والمصدر الأهم والأرخص عادة، هو الاقتراض من المركزي. والبنك المركزي الأميركي، على سبيل المثال، والذي يسمونه في أميركا «بنك الاحتياط الفيديرالي» بدوره يفرض مستوى معيناً أو فائدة لا بد أن يدفعها له جميع من يقترضون منه.
وإذا قرر المركزي الأميركي رفع مستوى الفائدة لسبب من الأسباب، وفق ما يرجحه أعضاء مجلس إدارته، فإن كل ما يعمله أنه يرفع سعر الاقتراض منه، أي يرفع مستوى الفائدة، ببساطة وبطريقة مباشرة. ويحدث العكس حينما يكون القرار خفض مستوى الفائدة، بمنح القروض بفوائد أقل أو بتكاليف أقل بالنسبة إلى المقترضين. ومستوى الفوائد الذي يعلنه المركزي يسمونه «معدل الخصم أو الحسم».
ويعود سبب اهتمام كل متابع في العالم أجمع إلى إمكانية رفع أو خفض مستوى الفوائد في أميركا، إلى أن الدولار الأميركي هو عملة الاحتياط بالنسبة إلى معظم بنوك العالم المركزية، بالإضافة إلى أن الدولار الأميركي هو العملة الأهم في التجارة الدولية. وكل من يستخدم بطاقة ائتمان، أو يستخدم شيئاً تم تمويل شرائه بالاقتراض، أو شيئاً هو يشتريه بالتقسيط، يتأثر، بعد «ما يركد الرمي»، كما يقول عرب وسط الجزيرة العربية، بطرق شتى، إيجاباً أو سلباً حينما يغير المركزي الأميركي مستوى الفوائد التي يفرضها على القطاع المصرفي الموجود داخل الحدود الأميركية.
وهناك وسيلة أخرى غير مباشرة، كثيراً ما ينفذها المركزي الأميركي، لرفع أو خفض مستوى الفوائد.
فإذا كان المراد خفض مستوى الفوائد، يشتري المركزي السندات أو الصكوك، التي يباع منها ويشترى في الأسواق المالية الكبرى آلاف البلايين يومياً، ويعوض من يشتري منهم نقداً يصدر ما يكفي من الدولارات بقيمة ما اشتراه المركزي من السندات أو الصكوك. وبذلك ترتفع كمية أو (كتلة) السيولة المتداولة، ويتبع ذلك تدني مستويات استئجار المال السائل، أي الفوائد، أو تكاليف الاقتراض. فزيادة المعروض من النقد المتداول تماثل زيادة المعروض من العقارات المعدة للإيجار.
وإذا كان الهدف رفع مستوى الفوائد، فإن المركزي يفعل العكس فيبيع الصكوك أو السندات، وذلك يؤدي إلى خفض مستوى السيولة المتداولة، وارتفاع تكاليف اقتراضها، أي ارتفاع مستويات الفوائد.