على الرغم من تعدد الأطروحات حول التأثير الطاغي لجماعات الضغط الموالية لإسرائيل داخل الولايات المتحدة الأمريكية، لم تحظ جماعات الضغط العربية بالقدر ذاته من الاهتمام الأكاديمي، وهو ما قد يرجع إلي تفاوت تأثيرها في السياسة الأمريكية، وعدم امتلاكها قواعد جماهيرية متماسكة داعمة لنفوذها. وفي هذا الصدد، يمكن عدّ كتاب دانيا قليلات الخطيب، المعنون “اللوبي العربي والولايات المتحدة: عوامل النجاح والفشل”، الصادر هذا العام (2016)، إحدي أهم الأطروحات البحثية التي تناولت أسباب افتقاد اللوبي العربي فاعلية التأثير في السياسة الأمريكية بالمقارنة بجماعات الضغط الأعلى الناشطة داخل الولايات المتحدة الأمريكية.
الجدل الأكاديمي حول تأثير اللوبي العربي:
أضحت جماعات الضغط العربية مثار جدل واسع النطاق داخل الولايات المتحدة الأمريكية في الآونة الأخيرة مع التوسع في أدوار الهيئات والجمعيات التي تعبر عن مصالح الجاليات العربية في الولايات المتحدة، على غرار الرابطة الوطنية للعرب الأمريكيين، وشبكة الأمريكيين العرب، ومعهد الأمريكيين العرب، وجمعية خريجي الجامعات العربية الأمريكية، واللجنة العربية الأمريكية لمناهضة التمييز، خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، التي فرضت على الأمريكيين من أصول عربية وإسلامية ضرورة الدفاع عن مصالحهم في مواجهة الضغوط المتصاعدة سياسيا ومجتمعيا.
وفي هذا الإطار، تعددت الكتابات التي تناولت جماعات الضغط العربية، والتي تصدرتها دراسة يوسي شاهين في عام 1996 بعنوان “العرب الأمريكيون في مفترق الطرق”. وقد تناولت الدراسة الانقسام في صفوف الجاليات العربية داخل الولايات المتحدة، عقب الغزو العراقي للكويت عام 1991، وافتقاد مؤسسات وهيئات فاعلة في التأثير في السياسة الأمريكية لانقطاع الدعم المالي الخليجي للهيئات العربية في الولايات المتحدة الأمريكية، نتيجة رفض بعض هذه المؤسسات للتدخل العسكري الدولي في مواجهة الاحتلال العراقي للكويت.
على مستوى آخر، تناول كتاب “اللوبي العربي والسياسة الخارجية الأمريكية: حل الدولتين” للكاتب خليل مرار، الذي نشر في عام 2009، تأثير الهيئات والجمعيات العربية سالفة الذكر في السياسة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية، حيث أكد الكاتب أن جماعات الضغط العربية زادت من أنشطتها بعد أحداث 11 سبتمبر لمواجهة حملات وصمها بالإرهاب، والتضييق على تمويلها، وأنشطتها. فعلى سبيل المثال، نظمت الرابطة الوطنية للعرب الأمريكيين، والمعهد العربي الأمريكي حملات لإقناع الرأي العام الأمريكي بأن الإرهاب ينبع من عدم تسوية الصراع العربي – الإسرائيلي، وعدم الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
وعلى الرغم من تمكنهم من التأثير في سياسة إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش، وتبنيه حل الدولتين كصيغة لتسوية القضية الفلسطينية في عام 2003، والمؤشرات المتعددة على اهتمام الإدارة الأمريكية بتسوية القضية الفلسطينية آنذاك، فإن جماعات الضغط العربية لم تتمكن من تدعيم تأثيرها بسبب عوامل الضعف الهيكلية التي تحد من قدراتها الضاغطة، مثل: الانقسام المؤسسي، وعدم التوافق الأيديولوجي بين الهيئات والمؤسسات التي يتم تصنيفها في إطار اللوبي العربي، وعدم وجود استراتيجية موحدة لحملات الضغط، فضلا عن ضعف التمويل وافتقاد التأثير في الحملات الانتخابية لمرشحي الكونجرس والرئاسة الأمريكية.
في المقابل، يروج كتاب مايكل بارد المعنون “اللوبي العربي: التحالف الخفي الذي يهدد المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط”، والصادر في ديسمبر 2011، لمقولات جماعات الضغط الإسرائيلية في الولايات المتحدة حول وجود تأثير متصاعد لجماعات الضغط العربية، يتعارض -على حد تعبيره- مع المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، حيث أشار الكاتب إلي أن نشأة اللوبي العربي في الولايات المتحدة ارتبطت بالدفاع عن القضية الفلسطينية، والضغط على المؤسسات المدافعة عن إسرائيل في الولايات المتحدة. إلا أن مؤسسات اللوبي العربي تحولت في مراحل لاحقة للدفاع عن مصالح دول الخليج العربي، مثل السعودية، وتمرير صفقات تسلح نوعية تؤدي لاختلال توازن القوي في الشرق الأوسط، مستغلة الفوائض النفطية في تمويل جماعات الضغط. وتضمنت انتقادات “بارد” للوبي العربي اتهامات بالتطرف، ومعاداة السامية، والعداء لليهود داخل الولايات المتحدة.
وتكاد تنطبق مقولة ستيفن والت في مقاله بدورية السياسة الخارجية في ديسمبر 2010 على أطروحة “مايكل بارد”، حينما أشار إلي أن “اللوبي الإسرائيلي داخل الولايات المتحدة يحاول إضفاء طابع خرافي على تأثير جماعات الضغط العربية لتبرير ضغوطه على الإدارات الأمريكية المتعاقبة”، مؤكدا أن اللوبي العربي لم يتمكن من تقليص المساعدات الأمريكية لإسرائيل، أو دفع الولايات المتحدة للضغط على إسرائيل لتجميد الاستيطان، أو تقديم تنازلات جدية تمثل تحولا في مسار عملية التسوية. وهو ما يعني ضمنا أن دوره غير مؤثر في السياسة الأمريكية بالشكل الذي يصوره الكاتب.
أسباب إخفاق اللوبي العربي داخل الولايات المتحدة:
يبدأ كتاب دانيا الخطيب من تساؤل جوهري، مفاده: لماذا أخفق اللوبي العربي في الولايات المتحدة بالمقارنة بجماعات الضغط الأعلى الأكثر تأثيرا في السياسة الأمريكية؟ واعتمدت الباحثة في هذا الصدد على مقابلات متعددة استمرت خلال الفترة بين عامي 2012 و2013، وتضمنت مشاركة عدد من الناشطين في جماعات الضغط العربية، والأكاديميين، والصحفيين العرب الأمريكيين، إلا أنها ركزت تحديدا على اللوبي الداعم لمصالح دول الخليج العربي في الولايات المتحدة الأمريكية. وتوصلت الدراسة إلي أن محدودية تأثير هذا اللوبي ترتبط بعدة عوامل، يتمثل أهمها فيما يأتي:
أولا- ضعف القواعد الشعبية:
فعلى الرغم من ضخ موارد مالية ضخمة في أنشطة جماعات الضغط الداعمة لمصالح دول الخليج العربي، فإن هذه الجماعات تفتقد وجود قواعد شعبية داعمة لنشاطها داخل الولايات المتحدة، نتيجة الانفصال بين جماعات الضغط العربية والجاليات العربية بالولايات المتحدة، بالمقارنة باللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة الذي يستند لدعم الجاليات اليهودية بالولايات المتحدة، ويعبر عن مصالحها.
ويرتبط ذلك بتفكك روابط الهوية والانتماء التي تربط الجاليات العربية بجماعات الضغط المختلفة التي لا تعبر سوي عن المنتمين لهذه الجاليات، بالإضافة إلي ضعف مستويات رأس المال الاجتماعي الذي يربط الجاليات العربية بجماعات الضغط، إذ لا تقدم هذه الجماعات أي خدمات اجتماعية واقتصادية للجاليات العربية، وهو ما يؤدي لعدم تمتعها بالدعم الجماهيري اللازم لتعزيز تأثيرها في السياسة الأمريكية، فضلا عن وجود صراعات بين المؤسسات والهيئات العربية في الولايات المتحدة، وتنازعها على تمثيل الجاليات العربية، مما يزيد من افتقادها المصداقية.
ثانيا – إغفال الارتباط بالمصالح الداخلية الأمريكية:
تركز جماعات الضغط العربية على قضايا السياسة الخارجية الأمريكية، مثل القضية الفلسطينية، وصفقات التسلح، والسياسة الخارجية الأمريكية تجاه الدول العربية. إلا أن فاعلية جماعات الضغط لتحقيق المصالح العربية في هذه القضايا ترتبط بتحويلها لمصالح داخلية أمريكية تهم الموطن الأمريكي. حيث إن تمكن المملكة العربية السعودية من تمرير صفقة طائرات الأواكس بين عامي 1978 و1980 ارتبط بتواصل الأمير بندر بن سلطان مع النقابات العمالية في الشركات المصنعة لهذه الطائرات، والتركيز على الفوائد التي ستعود عليها من الصفقة، وهو النهج الذي تتبعه مؤسسات اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة عندما تروج لسياسات داعمة للمصالح الإسرائيلية.
وفي السياق ذاته، يرتبط ضعف تأثير جماعات الضغط العربية المدافعة عن مصالح دول الخليج العربي بتركيزها على التأثير المحدود في مراكز صنع القرار، خاصة الإدارة الأمريكية، وإغفال التأثير في الرأي العام الأمريكي، ووسائل الإعلام، ومراكز الفكر والرأي، والكونجرس الأمريكي، حيث إن التعددية التي تتسم بها عملية صنع القرار الأمريكي تتطلب مراجعة سياسات الضغط المركزية التي تتبعها هذه الجماعات.
ثالثا – افتقاد استراتيجية شاملة:
تتسم أغلب جهود جماعات الضغط العربية بالطابع التكتيكي المؤقت الذي يركز على قضية واحدة، أو تحقيق مصلحة بعينها دون وجود استراتيجية شاملة لإدارة حملات الضغط بصورة مستدامة لتحقيق المصالح العربية بصورة مستمرة. ولا ينفصل ذلك عن غياب التنسيق فيما بين جماعات الضغط العربية التابعة لدول مختلفة، وتضارب جهودها، وتعارضها، مما يضعف من تأثيرها. كما يؤدي افتقاد نهج جماعي في التفاوض إلي ضعف إدراك صناع القرار الأمريكيين للمصالح العربية التي تدافع عنها هذه الجماعات، وتوصيات السياسات التي ترغب في تمريرها لتحقيق هذه المصالح.
رابعا – غياب الرواية الداعمة:
يفتقد اللوبي العربي داخل الولايات المتحدة الأمريكية رواية واسعة الانتشار تدعم دور جماعات الضغط، وتروج لصورة إيجابية عن العرب في الولايات المتحدة، والارتباط الوثيق بين الرؤي والسياسات التي تروج لها جماعات الضغط العربية والمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط. في المقابل، تمكنت مؤسسات اللوبي الإسرائيلي من الترويج لرواية واسعة الانتشار حول أن إسرائيل هي “الدولة الديمقراطية الليبرالية الوحيدة في الشرق الأوسط التي ترعي المصالح الأمريكية في المنطقة، وتواجه النيات العدائية من دول الجوار” وفق الرواية الإسرائيلية. ويرتبط ذلك بحملات إعلامية ضخمة تنظمها مؤسسات اللوبي الإسرائيلي التي تدعمها المجتمعات اليهودية في الولايات المتحدة ماليا ولوجيستيا.
كما تواجه جماعات الضغط العربية عوامل ضاغطة، مثل: الصور النمطية السلبية عن العرب والمسلمين السائدة في الولايات المتحدة، والحملات الإعلامية والسياسية العدائية التي تصاعدت بقوة منذ أحداث 11 سبتمبر، بالتوازي مع ضعف الحملات الإعلامية العربية في الولايات المتحدة، وعدم قدرتها على التصدي للصور السلبية المنتشرة في المجتمع الأمريكي، لأنها لا تركز على الاستثمار في وسائل الإعلام والمراكز البحثية التي يمكنها الترويج للرؤي والسياسات الداعمة لمصالحها.
خامسا – أزمات الثقة المتبادلة:
تؤثر حالة فقدان الثقة بين الدول العربية، وصدام تطلعات الريادة فيما بينها في فاعلية جماعات الضغط العربية في الولايات المتحدة، نتيجة التعارض في أنشطتها، والتنافس فيما بينها لتحقيق مصالح الدول الممولة لها، على الرغم من توافق أغلب مصالح هذه الدول في علاقاتها مع الولايات المتحدة. وتستدل الكاتبة على ذلك بتعارض المصالح بين دول الخليج العربي حول جماعة الإخوان المسلمين، والتحولات السياسية في مصر عقب وصولهم للسلطة.
وفي السياق ذاته، يوجد وجه آخر لأزمات الثقة، يتمثل في الصورة الذهنية السلبية عن الدول العربية لدي الرأي العام الأمريكي، وهو ما يحد من حملات التسويق السياسي التي تقوم بها جماعات الضغط، على الرغم من استعانة بعض الدول بشركات علاقات عامة واسعة الانتشار، ولديها أدوات متعددة للتأثير في السياسة الأمريكية. في المقابل، فإن تحسب الدول العربية لاحتمالات تدخل الولايات المتحدة في شئونها الداخلية يدفعها لتحجيم علاقاتها بها، بالإضافة إلي المخاوف من إثارة الرأي العام الداخلي في الدول العربية ضد التقارب مع الولايات المتحدة، وهو ما يؤثر سلبا في فاعلية جماعات الضغط العربية.
جماعات الضغط العربية وتغيير السياسة الأمريكية:
تتسم أغلب الدراسات التي تعرضت لمناقشة “اللوبي العربي” لافتقاد التحديد الواضح للمؤسسات، والهيئات، والجماعات التي تندرج تحت هذا المسمي، إذ يفترض في تعريف “اللوبي” التركيز على الجماعات التي تمارس ضغوطا مؤسسية على صناع القرار لتحقيق مصالح معينة، وهو ما يعني أن الهيئات التنسيقية والخدمية التي تؤسسها الجاليات العربية، وجمعيات الخريجين العرب بالولايات المتحدة، والمؤسسات المهنية التي تضم أساتذة الجامعات، والأطباء، والمهندسين العرب، لا تندرج ضمن جماعات اللوبي العربي، إلا إذا قامت بأنشطة ضغط سياسي تستهدف الترويج لسياسات ومصالح داعمة للدول العربية.
في المقابل، تندرج بعض المؤسسات غير العربية ضمن ما يسمي باللوبي العربي، مثل: شركات العلاقات العامة الأمريكية، ومؤسسات التفكير الأمريكية، وجماعات الضغط المحترفة التي تتلقي تمويلا من دول عربية مقابل الدفاع عن مصالحها. وربما تكون هذه المؤسسات هي الأكثر تأثيرا ضمن ما يسمي اللوبي العربي في الولايات المتحدة، بالنظر إلي خبراتها في ممارسة الضغط السياسي، وشبكة العلاقات التي تتمتع بها في الداخل الأمريكي التي تتيح لها التأثير في مراكز صنع القرار.
كما أن التعارض بين المصالح التي تسعي الدول العربية للدفاع عنها، وتشتت جماعات المصالح المدافعة عن الدول العربية، والتنافس فيما بينها، وانفصالها عن الجاليات العربية، قد يدعم أطروحات بديلة حول عدم وجود “لوبي عربي” متماسك في الولايات المتحدة، وفقا للمصطلح المتعارف عليه في السياسة الأمريكية، وأن المؤسسات والهيئات المختلفة المدافعة عن مصالح الدول العربية لا تعدو كونها جماعات ضغط محدودة التأثير، بالمقارنة بمؤسسات الضغط الأكثر تأثيرا في السياسة الخارجية الأمريكية، مثل لجنة الشئون العامة الأمريكية – الإسرائيلية (إيباك) التي تمتلك قواعد للمؤيدين، وشبكات واسعة الانتشار للهيئات البحثية، ووسائل الإعلام الداعمة لها، والتي تعبر عن مصالحها، وتحظي بتأييد شخصيات نافذة في مؤسسات صنع القرار الأمريكي.
في المقابل، تكشف متابعة تحولات السياسة الأمريكية، خلال الآونة الأخيرة، عن تراجع تأثير جماعات الضغط السياسية في الرأي العام الأمريكي، في ظل تراجع الثقة في النخب السياسية التقليدية، ورموز العمل السياسي الأمريكي، وهو ما تجلي في صعود بعض المرشحين الرئاسيين من خارج الدوائر الحزبية والسياسية التقليدية ممن يطلق عليهم Outsiders مثل: دونالد ترامب الذي لا يحظي بتأييد النخب والقيادات المركزية داخل الحزب الجمهوري، وبيرني ساندرز الذي تمكن من التأثير في البرامج السياسية للحزب الديمقراطي، ودفعها بقوة باتجاه اليسار، من خلال أطروحاته ذات الطابع الاشتراكي، على الرغم من تمكن هيلاري كلينتون من حسم الأغلبية اللازمة للترشح باسم الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقرر لها نوفمبر المقبل.
ويؤكد تقرير جيفري جولدبرج عن عقيدة الرئيس الأمريكي باراك أوباما المنشور في مارس 2016 في مجلة الأطلنطي The Atlantic في تراجع تأثير جماعات الضغط في الساسة الأمريكيين، حيث أكد الرئيس الأمريكي أوباما، في حواره مع جولدبرج، تضرره من دور “لوبي مراكز تفكير السياسة الخارجية” في الولايات المتحدة، حيث أشار إلي وجود شعور قوي داخل أروقة البيت الأبيض بأن مراكز التفكير الأمريكية في واشنطن تعمل لمصلحة الممولين من العرب والمناصرين لإسرائيل.
وفي السياق ذاته، عدّ أحد مسئولي الإدارة الأمريكية شارع ماساتشوستس في واشنطن، الذي يضم عددا كبيرا من مراكز التفكير الأمريكية، “إقليما تحت الاحتلال العربي”، تعبيرا عن إدراك النفوذ المتصاعد لمصادر التمويل العربية الخليجية لمراكز التفكير في الولايات المتحدة، كما لم يعد الإعلام يحمل التأثير ذاته في صانع القرار الأمريكي، حيث تضمن حوار أوباما تأكيدا على رفضه لتأثير وسائل الإعلام في عملية صنع القرار، أو اتخاذ قرارات لأغراض “مسرحية” هدفها إرضاء التوجهات المطروحة في الإعلام الأمريكي.
ويرتبط ذلك بالتقييم السلبي من جانب الإدارة الأمريكية، والرأي العام الأمريكي لدور جماعات الضغط العربية في بعض القضايا، مثل الترويج لضرورة التدخل العسكري الأمريكي في سوريا، وتوجيه ضربة عسكرية لنظام الأسد، والتي بلغت أوجها في أغسطس 2013، حيث قاوم الرئيس أوباما ضغوطا متعددة للتدخل العسكري ضد نظام الأسد، واكتفي بتأييد الاتفاق الذي يقضي بقيام روسيا بتولي مهام نزع الأسلحة الكيميائية من نظام الأسد.
واتضح فقدان جماعات الضغط العربية والإسرائيلية تأثيرها، عقب تمرير الاتفاق النووي بين مجموعة (5+1) وإيران، على الرغم من معارضة إسرائيل وبعض الدول العربية لهذا الاتفاق، والحملات السياسية غير المسبوقة لجماعات الضغط التابعة لهما لعرقلة إتمام الاتفاق، ومنع الإدارة الأمريكية من رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران.
ويؤكد تتبع المواقف المعلنة للرئيس الأمريكي باراك أوباما مدي ضعف تأثير جماعات الضغط العربية، وعدم قدرتها على تغيير توجهات الساسة الأمريكيين عن الدول العربية، بداية من تشديد أوباما المعلن على ضرورة تجنب الانخراط الأمريكي في أزمات وصراعات منطقة الشرق الأوسط، مرورا باتهامه المعلن لبعض الدول العربية بتمويل المدارس الدينية التي تنشر التطرف في العالم، انتهاء بدعوته للدول العربية لإيجاد نهج فعال لتشارك الجوار مع إيران، وتأسيس “نمط من السلام البارد” على حد تعبيره.
وفي المجمل، لا يتوقع أن تتمكن جماعات الضغط التابعة للدول العربية المختلفة من تعزيز تأثيرها في السياسة الأمريكية، في ظل افتقاد الثقة المتبادلة، والتماسك، والتنسيق فيما بينها، وافتقادها القواعد الشعبية الداعمة لتأثيرها، فضلا عن تحولات السياسة الأمريكية التي باتت تتسم بالتركيز على حسابات التكلفة، والعائد، والتشارك في التكلفة بين الحلفاء في مواجهة التهديدات المشتركة، والإحجام عن التدخل العسكري في بؤر الصراعات التي يراها الرأي العام الأمريكي بعيدة عن المصالح الأمريكية، وتجنب الانخراط في القضايا المعقدة في منطقة الشرق الأوسط، وهي توجهات من المرجح أن تستمر على الأقل حتي انتخاب الرئيس الأمريكي الجديد في نوفمبر.2016
محمد عبد الله يونس
مجلة السياسة الدولية