لم يسبق الهجوم الأعنف، منذ الحرب على قطاع غزة المُحاصر، عام 2014، أية هدوء، فقد كانت سماء غزة قبل وقوع 60 غارة جوية، على بيت حانون وبيت لاهيا (شمال قطاع غزة) ملبدة بالطيران الحربي الإسرائيلي.
إحدى الفصائل الصغيرة، تمكنت عناصرها من الإفلات من قبضة حركة المقاومة الإسلامية «حماس» الأمنية على الحدود الشمالية، وأطلقت قذيفة محلية الصنع، سقطت في مدينة سديروت، فعجل الجيش الإسرائيلي بإطلاق نيران المدفعية، فيما قصفت طائرات بدون طيّار، أهداف لموقع كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح المسلح لحركة حماس، وفصائل أُخرى، ردًّا على إطلاق القذيفة.
ويقرأ في هذه التطورات رسائل متعددة، أبرزها تحميل إسرائيل لحماس مسؤولية الحفاظ على الهدوء في قطاع غزة، إضافةً إلى رسائل أُخرى متعلقة بوزير الدفاع الإسرائيلي، أفيجدور ليبرمان، الذي أراد أن يُؤكد أنّه «وزير دفاع قوي»، على عكس ما يتهمه به المستوطنون المتطرفون في إسرائيل.
رسائل ضرب غزة
يبقى أساس العلاقة بين إسرائيل وغزة «علاقة حرب»، لكن يبقى أيضًا أن كلًّا من إسرائيل وحماس، ليسا معنيتين بالتصعيد، والتعجيل بالحرب الآن، وربما يكون دليلًا على ذلك، الغارة الأخيرة، والتي امتازت بالسرعة والتركيز، وقد تعمدت فيها إسرائيل عدم الإيقاع بأية ضحايا، فضلًا عن أن حماس لم ترد.
ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بقطاع غزة، ناجي شرّاب، أنّ ثمة رسائل يُمكن قراءتها من الغارة الأخيرة على غزة، أولى تلك الرسائل وفقًا له، تأتي على مستوى البعد الشخصي لوزير الدفاع الإسرائيلي، ليبرمان، فشرّاب يعتقد أن ليبرمان أراد إيصال رسالة مفادها، أنّه «وزير دفاع قوي ويوجد لديه استعداد للذهاب بتهديداته إلى أبعد حد، ويريد أن ينفي عن نفسه ما يلاحق من المجتمع الإسرائيلي من جبن وتردد عن مواجهة حماس».
ويضيف شرّاب لـ«ساسة بوست» قائلًا، إنّ «البعد الثاني هو رسالة سياسية إلى حركة حماس، لدفعها لممارسة الكثير من الضغط على التنظيمات والفصائل الأخرى بمنع ضرب الصواريخ على إسرائيل، إدراكًا من إسرائيل أن حماس هي الأقدر على حماية الحدود».
ولا يستبعد أستاذ العلوم السياسية، أن يكون هدف إسرائيل من هذه الضربات للقطاع، إضعاف السلطة الوطنية الفلسطينية، بخاصة أن ليبرمان بتصريحاته مؤخرًا، استخف بالسلطة الفلسطينية وقياداتها، وقال إن «إسرائيل ستتعامل مع السكان الفلسطينيين بشكل مباشر، وفق سياسة العصا والجزرة».
وأشاد ناجي شرّاب بقرار حماس عدم الرد على هذا الغارات الأخيرة، واصفًا موقفها بالسليم، بخاصة وأن «الظروف الإقليمية والدولية لا تمنع قيام عدوان جديد، ناهيك عن الأمور الفلسطينية الداخلية، والأزمات في غزة الذي تعاني منها حركة حماس من فقر وبطالة وجوع».
وأضاف: «هناك أزمات سياسية، وأزمات تتعلق بالحركة والانتخابات، بالتالي حماس قرأت هذه الرسالة جيدًا ولن تندفع للتصعيد، وذلك فوت الفرصة على إسرائيل لتحقيق ما تريده.«
إسرائيل جاهزة لعدوان جديد إذا توافرت الذرائع
يؤكد المحلل السياسي طلال عوكل، أن إسرائيل تريد أن تؤكد قدرتها على الرد بقوة، وأن تحذر الفلسطينيين من أن أي فعل سيكون الرد عليه قاسيًا، ولذا فإنّ عوكل يعتقد أن إسرائيل جاهزة للتعامل مع ردود فعل الفصائل الفلسطينية، «فلو كان هناك رد فعل فلسطيني لكان رد الفعل الإسرائيلي أكبر، فالوضع في إسرائيل جاهز للخوض في عدوان جديد على قطاع غزة إذا توفرت الذرائع»، حسب ما قال عوكل.
ويشدد عوكل على أن إسرائيل تتصرف تجاه قطاع غزة بشكل مريح جدًّا، فهي «مش عاملة حساب لأي حد»، على حد تعبيره، مُوضحًا أن «الفلسطينيين منقسمون، ووضعهم وصل لدرجة عالية من البؤس والتردي، والوضع العربي متهالك، الوضع كله لمصلحة إسرائيل، وبالتالي ممكن أن تقوم بأي فعل بدون أن تحسب حساب ردود فعل عربية، أو إقليمية، أو دولية».
كما يقرأ المحلل السياسي تأثير لضغط المستوطنين في محيط قطاع غزة، الذين اتهموا الحكومة الإسرائيلية بالجبن والعجز عن حمايتهم، وبالتالي هي رسالة للمجتمع الإسرائيلي بأن حكومتهم قادرة على الردع. ويستبعد عوكل أن تكون رسالة الناطق الرسمي لكتائب عز الدين القسام، أبو عبيدة، التي سبقت الغارة على غزة بيوم، قد استفزت إسرائيل فقامت بردة فعل.
وأوضح: «في قضية الأسرى الإسرائيليين لدى حماس، لم يذكر أبو عبيدة معلومات جديدة، ما زال التكتم سيد الموقف، التصريح لم يتضمن أي معلومة تفيد إسرائيل، ما استفزها عمليًّا هو إطلاق صاروخ أو اثنين، وليس موضوع الأسرى». وتابع القول: «يجوز أن حماس كانت تستهدف استفزاز إسرائيل وتحريك موضوع الأسرى. لكن في الحقيقة لا يوجد اهتمام إسرائيلي بموضوع الأسرى، لا سياسيًّا ولا مجتمعيًّا».
إلى أين ستقود سياسة «ليبرمان» إسرائيل؟
أكدت وسائل الإعلام الإسرائيلية، أن الحكومة الإسرائيلية، ليس لديها رغبة في التصعيد، ولا تغيير المعادلة القائمة على حدود غزة. واعتبر المحلل العسكري في صحيفة هآرتس، عاموس هرئيل، أن القذيفة التي سقطت ظهيرة اليوم على سديروت، لن تؤدي إلى تصعيد عسكري جديد بين إسرائيل، وقطاع غزة، مضيفًا: «إن كل من إسرائيل وحماس يعلمان جيدًا ما هي أدوات اللعبة التي حددت بعد انتهاء الحرب الأخيرة على قطاع غزة قبل عامين، والآن سيمتنع الطرفان عن صدام جديد«.
وجاء في مقال آخر لهآرتس أنّ ليبرمان، كان قد صرّح في الماضي، قبل أن يصبح وزيرًا للدفاع، أن هناك حاجة إلى قبضة قوية ضد سلطة حماس في غزة، ثم بعد تعيينه في منصبه الحالي، خفف من حدة تصريحاته العلنية، إلا أنه كرر موقفه الأساسي بضرورة إسقاط حكومة حماس.
وأضافت الصحيفة: «يبدو أن ليبرمان معني بتوجيه رسالة قوية لحماس، حتى لو كلف ذلك المخاطرة بتصعيد الأوضاع، وسيتضح التوجه الإسرائيلي خلال الأيام القادمة، لكن الكثير من الأمور ترتبط بمنظومة التوازنات والكوابح بين رئيس الحكومة الإسرائيلي، ووزير الأمن الإسرائيلي، ورئيس الأركان غادي إيزنكوت».
كما رأى محلل الشؤون الفلسطينية بموقع «والا» الإسرائيلي، آفي زخاروف، أنه لا جديد على سياسة ليبرمان، وأن ما حدث زيادة من نفس النوع وليس تغيرًا إستراتيجيًّا، وأشار إلى أن «الأمر لا يبشر بخير بالنسبة لمستوطني غلاف غزة، وأنه لا تغيير على السياسة الإسرائيلية القديمة الجديدة إزاء القطاع، وأن حماس تابعت بتمعن العرض الصوتي الضوئي الليلة الماضية، وعلمت الهدف الكامن وراء هذا العرض، وآثرت عدم الرد لأنها غير معنية بالتصعيد حاليًا».
ميرفت عوف
ساسة بوست