«30% من الإيرانيين يعانون الفقر والجوع»، هذا ليس بياناً صادراً عن منظمة «مجاهدي خلق» المعارضة، أو إحدى المنظمات الإيرانية في الخارج، أو أية جهة عربية، إنه تصريح رسمي صدر الأسبوع الماضي عن مساعد وزير الصحة الإيراني «علي أكبر ساري»، مما أثار غضب الشعب هناك، الذي يرى عشرات المليارات من عائدات النفط تحرق في تمويل منظمات إرهابية أو في حروب لا ناقة لإيران فيها ولا جمل.
كيف يمكن تصور هذه النسبة من الفقراء في بلد غني بثرواته الطبيعية، وبالأخص النفط والغاز، حيث تنتج إيران ما يقارب 4 ملايين برميل يومياً، أكثر من نصفها يتم تصديره، كما أنها تعتبر من بين أكبر ثلاث دول في العالم في إنتاج وتصدير الغاز الطبيعي؟ سؤال محير فعلاً، إلا أن هذه الحيرة ستزول، إذا تتبعنا النهج الاقتصادي، والإدارة الاقتصادية السيئة والفاسدة، والتي كان آخرها فضيحة الرواتب والتي أطاحت برؤوس عديدة من داخل النظام.
ومع أنه كان من المتوقع أن يؤدي الاتفاق النووي بين إيران والدول الست الكبرى إلى تحسن الأوضاع الاقتصادية، فإن ذلك لم يحدث، كما توقعنا في مقالة سابقة مبينين أسباب ذلك، والتي من ضمنها تقاسم أصحاب النفوذ من الملالي ومراكز القوى للمكاسب التي نجمت عن توقيع هذا الاتفاق.
وبما أن النظام الإيراني ومرشده الأعلى مصرون على نهجهم العدائي تجاه جيرانهم وتبذير ثروات البلاد على طموحات أيديولوجية وطائفية وشوفينية وهمية، فإن الشعب الإيراني سيظل يعاني وستزداد نسبة الفقر والجوع والبطالة التي بلغت نسباً عالية تجاوزت 30% وترتفع بصورة مخيفة بين الشباب. إن أحد أكبر أخطاء إيران الخمينية هو انغماسها في رمال السياسات العربية على مدى السنوات الماضية، فدهاليز السياسة العربية تشبه إلى حد كبير رمال الربع الخالي، أي تبتلع غير الملمين بدروبها من الأجانب، وبالأخص الإيرانيين الذين لم يستوعبوا بعد أن السير على هذه الرمال يُشكل خطورة لا حدود لها، كما أنه يمثل بداية النهاية لمشروعهم الرامي إلى الهيمنة وبسط النفوذ.
ومع ذلك، فإن تعنت ومكابرة رجال الدين في إيران ستؤدي حتماً إلى المزيد من الخسائر والمزيد من التردي الاقتصادي وتضييع الثروات في حروب عبثية لا طائل منها، فعشرات المليارات التي مولت تدخلاتهم في سوريا ولبنان والعراق واليمن وتمويلهم لمنظمات إرهابية في الخليج العربي وتمويل حملات التشيع في أفريقيا، كلها تبخرت دون نتيجة ودفع الشعب الإيراني ثمنها باهظاً، فبلدان الخليج تمكنت من حماية أمنها بفضل التحام القيادة والشعب، أما اليمن، فإن تباشير النصر تلوح في الأفق، وفي سوريا، فإن القرار النهائي سيكون للأميركيين والروس، في حين لا توجد قوة واحدة بإمكانها تحديد مصير لبنان، بل إن ذلك سيتم وفق توافق وطني عام.
إذن، هل يوجد عاقل من بين المعممين، بما فيهم المرشد يملك الشجاعة؟، ما يؤهله للتفكير بعمق وموضوعية ومنطق ليتمكن من حل معادلة النفط والفقر بعيداً عن التعصب والأيديولوجيا المذهبية والشوفينية المقيتة، وبالتالي يرفع من المستويات المعيشية لشعبة ويحافظ على ثرواته ويسخرها للتنمية والقضاء على الفقر والجوع الذي تحدث عنه مساعد وزير الصحة الإيراني.
لا نعتقد ذلك، ففي النظام تكونت مراكز قوى، معظمها من رجال الدين الذين أضحت مصالحهم مرتبطة وبقوة بالنهج الطائفي، والذي من دونه لا يمكن لهم مواصلة جمع الثروات، غير عابئين بمعاناة الناس وبؤس معيشتهم، مما يعني أن هناك طريقاً واحداً فقط للخلاص يمكن من خلاله حل هذه المعادلة، وهو الطريق الذي دعا إليه اجتماع المعارضة الإيرانية الموسع في باريس الشهر الماضي. كان يمكن لإيران أن تلعب دوراً تنموياً إيجابياً يعود بالنفع على شعبها وعلى الشعوب المجاورة من خلال التعاون الثنائي والمشاريع المشتركة وحسن الجوار وعلاقات المصالح المتبادلة، إلا أن كل ذلك ليس من صفات نظام شمولي متطرف يسعى للهيمنة.
د. محمد العسومي
جريدة الاتحاد