استعرض تقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية مواقف المرشد الأعلى للثورة الإسلامية «آية الله خامنئي»، التي تبدو مناهضة للولايات المتحدة الأمريكية، وانتقاداته المستمرة للولايات المتحدة، خاصة بعد توقيع الاتفاق النووي الذي وقعته إيران صيف العام الماضي مع أمريكا و«مجموعة 5+1».
تقرير الصحيفة الأمريكية قال إنه «منذ الانتهاء العام الماضي من اتفاق تاريخي يحد من البرنامج النووي الإيراني، انتقد المرشد الأعلى لإيران مرة تلو الأخرى الولايات المتحدة؛ لفشلها المفترض في الالتزام بالصفقة إلى نهايتها».
وتابع التقرير بقوله «ولكن الخطاب الذي ألقاه في الأول من أغسطس (آب) في طهران نقل خطابه المناهض للولايات المتحدة إلى مستوى جديد».
اتهم روحاني إدارة الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» بممارسة «سياسة الترهيب» وعدم رفع العقوبات بطريقة تفيد «حياة الناس». قال المرشد الأعلى لمستمعيه «إن تجربة إيران مع الاتفاق النووي «أظهرت لنا أننا لا يمكننا التحدث إلى [الأمريكيين] في أي مسألة كطرف جدير بالثقة». فيما هتف الحشد بشعارات مناهضة للولايات المتحدة.
هل تستعد إيران لتتهرب من الاتفاق؟
بحسب التقرير، لم يكن خطاب خامنئي موقفًا سياسيًا كلاسيكيًا يهدف إلى حشد أتباعه المتشددين فحسب، بل إن «تبجحه»، وفق ما وصف التقرير، يخفي حسابات استراتيجية أعمق. فيما يتعلق بشكواه حيال الغدر الأمريكي، فإن السيد «خامنئي» وحلفاءه يدركون أن الاتفاق النووي ترك فوائد كبيرة للدولة «الثيوقراطية» المتعثرة، ويمكن أن يزيد من ترسيخ النظام الذي جاء إلى السلطة في ثورة عام 1979.
عرف الرئيس «أوباما» الاتفاق النووي في المقام الأول باعتباره ممارسة للحد من التسلح، ويهدف إلى تقييد برنامج طهران النووي لمدة عشر سنوات على الأقل، وللحفاظ على الولايات المتحدة من التورط في حرب أخرى في الشرق الأوسط. لكن البيت الأبيض وكبار دبلوماسييه، ومن بينهم وزير الخارجية «جون كيري»، اقترحوا بهدوء أن الاتفاق قد يفتح الباب أمام تقارب أوسع بين طهران وواشنطن، وتمكين القوى السياسية المعتدلة في إيران، ولاسيما رئيسها المنتخب، «حسن روحاني».
وأضاف التقرير أن مسؤولين أمريكيين حذروا دائمًا أن الأمر سيستغرق بعض الوقت؛ حتى تصبح النتائج المفيدة في التعامل مع إيران، نافذة المفعول. حتى لقد اعترفوا أنه على المدى القصير، فإن الاتفاق قد ينعش المتشددين المناهضين للتعامل مع الغرب، ويبدو أن هذا في الواقع هو ما يحدث.
زيادة الهيمنة
وأشار التقرير إلى أنه، ومنذ تم الإعلان عن الاتفاق في الصيف الماضي، انتقل السيد خامنئي ووحدته من النخبة العسكرية، قوات «الحرس الثوري الإسلامي»، إلى ترسيخ سيطرتهم.
وفي حين تباطأت العقوبات الدولية ضد إيران، وسع آية الله وحلفاؤه الأساسيين من سلطة الجيش الإيراني، وسعوا وراء الحصول على فرص عمل جديدة للشركات والمؤسسات التي تمول الكوادر الأيديولوجية الرئيسة للنظام.
كما واصلت إيران تمويل وتسليح حلفائها الإقليميين الرئيس0ين، بما في ذلك نظام الأسد في سوريا، وحزب الله اللبناني والمتمردين الحوثيين في اليمن، وجميعهم في حالة حرب مع شركاء أمريكا الإقليميين. كما واصل النظام اختبار وتطوير «الصواريخ الباليستية». وكثفت الحكومة أيضًا من اعتقال قادة المعارضة والنشطاء السياسيين.
التقرير ذكر أن السيد خامنئي كان مشاركًا بشدة منذ البداية في محادثات بلاده مع الولايات المتحدة. بعد فرض مجلس الأمن الدولي عقوبات قاسية على إيران في عام 2010، أصبح خامنئي متخوفًا من استنزاف الموارد المالية لطهران. في عام 2012، أيد محادثات سرية أملًا في تخفيف الضغط المالي الخانق. جعل انهيار أسعار النفط العالمية إيران أكثر عرضة للخطر.
وبينما تطورت المحادثات إلى مفاوضات علنية مع الولايات المتحدة وشركائها، أوعز السيد خامنئي إلى ممثليه؛ للتأكد من أن إيران بإمكانها أن تحافظ على البنية التحتية الرئيسة من برامجها النووية والعسكرية.
الفائز الأكبر بالصفقة
اليوم، آية الله، البالغ من العمر 77 عامًا، والذي قيل إنه يعاني من مرض السرطان، يسعى إلى تعزيز إرثه، وتشكيل التحول السياسي الذي من شأنه أن يحدث بمجرد رحيله.
وفقًا لما ذكره التقرير، فإن الاتفاق النووي يمنحه لبنات البناء للقيام بذلك، الآن، على الأقل، يتطلع السيد خامنئي وحلفاؤه إلى أن يكونوا الفائزين الكبار بالصفقة. ومن المرجح أن تواجه الإدارة الأمريكية القادمة خيارًا غير مرض لمواصلة العمل مع إيران أو لتحدي المرشد الأعلى والحرس الثوري.
من جانبها، تقول إدارة أوباما «إن الصفقة النووية تعيق إيران عن كافة المسارات التي تؤدي إلى تطوير القنبلة النووية، وأن نجاح الاتفاق لا يعتمد على تغيير سياسي يترسخ في طهران». وأشاروا إلى أن الصفقة لا تزال في مراحلها الأولى، ويشيرون إلى أن انفتاح الاقتصاد الإيراني يمكن أن يساعد الإصلاحيين مع مرور الوقت. وهم يصرون أيضا أن الاتفاق خدم قضية السلام في المنطقة.
وقال التقرير: إنه، ولفهم وجهة نظر السيد خامنئي بشأن المفاوضات ونتائج الاتفاق، فإن أفضل مكان للبدء هو برنامج إيران النووي.
يتطلب البرنامج موافقة إيران على قبول القيود الرئيسة: في السابق، كان لدى البلاد ما يقرب من 20 ألف من أجهزة الطرد المركزية التي تنتج الوقود النووي، وكانت على أعتاب امتلاك اليورانيوم لصنع أسلحة نووية.
اليوم، 5000 فقط من أجهزة الطرد المركزي هي قيد التشغيل، ومعظم اليورانيوم الإيراني المخصب تم شحنه إلى خارج البلاد. وافقت إيران أيضًا على السماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بإجراء عمليات تفتيش موسعة على مواقعها النووية، لمنع البلاد من تحويل المواد الانشطارية لأغراض عسكرية محظورة. وقال وزير الطاقة الأمريكي «إرنست مونيز»، بحسب ما نقل عنه التقرير «هناك قيود خطيرة على البرنامج النووي لمدة 15 عامًا».
رؤية خامنئي
وذكر التقرير أن السيد خامنئي، ومع ذلك، لا يبدو أنه يتشارك هذا الرأي بشأن قيود الصفقة. ففي الوقت الذي وافق فيه المفاوضون الإيرانيون على هذه الشروط في يوليو(تموز) 2014، ألقى المرشد الأعلى خطابًا حول البرنامج النووي من دون التشاور مع كبير المفاوضين، وزير الخارجية جواد ظريف، وفقًا لمسؤولين أمريكيين وأوروبيين.
في الخطاب، قال السيد خامنئي إن بلاده الغنية بالنفط تحتاج على الأقل 100 ألف من أجهزة الطرد المركزي لتشغيل برنامج نووي مدني في العقود المقبلة. وتساءل دبلوماسيون غربيون عما إذا كان الدبلوماسيون الإيرانيون تحدثوا حقًا للزعيم الأعلى.
وأفاد التقرير أنه بحلول العام المقبل، ستكون الولايات المتحدة وشركاؤها قد دفعوا الإيرانيين إلى الالتزام بامتلاك 5000 من أجهزة الطرد المركزي. رحبت واشنطن بهذا؛ باعتباره انتصارًا تفاوضيًا كبيرًا.
ولكن التقرير عاد؛ ليقول إن الولايات المتحدة فازت فقط بوقفة قصيرة الأجل فيما يتعلق بالتوسع في البرنامج النووي الإيراني، واكتسب المرشد الأعلى موافقة دولية لخطته على المدى الطويل.
في الواقع، وفي الأسابيع الأخيرة، تحدث مسؤولون إيرانيون عن استعداداتهم لبناء 10 مفاعلات نووية جديدة بمساعدة روسية. وسوف تحتاج هذه المفاعلات إلى إمدادات ثابتة من الوقود النووي من أجهزة الطرد المركزي.
إحياء الاقتصاد
في نقطة أخرى، قال التقرير إن السيد خامنئي ذهب بعيدًا في المحادثات بالكثير مما أراد لإحياء الاقتصاد الإيراني الذي يعاني منذ أمد بعيد ويمثل قلقًا للنظام. قبل الاتفاق النووي، كانت إيران تسير على حافة الهاوية، خاصة بعدما كثفت إدارة أوباما العقوبات الدولية، وكان من شأن الاتفاق التخفيف من وطأة تلك الضغوط.
حملة العقوبات الدولية التي تقودها الولايات المتحدة ضد إيران، دقت أجراس الإنذار في مكتب المرشد الأعلى في عام 2013، وفقًا لمسؤولين إيرانيين. في أكثر من عام واحد فقط، تقلصت صادرات إيران النفطية إلى أكثر من النصف. انخفضت العملة الإيرانية بنسبة الثلثين مقابل الدولار؛ مما أدى إلى التضخم الهائل والبطالة. منح ذلك الولايات المتحدة فرصة لانتزاع تنازلات جديدة من طهران.
وأضاف التقرير أنه تم انتخاب السيد روحاني الأكثر اعتدالًا رئيسًا في ذلك العام مع تفويض لتحسين الاقتصاد الإيراني وتخفيف العقوبات. يقول مساعدوه إن السيد روحاني أقنع السيد خامنئي أن العقوبات تشكل تهديدًا وجوديًا للحكومة.
رفعت العديد من العقوبات الأمريكية المفروضة بموجب الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه في العام الماضي. تأثير ذلك على الاقتصاد الإيراني كان مختلطًا حتى الآن، بتأجيج اتهامات من القادة الإيرانيين أن الولايات المتحدة لم ترق إلى مستوى التزاماتها.
وقد عادت صادرات النفط الإيرانية- بحسب التقرير – إلى حد كبير إلى مستويات ما قبل عام 2012، وتوقع البنك الدولي أن يبلغ النمو في الناتج المحلي في إيران إلى ما يقرب من 5٪ العام المقبل، لكن البنوك الأوروبية والأسيوية لم تحسم أمرها بعد بشأن تمويل مشاريع في إيران، ولا زالت وزارة الخزانة الأمريكية تفرض الحظر على التعاملات مع إيران.
ونقل التقرير عن محللين قولهم إن هذا المسار من النمو المتواضع أفاد السيد خامنئي. بعيدًا عن الأمل في الحصول على تدفق الاستثمارات الأجنبية، فقد حذر المرشد الأعلى مرارًا شعبه بأن الثقافة والأعمال الغربية قد تقوض الثورة وقيمها.
يقول السيد خامنئي إن إيران يجب أن تبقى مكتفية ذاتيًا اقتصاديًا، ومستقلة عن الغرب.
النفوذ الأجنبي
في محاولة ـ على ما يبدو ـ لدرء النفوذ الأجنبي، كثفت قوات الحرس الثوري من اعتقال من يحملون جنسية مزدوجة من الولايات المتحدة وأوروبا وكندا خلال العام الماضي. واحد من الأمريكيين المعتقلين، «سيامك نمازي»، وهو مسؤول تنفيذي في صناعة النفط، تحدث عن حاجة إيران لتبني إصلاحات اقتصادية وسياسية. ويهيمن على الاقتصاد الإيراني الآن الحرس الثوري، الذي يسيطر على العديد من كبرى الشركات الإيرانية.
أما بالنسبة للقدرات العسكرية التقليدية، فإن الصفقة لم تفعل الكثير للحد من طموحات إيران. طالب المرشد الأعلى برفع الحظر الذي تفرضه الأمم المتحدة على قدرة إيران على شراء أو تصدير الأسلحة التقليدية وحصل عليه، في غضون خمس سنوات. يريد خامنئي الاحتفاظ بقدرة إيران على تصدير الأسلحة والصفقة لم تفعل شيئًا للتدخل في ذلك.
التقرير نقل عن «كريم سجادبور»، الخبير في الشؤون الإيرانية وزميل في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي في واشنطن، قوله «لقد ظهر آية الله خامنئي باعتباره الرجل الوحيد الأكثر نفوذًا في الشرق الأوسط. سيستغرق الأمر سنوات لتقييم التأثير الكامل للاتفاق النووي في الشرق الأوسط وإيران داخليًا، ولكن الأمل بأن الصفقة ستضعف خامنئي والحرس الثوري لم يولد حتى الآن».
التقرير تابع بقوله إن «الاتفاق النووي ربما يكون أيضًا قد عزز قدرة السيد خامنئي على التأثير في المنطقة. في القصور المزخرفة والفنادق ذات الستة نجوم، حيث جرت المحادثات النووية في النمسا وسويسرا العام الماضي، تحدث مسؤولون أمريكيون وأوروبيون بتفاؤل حول استخدام الاتفاق لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط. إنهم يأملون أن إيران، القوة الشيعية الكبرى في المنطقة، قد تلعب دورًا بناءًا في إنهاء الصراعات في اليمن، والعراق، وقبل كل شيء، سوريا».
لم تفلح الصفقة في القيام بذلك. حتى مع استمرار المحادثات، كان السيد خامنئي وجنرالاته يخططون لحملة عسكرية أوسع من ذلك بكثير في سوريا في شراكة مع الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين»، وفقًا لمسؤولين أوروبيين وعرب وإيرانيين. في يناير (كانون الثاني) عام 2015، بدأ كبار مساعدي المرشد الأعلى بسلسلة من الزيارات إلى الكرملين؛ من أجل رسم خطة لتعزيز نظام الرئيس السوري «بشار الأسد» المحاصر.
تنسيق روسي إيراني
وذكر التقرير أن النتيجة كانت عملية ذات تنسيق عال في سوريا بدأت بعد أسابيع فقط من إنهاء الاتفاق النووي. قصفت القوى الجوية التابعة للسيد بوتين قوات المعارضة السورية، ولم تكتف بقصف الجهاديين السنة المرتبطين بتنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) أو القاعدة، بل قصفت أيضًا المقاتلين المدعومين من قبل الولايات المتحدة. في ذات الوقت، حرك الحرس الثوري التابع لخامنئي آلاف الجنود ومقاتلي الميليشيات الشيعية؛ لبدء هجوم بري حاربت فيه القوات الإيرانية إلى جانب مقاتلي حزب الله والميليشيات الشيعية الأخرى.
أدت العملية الإيرانية الروسية المشتركة إلى تراجع قوات المعارضة التي كانت تتقدم باتجاه معقل النظام السوري على ساحل المتوسط، حسب المسؤولين العرب والأمريكيين، وسمحت لنظام الأقلية باسترجاع مساحات واسعة من الأرض. وأعلن الكرملين هذا الأسبوع أنه بدء بشن الضربات الجوية على سوريا من الأراضي الإيرانية.
أشار التقرير إلى أن خامنئي استبعد أي تعاون مع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، حتى ضد الأعداء الإقليميين المشتركين مثل تنظيم داعش، وعوضًا عن ذلك، استمرت حملة إيران للسيطرة على الخليج العربي الغني بالنفط، ولإضعاف دور الولايات المتحدة، إسرائيل والدول العربية السنية الحليفة لأمريكا في المنطقة. يقول القادة العسكريون الأمريكان أنهم لم يلحظوا أي تقليص في دعم الحرس الثوري الإيراني لحلفاء إيران في اليمن، العراق والأراضي الفلسطينية.
وأخيرًا، ذكر التقرير أن السيد خامنئي لا يعرف كيف ستستجيب أمريكا لموقفه غير المهادن، خاصة حين تتولى إدارةٌ جديدة مقاليد الحكم في الولايات المتحدة. لكنه قد يعرف أنه منتصر في كلتا الحالتين: إن انهار الاتفاق النووي، فسيعتبر ذلك برهانًا على أنه لا يمكن الثقة بالأمريكان، وهو يعرف أنه سيكون من الصعب تجميع القوى لفرض جولة جديدة من العقوبات الأممية. وإن بقي الاتفاق النووي على حاله، فإن جيشه سيستمر في تطوير الصواريخ والأسلحة التقليدية التي ستجعل من إيران قوة نووية كامنة خلال عشر سنوات.
واختتم التقرير بقوله «في كلتا الحالتين، فإن السيد خامنئي، وليس خصومه المعتدلون، هو من يتصرف، وكأن الاتفاق النووي قد قوّى موقفه». قال السيد خامنئي في خطاب في الأول من أغسطس (آب) «إن مشكلتنا مع أمريكا وأشباهها في المسائل الإقليمية والعديد من المسائل الأخرى لا تُحلّ عبر المفاوضات. علينا أن نختار طريقًا بأنفسنا، وأن نسلكه. عليك أن تجعل عدوك يجري وراءك».
مترجم عنWhy the Ayatollah Thinks He Won
ساسة بوست