ثمة اهتمام متزايد لدى مختلف أصحاب المصالح في تحقيق الأجندة الدولية لعام 2030 للتنمية المستدامة. وتأتي أهمية الأجندة نفسها من كونها نتيجة عملية تشاورية حول العالم استمرت أربع سنوات، شملت أطرافاً مختلفة، لكن الأهمية تنبع أيضاً من تحول حجم التحديات التي تعالجها الأجندة إلى تهديد حقيقي للبشرية، بدءاً بالقضايا المناخية والكوارث الطبيعية وليس انتهاء بتحديات السلام والأمن والكوارث التي يصنعها البشر.
لم يعد تطبيق «أجندة 2030» خياراً، بل اصبح واجباً لتجنب التدمير الذاتي الناتج عن الممارسات الخاطئة وغير المسؤولة وبالتالي لإنقاذ كوكبنا. لكن السؤال الرئيس الواجب طرحه الآن يتعلق بالطرق المطلوب اتباعها لتطبيق الأجندة، خصوصاً لكونها خطوة بالحد الأدنى باتجاه إنقاذ كوكب الأرض.
أجمع الخبراء والمعنيون وعدد من المسؤولين الدوليين على اعتبار التفاوت من أبرز الأسباب الجذرية للاضطرابات السياسية، وانعدام الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، إلى جانب المخاوف الثقافية. لكن التفاوت يجب أن يُعالَج باتخاذ تدابير جدية تتجاوز بأشواط السياسات «المعتادة». فالفوارق على أنواعها لا يمكن أن تُعالَج ما لم يجرِ تبنّي تدابير جدية تحقق إعادة التوزيع في شكل عادل.
والنمو الاقتصادي، بغض النظر عن الطبيعة التي يتخذها (أخضر، دامج، مستدام… إلخ)، لن يكون كافياً ما لم ينتج عن نموذج مشتمل وتشاركي وما لم يُعَد توزيعه في شكل منصف، لذلك يجب أن ينتج عن اقتصاد منتج وحقيقي. ويجب أن يكون الاقتصاد المنتج مستداماً وقائماً على إعادة التوزيع فيساهم في خلق وظائف لائقة ومستدامة.
يمكن القضاء على التفاوت من خلال التزام علني بمبدأ «المسؤولية المشتركة لكن المتمايزة»، فمواجهة التحديات الحالية تتطلب تعبئة موارد عامة من مصادر مختلفة، وليس فقط من جيوب الفقراء والطبقات الوسطى.
كذلك تتطلب أجندة 2030 التزاماً ثابتاً بـ «الشراكة العالمية من أجل التنمية»، وهي شراكة لا تتعلق بالمساعدات فقط، ولا بالمساندة التقنية والمعنوية وبالاستثمار فحسب، لا بل تشمل أيضاً خلق «بيئة عالمية ممكِّنة للتنمية» تساعد الدول النامية على تجاوز تحدياتها. وهذا لا يمكن أن يحصل إلا من خلال معالجة المعوّقات العالمية التي حددها خبراء معنيون باعتبارها عقبة رئيسة تعيق الجهود كلها. وفي الحقيقة، تتسبب المسائل «المنهجية» في النظام العالمي بالأزمة المتعددة الأبعاد وتمنع عن البلدان النامية حقوقها الأساسية في التنمية وتقرير المصير.
وتشتمل المسائل المنهجية على النظام التجاري العالمي والسياسات المالية وحركة رؤوس الأموال، إلى جانب تحديات تتعلق بالحوكمة العالمية، خصوصاً غياب المشاركة الديموقراطية والشفافية والمساءلة والمحاسبة. وثمة أهمية مماثلة للإشارة إلى أن أسس التنمية المستدامة هي ليست فقط الأسس الثلاثة التي أقرت بها أجندة 2030 (أي الاقتصاد والاجتماع والبيئة). ففي الواقع، يُعتبَر البعد السياسي، خصوصاً الحوكمة الديموقراطية والشفافية والمحاسبة المؤسسيتين بالإضافة إلى السلم والأمن، إلى جانب الأساس الثقافي، عنصريين بنيويَّين محوريَّين وبارزين في هذه الأجندة.
في هذا السياق، تشكلت «مجموعة التفكير لمنظمات المجتمع المدني» بمبادرة أطلقتها قبل ثلاث سنوات مجموعة من الشبكات والمنظمات العالمية بهدف التركيز على هذه المسائل بالذات من وجهة نظر المجتمع المدني. وشملت المجموعة «الراصد الاجتماعي»، و «المنتدى العالمي للسياسات»، و «شبكة العالم الثالث»، و «بدائل التنمية مع المرأة من أجل عهد جديد»، و «شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية»، و «مؤسسة فريدريش إيبرت».
ومنذئذ، وضعت «مجموعة التفكير» أوراقاً وتقارير كثيرة لكن أهمها كانت تلك التي حملت العنوان «هدف للأغنياء» وتتضمن أفكاراً حول أجندة 2030 ومشتقاتها أي أهداف التنمية المستدامة. وتفترض الورقة أن ثمة ثروة كافية لإنقاذ الكوكب من التهديدات والتشوهات والاختلالات كلها، لكن الثروة متركزة في أيدي مجموعة صغيرة محظية من الأشخاص والشركات. ويستغل هؤلاء النظام لتوليد مزيد من الثروة على حساب الأشخاص المحرومين. وترددت أصداء هذه الحقيقة في كثير من المناسبات التي تناولت الأزمة المتعددة الأبعاد التي بدأت عام 2007 وما حصل أخيراً في مسألة ما سُمِّي «أوراق بنما».
وهذا كان الحافز الرئيس وراء وضع «تقرير دائرة الضوء» الذي يتألف من 17 فصلاً تتناول الأهداف المختلفة للتنمية المستدامة و40 تقريراً وطنياً تُبرِز التحديات الرئيسة القائمة عند المستويات العالمية والوطنية. ووُضِع «تقرير دائرة الضوء» بمساهمات من عدد واسع من الشبكات العالمية والتحالفات الوطنية. وأُطلِق التقرير خلال «المنتدى السياسي الرفيع المستوى الثالث» الذي استضافته نيويورك في 7-20 تموز (يوليو). وستواصل «مجموعة التفكير» مع المساهمين في التقارير التنسيق لرصد تطبيق الأجندة ومراقبته ومحاسبة أصحاب المصالح المختلفين.
لقد أدى تجاهل الالتزام بالهدف الثامن من الأجندة التنموية السابقة والتي عرفت بأجندة الألفية وركزت على «الشراكة العالمية من أجل التنمية»، إلى فشل الجهود في تحقيق الأهداف السبعة الأخرى بعد انقضاء 15 سنة. ويجب عدم تكرار التجربة ذاتها مع الأجندة العالمية الجديدة، فإن لم تتغير الأمور بعد 15 سنة من الآن، سنجد أنفسنا كلنا في مواجهة أزمة وجودية عميقة وخطيرة.