ما تزال الحرب الأهلية المطولة في سورية بعيدة كل البعد عن الانتهاء. وقد انتهت أي فرصة حقيقة لانتصار الثوار مع دخول القوات الروسية حلبة الصراع في الخريف الماضي -ولكن، وفي حين أصبحت المبادرة الآن بيد نظام الأسد، فإن قوات الحكومة تبدو بعيدة تماماً هي الأخرى عن تحقيق اختراق حاسم. وإذن، من هو الطرف الذي يجب أن تدعمه المملكة المتحدة -إذا كان ثمة أحد يستحق الدعم- في المسلخ السوري، وما الذي قد يشكل تقدماً في هذه الأرض المحطمة المحترقة؟
يجب أن يكون واضحاً تماماً لماذا سيشكل انتصار نظام الأسد كارثة بالنسبة للغرب. فالأسد، المستخدم المتحمس للأسلحة الكيميائية ضد أبناء شعبه أنفسهم، يصطف مع أقوى تحالف مناهض للغرب في الشرق الأوسط -التحالف الذي تسيطر عليه جمهورية إيران الإسلامية. وهو يضم حزب الله في لبنان، والميليشيات الشيعية في العراق، وحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين. وإذا كسب الأسد، فإن التحالف الإيراني سيعزز هيمنته على كامل المنطقة من الحدود الإيرانية-العراقية إلى البحر الأبيض المتوسط -وهي خطوة مهمة في اتجاه تحقيق هيمنة إيران الإقليمية. وبذلك، فإن انتصاراً يحققه الأسد سوف يكون جيداً للإسلاموية -للطائفة الشيعية على الأقل- وسيكون سيئاً للسلم العالمي. وينبغي منع حدوث ذلك.
لكن الجدل يبدأ عندما يشرع المرء بالنظر في البدائل عن انتصار الأسد.
في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الماضي، زعم ديفيد كاميرون أنه حدد 70.000 من الثوار “المعتدلين” المستعدين لتحدي “داعش” في شرق سورية. لكن ذلك الرقم هو مجرد أسطورة. كان كاتب هذا المقال من بين أوائل الصحفيين الغربيين الذين قضوا وقتاً في سورية مع الثوار. وقد عدت مؤخراً من رحلة إلى جنوب تركيا؛ حيث قابلت مقاتلين وقادة من ائتلافات الثوار الرئيسية. ومن دون أي متعة مخصوصة، وإنما بقدر كبير من الثقة، أستطيع أن أبلغكم بأن الثورة السورية اليوم أصبحت خاضعة بالكامل لهيمنة قوى إسلامية سنية؛ وأن الأكثر قوة من بينها هي الأكثر تطرفاً.
يدعى أقوى ائتلاف للثوار في سورية اليوم “جيش الفتح”. وهو يتكون من ثلاثة عناصر أساسية: “أحرار الشام”، وهي جماعة جهادية سلفية؛ و”جبهة النصرة”، التي كانت حتى وقت قريب فرع تنظيم القاعدة الرسمي في سورية، وغيرت اسمها الآن إلى “جبهة فتح الشام”؛ وهناك “فيلق الشام”، الذي يستمد أيديولوجيته من فرع جماعة الإخوان المسلمين من الإسلام السياسي السني.
يهيمن “جيش الفتح” على المنطقة الرئيسة التي يسيطر عليها الثوار في حلب، وإدلب، واللاذقية وشمال حماة. وتسعى مكوناته المختلفة إلى إقامة دولة يحكمها قانون الشريعة الإسلامية. وليس هناك سبب لافتراض أن إعلان “جبهة النصرة” التخلي عن انتمائها إلى “القاعدة” كان أكثر من مجرد تحرك تكتيكي. وعندما يتحدث المرء عن الثورة السورية اليوم، فإن المرء يتحدث عن “جيش الفتح”. وتستطيع جماعات “الجيش السوري الحر” التي ما تزال قائمة أن تظل موجودة فقط بإذن من “جيش الفتح”، وفقط طالما ظلت تخدم غرضاً مفيداً له. وفي الحالة غير المحتملة الآن على الإطلاق، والمتمثلة في تمكن الثوار من هزيمة نظام الأسد وإعادة توحيد سورية تحت حكمهم، فإن البلد سوف يصبح دكتاتورية إسلامية سنية.
وإذن، إذا لم تكن هناك أي مصلحة لبريطانيا أو للغرب في انتصار نظام الأسد ولا انتصار الثوار، فما الذي ينبغي عمله فيما يتعلق بسورية؟
أولاً، وقبل كل شيء، من المهم أن نفهم أن “سورية” كدولة موحدة لم تعد موجودة بعد الآن. وقال لي أحد قادة الثوار، والذي قابلته في بلدة كليس التركية الحدودية في حزيران (يونيو): “سورية اليوم مقسمة إلى أربعة مشاريع، والتي لا يمتلك أي منها ما يكفي من القوة لهزيمة كل الآخرين. هناك نظام الأسد؛ والثورة؛ والأكراد؛ و”داعش”. وهو تشخيص دقيق.
وهكذا، تتطلب بداية انتهاج سياسة متساوقة تجاه سورية فهم حقيقة أن ذلك البلد أصبح مقسماً إلى جيوب، وأنه لن يتم توحيده في المستقبل القريب، إذا كان يمكن توحيده على الإطلاق”.
اختارت القوى الخارجية المختلفة دعم عنصر أو آخر في هذا المشهد. ويدعم الروس والإيرانيون النظام في حين تدعم تركيا وقطر والسعودية الثوار الإسلاميين.
كما أقام الغرب أيضاً علاقة “راعٍ-عميل” ناجحة وفعالة مع قوات سورية الديمقراطية التي يقودها الأكراد. وهذه القوة التي تهيمن عليها قوات حماية الشعب الكردية، وإنما التي تضم أيضاً قوات من القبائل السنية مثل ميليشيا “الصناديد”، هي القوة التي تقلِّص مناطق سيطرة “داعش” في سورية، في شراكة مع القوات الجوية والقوات الخاصة الغربية.
على النقيض من المحاولات التي كثيراً ما تكون هزلية لتحديد شركاء للغرب من بين الثوار السوريين السنة، فإن الشراكة مع قوات سورية الديمقراطية تعمل. ولا يمكن أن تمر الأسلحة إلى الجماعات الجهادية المتطرفة أو أن تستولي عليها هذه الجماعات، لأن قوات سورية الديمقراطية في حالة حرب مع هذه الجماعات. وينتج التدريب والمساعدة اللذان تتلقاهما هذه القوات قوة موحدة بسلسلة قيادة واحدة. وتستولي هذه القوة على الأرض وتقوم بتحرير السوريين الذين يعيشون تحت حكم “داعش”.
كما تقتضي مبادئ المنطق، يجب البناء على هذا النجاح، ومن الواضح أن التحالف مع قوات سورية الديمقراطية يجب أن يعزز وينمو. والآن، يلتزم الغرب، محقاً، بتدمير “داعش”. ويجب تسريع وتيرة الحرب ضد التنظيم الإرهابي. وكما شوهد في نيس، وفورتسبورغ، ونورماندي وأماكن أخرى في الأسابيع الأخيرة، فإن “داعش” هو كيان سوف يشن الحرب على الغرب إلى أن يتم تدميره.
سوف يفضي تدمير “داعش” على يد قوات سورية الديمقراطية المعززة إلى ضمان سيطرة عميل للغرب على المنطقة الواقعة في شرق نهر الفرات في سورية، والذي لديه أوراق اعتماد مثبة لمناهضة الإرهابيين. وأبعد إلى الغرب، سوف تكون الجيوب التي اقتطعها نظام الأسد والثوار العرب السنيون. ومن المحتمل أن يتم إضفاء الطابع الرسمي على تفتيت سورية مع مرور الوقت، لكن من المحتمل بالمقدار نفسه أن تظل الأجزاء المختلفة المكونة للبلد في وضع الأمر الواقع في المستقبل المنظور.
لكن ما يهم هو أن يتم تجنب ثلاث نتائج: يجب عدم السماح لنظام الأسد بإعادة توحيد سورية تحت حكمه؛ كما لا يجب السماح للمتمردين الإسلاميين بتأسيس دولة جهادية في البلد هم أيضاً؛ ويجب عدم السماح لتنظيم “داعش” بالبقاء في الوجود. وعن طريق تعزيز التحالف مع قوات سورية الديمقراطية، والاستفادة منها ومن حلفائها لاستعادة الرقة وتدمير “داعش” في الشرق، ثم السماح لأجزائها المكوِّنة بإقامة حكم لها في شمال وشرق سورية، فإن هذه الأهداف يمكن أن تتحقق. على سبيل التغيير، وجدت الولايات المتحدة وحلفاؤها قوة مناهضة للإسلاميين ومعادية للجهاديين بلا أي لبس في الشرق الأوسط، والتي لديها عادة كسب معاركها. وهو نجاح ينبغي تعزيزه والبناء عليه.
جوناثان سباير – (ذا سبكتيتور) 20/8/2016
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
*نشر هذا المقال تحت عنوان:
Who should rule Syria? Nobody
نقلا عن الغد الاردنية