عند الحديث عن الميليشيات النسائية والمرأة المسلحة والمقاتلة في الصراعات الدائرة في المنطقة، على غرار الحرب في سوريا، وأيضا في العراق، تتبادر إلى الذهن صورة النساء الكرديات، وهن بالزي العسكري ويحملن البنادق، وعلى رؤوسهن ذلك الوشاح المزين بالأزهار وألوانه الفاقعة.
وقبل أن تظهر الميليشيات النسائية في سوريا مع فصيل وحدات حماية المرأة التابع لحزب الاتحاد الديمقراطي، برزت ظاهرة المقاتلات مع أكراد العراق وبشكل أكبر مع حزب العمال الكردستاني، في صراعاته مع الدولة التركية، لتنتقل تجربة الميليشيات النسائية و”لبؤات الجبل” إلى ساحة الحرب السورية.
وفي هذا الصراع، اتخذت شكلين متضادين، الأول، وهو يبدو طبيعيا بالنظر لتجربة النساء المقاتلات في صفوف الأكراد، وهذا الدور يتناسب مع الفكر العلماني واليساري لحزب العمال الكردستاني، الذي يعتبر حزب الاتحاد الديمقراطي الجناح السوري التابع له.
ويتمثل الشكل الثاني لظاهرة النساء المقاتلات في سوريا في اعتماد النظام السوري أيضا على مجموعة من المقاتلات. وبرزت هذه الظاهرة إلى العلن مع مقتل غصون أحمد في حلب في أواخر شهر أغسطس الماضي. وتلقب غصون أحمد بلقب أميرة الأسد، وهي من محافظة طرطوس، وتبنت فكر المقاومة الأيديولوجية التي تروج لها ميليشيا حزب الله السوري في مناطق طرطوس ومصياف، ومعظم مناطق غرب سوريا.
المرأة ترفع السلاح
الظروف القاسية التي خلّفتها الحرب في نفوس السوريات غيّرت من طبيعتهن وهيأت أرضية خصبة نحو التوجّه إلى تجنيد النسوة. ولم تكن غصون أحمد معروفة، كما لم يكن انتماؤها واضحا إلا عندما عرضت فضائية قناة “سما تي.في”، السورية، مشاهد من جنازتها، والتي تخللتها شعارات ما يعرف بالمقاومة العقائدية الزينبية. وزعمت بعض النشريات على مواقع التواصل الاجتماعي أنها كانت في صفوف ميليشيا الاستخبارات العسكرية، قوات درع الأمن العسكري.
مع زيادة أعدادها وتعدد جبهاتها أضحت ظاهرة الميليشيات النسائية في سوريا حالة مثيرة للاهتمام
وتم رصد ميليشيات نسائية أخرى، على غرار لبؤات الجبل، وهي مجموعة من محافظة السويداء ذات الأغلبية الدرزية. وتشير عبارة “الجبل” إلى جبل العرب وجبل الدروز. وقد تم إنشاء حساب على فيسبوك للميليشيا، وتم وضعها في معسكر الفصائل الموالية للنظام السوري في السويداء.
تشير بعض المصادر إلى أن فصيل لبؤات الجبل في يوليو 2015، تشكل بناء على توصية من العميد وفيق ناصر، قائد الاستخبارات العسكرية في جنوب سوريا. وهو فصيل من النساء اللاتي يرغبن في التجنيد، وقد تلقين ثلاث دورات تدريبية على أيدي ضباط من فرع الاستخبارات العسكرية ولم يتجاوز عددهن الثلاثين شابة.
ورحب جزء من سكان السويداء بهذا الفصيل وقالوا إنه واجب على كل امرأة أن تتدرّب على استخدام السلاح لمواجهة الخطر المتزايد الذي يحدق بالمحافظة. لكن شريحة واسعة من سكان السويداء عارضت هذا الفصيل بقوة، ومن بين المعارضين الزعيم السابق لفصيل “رجال الكرامة” الشيخ وحيد البعلوس (تم اغتياله في سبتمبر عام 2015) الذي قال “من العار على المرأة أن تحمل السلاح طالما هناك رجال يدافعون عن المحافظة”.
ولم يتم إيفاد هذا الفصيل، الذي تلقى دورة تدريبية صيفية في غزة، إلى المناطق الساخنة ولم يشارك في القتال الدائر حتى اليوم، لكنه سبب غضبا عارما بعدما حاولت هذه المجموعة النسائية المسلحة مهاجمة متظاهرين خرجوا في مظاهرة، في وقت سابق من هذا العام، تطالب بتحسين ظروف المعيشة، ورفع خلالها شعار “حطمتمونا في السويداء”.
وقالت مزنة الأطرش، مسؤولة الإعلام في مضافات الوطن، وهي مؤسسة لها مجموعة متنوعة من الأنشطة في السويداء، “أنشأت مها الأطرش، وهي خريجة المعهد العالي للفنون المسرحية والمؤلفة الموسيقية، وابنة المخرج والكاتب ممدوح الأطرش، مؤسس مضافات الوطن، بادرة لبؤات الجبل بسبب إيمانها بدور المرأة في حماية الأرض، حيث يجب أن تكون مساعدة للرجال في الدفاع عن الوطن، حتى أنها أعدت مجموعة من المدربين، لتعليم القتال المباشر وكيفية التعامل مع الأسلحة واستخدام البندقية، وكذلك تدريب المرأة لمواجهة الكوارث وحتى تعليم النساء كيفية إعداد الطعام للمقاتلين”.
كتائب نسائية معارضة
جاءت هذه المعطيات بشأن لبؤات الجبل ضمن دراسة، موثقة بصور، أعدّها أيمن جواد التميمي، وهو طالب في كلية براسنوس بجامعة أوكسفورد، وزميل شيلمان-جينسبرج في منتدى الشرق الأوسط، الذي رأى البعض من المحللين السوريين، أن دراسته مبالغ فيها. وأشاروا في تعليقهم لـ’العرب” على ظاهرة الميليشيات السورية التابعة للنظام السوري، إلى أنها وسيلة يحاول النظام توظيفها إعلاميا وأنهم لا ينخرطون في القتال، ويدللون على ذلك بأن منطقة السويداء التي هم منها لا توجد فيها معارك.
أرجعت تقارير صحافية سبب ضم العنصر النسائي للقتال إلى الخسائر البشرية، التي تكبدها جيش الأسد النظامي في تلك الفترة، وهو ما نفته مصادر سورية، من أصل درزي من السويداء، مؤكدة لـ”العرب” أن النظام يستخدم مثل هذه الميليشيات للاستعراض. ويضيف المحللون أن أغلب المنضويات تحت لواء هذه الميليشيات انضممن لعدم توفر وظائف ونظرا للإغراءات المادية وليس لينخرطن في المعارك. ولا ينفي المحللون أن المرأة لعبت أدوارا أهم في جماعات أخرى، فهناك سوريات انضممن إلى جماعات مسلحة مدعومة من حزب الله، كان دورهن يقتصر على الحراسة في مناطق بعيدة عن الاشتباك.
تبقى لبؤات الجبل في كل الأحوال ميليشيا رئيسية في محافظة السويداء، وإحدى نماذج ظاهرة النساء المقاتلات التي أفرزتها الحرب السورية
لكن، وبغض النظر عن طبيعتها وانتماءاتها، تبقى لبؤات الجبل في كل الأحوال ميليشيا رئيسية في محافظة السويداء، وإحدى نماذج ظاهرة النساء المقاتلات التي أفرزتها الحرب السورية، والتي لم تعد ظاهرة كردية فقط، بل توسعت، كما هو موضح من خلال لبؤات الجبل الدرزية لتشمل أقليات وجماعات أخرى على غرار وحدات الحماية النسائية لبلاد ما بين النهرين، وهي كتيبة مشكلة من فتيات السريان المسيحيات، لمواجهة داعش.
وهناك كتيبة المغاوير النسائية على خط المواجهة مع مقاتلي المعارضة، كما ظهر في 2012 تشكيل آخر من اللبؤات المدافعات عن النظام السوري، حمل اسم “لبؤات الأسد”، التي تولت إدارة الحواجز في البعض من أحياء حمص، وكلفت بمهام التفتيش ومراقبة السيارات والأشخاص المشكوك في ولائهم للنظام.
وتبرز، على الجبهة المقابلة، صورة “غيفارا” تلك المرأة التي شغلت مواقع التواصل الاجتماعي في 2013 باعتبارها أول امرأة قناصة في صفوف الجيش السوري الحر، وقد التحقت بصفوف المعارضة المسلحة في حي صلاح الدين بحلب بعدما دمر منزلها وقتل عدد من أفراد عائلتها. ومن نماذج الجماعات النسائية المسلحة الأخرى كتيبة نسائية تحمل اسم “أمنا عائشة” وكتيبة “بنات ابن الوليد”، اللتان شكلهما الجيش الحر في سنة 2013، كما دخل تنظيم الدولة الإسلامية القائمة بكتيبتي “الخنساء” و”أم الريان”.
مثلما أدت المشكلات الاجتماعية، إلى ظهور فئات شابة ضعيفة انقادت وراء التنظيمات المسلّحة، ساهمت ظروف الحرب المريرة في دفع السوريات، اللاتي وجدن أنفسهن سبايا داخل وطنهن، أرامل ويتامى وفتيات معرّضات للعنف والقتل والاغتصاب، إلى حمل السلاح. ومع زيادة أعدادها وتعدد جبهاتها أضحت ظاهرة الميليشيات النسائية في سوريا حالة مثيرة للاهتمام وتستوجب الدراسة والبحث، خصوصا على مستوى علاقاتها السياسية وانتماءاتها الأيديولوجية.
صحيفة العرب اللندنية