منذ تسعينات القرن الماضي بدأت منتديات الشباب المؤمن نشاطها، ونجحت في استقطاب عدد من الشباب، بعدها بقليل ومنذ عام 2000، بدأ حسين الحوثي خطاباته التي أصبحت تمثل المرجعية السياسية للحوثي، وهي تعبر عن تأثره السياسي بالثورة الإيرانية ومفرداتها، لكن دون انحراف عقائدي عن الزيدية، التي رأى حسين الحوثي أنها انحرفت عن مسارها، ولا بد من إعادة الزيدية إلى مسارها الطبيعي من الاهتمام بالعبادات لتطبيق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
في 2004 اندلعت المواجهات بسبب محاولات الأمن في صعدة إلقاء القبض على حسين الحوثي؛ بتهمة تكوين تنظيم مسلح يتمرد على الدولة. وتقول الباحثة ميساء شجاع الدين في دراستها المعنونة بـ“الطَّائفية وسيلة النُّخبة السِّياسية اليمنية الجديدة” إنه ضمن خلفية قرار المواجهة العسكرية، من المعروف أن اليمن كان قد بدأ التزامه الدولي في مكافحة الإرهاب بعد حادثة المدمرة كول في ميناء عدن عام 2000، واستغل النظام شعار الحوثي “الموت لأميركا.. الموت لإسرائيل” للترويج لهذه المواجهة دولياً بأنها ضمن التزاماته في مكافحة الإرهاب.
وجاء في الدراسة التي تضمنها كتاب “الفرص والتحديات في دول الخليج 2” الصادر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث في دبي بأنّه على الرغم من الطبيعة الراديكالية العنيفة لجماعة الحوثي وشعاراتها المعادية لأميركا، فإنها لم تتورط في أي هجمات استهدفت المصالح الغربية، سواء داخل اليمن أو خارجه، كما يفعل تنظيم القاعدة، ومحاولة تسويق أن حرب الدولة اليمنية ضد الحوثي ضمن مكافحة الإرهاب، كانت إحدى محاولات النظام اليمني للتحايل في حربه الطويلة ضد الإرهاب.
الحوثي بدأ توسعه العسكري خارج حدود صعدة منذ عام 2011، وكانت اشتباكاته تواجه حزب الإصلاح وتحالفاته القبلية
قتل مؤسس الحركة حسين الحوثي في أول مواجهة عسكرية للحوثيين ضد الجيش اليمني في سبتمبر (أيلول) 2004، لكن توالت جولات الحرب حتى يناير (كانون الثاني) عام 2010، وبلغت ست جولات. أثناء هذه الفترة الطويلة، بدأت الحرب تتّخذ أشكالاً مختلفة، ولوحظ تطور كبير على المستويين العسكري والتنظيمي للجماعة الحوثية، وكذلك بدأت الحرب تكوّن اقتصادها وآلياتها التي تحركها بشكل تلقائي.
إضافة إلى هذا، فإن علي عبدالله صالح حرص على استمرار الحرب للتخلص من شريكه في الحكم؛ قائد الجيش علي محسن الأحمر، وهو رفيقه ومن قريته وقبيلته نفسها، وكان الاتفاق بينهما على أن يخلفه علي محسن في حال مقتله (صالح) أو وفاته، وهذا ما سمي بـ“العهد” الذي حضره مشايخ قبيلة سنحان. بالطبع كان مشروع التوريث انقلاباً على هذا العهد، وعارضه بشدة علي محسن، وقام صالح بتأسيس جيش موازٍ لابنه، بينما زج بعلي محسن وفصيله العسكري في حرب صعدة، وهكذا تلقى الحوثي دعماً خفياً من السلطة اليمنية. بدأ الحوثي توسعه العسكري خارج حدود صعدة منذ عام 2011، وكانت اشتباكاته تواجه حزب الإصلاح وتحالفاته القبلية، وليس الجيش اليمني الذي كانت بعض فصائله تقاتل حزب الإصلاح وتحالفاته القبلية، ضمن صراع أجنحة السلطة داخل السياق الثوري الذي شهده البلد آنذاك.
لعل أبرز المواجهات العسكرية بين الحوثيين والإصلاحيين عام 2011 كانت في محافظة الجوف بشرق اليمن، وكذلك محافظة حجة بالغرب. طبيعة التباين المذهبي دفعت الكثيرين إلى وضع المواجهات ضمن الحرب المذهبية، وهي بالفعل حرب توسعت جغرافياً من قبل الحوثي، واعتبرها الإصلاح تعدياً على البعض من مساحات نفوذه، أو محاولة لاستغلال انشغال الدولة بالثورة في التوسع جغرافياً، وهو ما يشكل تهديدا له، ومع غياب الدولة ظل الاثنان في مواجهة بعضهما البعض دون قدر كبير من التعاطف الشعبي أو الاهتمام الإعلامي.
في سياق التوسع العسكري الحوثي، كان هناك حدثان محوريان قبل سقوط صنعاء، أولهما المواجهات بين الحوثيين وسلفيي دماج، التي انتهت بترحيل السلفيين من محافظة صعدة في يناير (كانون الثاني) 2014. وهذه المواجهات اتّخذت طابعا مذهبياً صريحاً بين من يسميهم السلفيون بالروافض، ومن يسميهم الحوثيون بالتكفيريين، ونهاية المواجهات كانت مثيرة للقلق؛ لأنها انتهت بالترحيل وليس بالتعايش وفض الاشتباك عبر الدولة وقوانينها، وهذا يعني بداية خلق كانتونات مناطقية ومذهبية باليمن، خاصة أنه سبق وأن تم تهجير يهود صعدة من قبل الحوثيين.
علي عبدالله صالح حرص على استمرار الحرب للتخلص من شريكه في الحكم؛ قائد الجيش علي محسن الأحمر، وهو رفيقه ومن قريته وقبيلته نفسها
الحدث التالي كان معركة إسقاط عمران، وهي معركة مزدوجة استهدفت أولاً أسرة الأحمر ومشايخ قبيلة حاشد، واستغلت حالة الاحتقان ضد الأسرة التي كانت تعد أحد مراكز النفوذ الأسري المهمة باليمن، إضافة إلى الغضب الشعبي على حزب الإصلاح الذي ترتبط به أسرة الأحمر، حيث كان والدهم المتوفى الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر رئيس الحزب حتى وفاته في 2009، كما أن ابنه حميد الأحمر رجل أعمال وقيادي مهم بالحزب. حزب الإصلاح كان في تلك الفترة اكتسب الكثير من الأعداء بسبب رداءة أدائه في السلطة، والأهم هو رفعه لسقف توقعات الناس عام 2011، وبالطبع كانت النتيجة معاكسة تماماً لكل ما رفعه الحزب من شعارات.
انتهت المعركة مع أولاد الشيخ عندما نجح الحوثي في تفجير منزلهم في محافظة عمران في فبراير (شباط) 2014، ثم تم عزل محافظ محافظة عمران، وهو إصلاحي، في أبريل (نيسان). وظلت المعركة مستمرة، هذه المرة ضد أحد أكبر ألوية الجيش، اللواء (310) بقيادة اللواء حميد القشيبي، وهو أحد القادة العسكريين المقربين من القيادي علي محسن غريم الحوثيين في حروب صعدة وصاحب الارتباطات القوية بتيارات الإسلام السني المتعددة.
اللافت في المواجهات هو استمرارها لما يقرب من ستة أشهر دون أي دعم جوي من الدولة للواء العسكري، حتى انهار وقتل قائده في الثامن من يوليو (تموز) من عام 2014. يمكن القول: إن البعد الطائفي بدأ يتصاعد مع كل مرحلة حرب، من حرب صعدة التي كانت حرب الدولة ضد جماعة متمردة، حتى حرب عمران التي كانت بين جماعة متمردة ولواء جيش اتهمه البعض بالانشقاق، وبدا واضحاً أن رئيس الدولة لا يتحكم تماماً في مفاصل دولته. طبيعة التركيبة المذهبية لجماعة الحوثي في توسعاتها العسكرية، إضافة إلى الغياب المتزايد للدولة، والذي حاول حزب الإصلاح شغله، كلها عوامل أسهمت في تعزيز البعد الطائفي.
صحيفة العرب اللندنية