ولعلّ الخبر لم يكن مفاجئا لكثيرين، فمئات الغارات الجوية وآلاف الصواريخ والقذائف لم تترك باب الخيارات مفتوحا أمام فصائل المعارضة، إلا أن خسارة هذه المنطقة الإستراتيجية وتقدم قوات النظام باتجاه بلدات أخرى كان له وقع شديد في نفوس أهالي الغوطة.
ونشر جيش الإسلام مساء الاثنين الماضي بيانا على مواقع التواصل الاجتماعي أعلن من خلاله الانسحاب من بلدة تل كردي، وذلك “بعد معارك طاحنة استمرت لأكثر من خمسين يوما، استخدمت مليشيات الأسد فيها سياسة الأرض المحروقة مما اضطر المجاهدين للتراجع عن المنطقة”.
وتبعد بلدة تل كردي حوالي 15 كيلومترا إلى الشمال الشرقي من مدينة دوما كبرى مدن الغوطة الشرقية الخارجة عن سيطرة قوات النظام، وتتميز بوجود عشرات المعامل والمنشآت الصناعية والمستودعات، إضافة إلى مساحات من الأراضي الزراعية.
حرب استنزاف
وفي حديث للجزيرة نت، شبّه الناشط الإعلامي يوسف البستاني المعارك التي دارت في بلدة تل كردي بحرب الاستنزاف لمقاتلي جيش الإسلام وقوّات النظام في آن واحد، ونبّه إلى أن “القصف الهستيري أجبر مقاتلي المعارضة على الانسحاب، حيث لا تحتوي المنطقة المليئة بالمعامل على مبانٍ يمكن التمترس فيها، وإنما مجرد أبنية مسطحة لا تقاوم القصف الثقيل من الطائرات ومختلف أنواع الصواريخ”.
وأكّد البستاني -وهو الناطق باسم المكتب الإعلامي لدمشق وريفها- استخدام قوات النظام مئات القذائف الصاروخية والمدفعية وصواريخ أرض أرض، إضافة إلى عشرات غارات الطيران نهارا وليلا خلال معارك تل كردي، و”هو ما يعتبر تصعيدا عسكريا كبيرا في منطقة صغيرة كهذه”، على حد تعبيره.
وأتاحت سيطرة قوات النظام على تل كردي -بحسب الناشط الإعلامي- التقدم والتمهيد للسيطرة على بلدة الريحان المجاورة تماما لمدينة دوما، وهو ما يزيد من قلق أهالي الغوطة وتخوفاتهم بشأن اقتحام دوما وشن حملات عسكرية ضدها.
ورأى البستاني أن “الوضع الميداني بحالة ترقب واستنفار مع تخوف من الهجمات القادمة والوجهة الجديدة لقوات النظام التي قد تكون بلدة الريحان أو منطقة الشيفونية، كما أن جبهات الغوطة تعاني من حالة التشتت التي يتسبب بها الانقسام العسكري وعدم وجود غرفة تنسيق عسكرية تجمع فصائل الغوطة، بهدف كسر شوكة النظام الذي يحاول التقدم أكثر باتجاه مدن الغوطة والسيطرة على المزيد من الأراضي الزراعية”.
مظاهرات حاشدة
ولم يخف سكان مدن الغوطة وبلداتها خلال الأيام الفائتة تخوفهم من التقدم التدريجي لقوات النظام على محاور وجبهات عدة أهمها الشرقية والشمالية، فخرجوا بمظاهرات حاشدة -كان آخرها اليوم الجمعة- تحت شعار “أنقذوا الغوطة الشرقية”، طالبوا فيها بإنشاء غرفة عمليات مشتركة وإشعال كافة الجبهات، وهي استمرار لمظاهرات تشهدها الغوطة منذ أسابيع.
وأشار البستاني إلى أن انسحاب مقاتلي المعارضة من أي منطقة يضعف خطوط الدفاع عن بلدات الغوطة الشرقية الخارجة عن سيطرة النظام، وأضاف أن “المناطق المحاصرة والتي أرهقها الحصار منذ أربعة أعوام لا سبيل أمامها سوى الدفاع والقتال المستمر، وإلا فالانهيار مصيرها المحتوم”.
من جهتها، لم تخف وسائل إعلام النظام “فرحتها” بالسيطرة على بلدة تل كردي، وأعلنت “بدء أعمال صيانة الطريق المؤدي للبلدة وتفكيك الألغام والعبوات الناسفة بعد دخول قوات النظام السوري إليها، إضافة لزيارة محافظ ريف دمشق المنطقة استعدادا لعودة الصناعيين واستعادة معاملهم التي دمرها الإرهابيون”، وذلك بحسب ما ورد في صحيفة الوطن المقربة من دوائر الحكومة السورية.
كما أصدر محافظ ريف دمشق قرارا نشرته بعض وسائل الإعلام السورية، يقضي بتشكيل لجنة للإشراف على تسليم المنشآت الصناعية والحرفية والمستودعات لأصحابها في منطقة تل كردي.
لكن يبدو أن محافظة ريف دمشق تناست أن أصحاب تلك المنشآت لن يجدوا على الأغلب ما يمكن أن يستعيدوه في المنطقة التي أكد البستاني “دمار معظمها بسبب القصف الهستيري، وسرقة ما تبقى فيها بعد دخول قوات النظام إليها”.
سلافة جبور
الجزيرة نت