ليس مصادفةً بعد مرور أكثر من 21 يوم على بدء معركة الموصل، والتي شارفت على مرحلة الحسم (إعلامياً) أن يتم الإعلان عن معركة موازية، لعزل الرقة في شمال سورية، بناءً على رغبة واشنطن التي حسمت السجال حول طبيعة الأطراف المشاركة في المعركة، لصالح حصانها طروادة المتمثل “بقوات سوريا الديمقراطية”.
كما أنّ التصريح الذي ظهر على لسان الناطق باسم قوات “قسد”، العقيد طلال سلو، في السادس من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، ما كان ليكن لولا إعطاء ضوء أخضر أميركي على استلام دفة القيادة في المعركة، مع عدم السماح لفصائل الجيش الحر في المشاركة، إضافةً إلى رفضه المشاركة التركية في المعركة.
عندما تلتقي الأهداف، فلا داعي للأسباب، فما زالت تراهن الوحدات الكردية على تحقيق الحلم الكردي، وما زالت تعوّل على الحليف الأميركي، فهي ترغب في التفرّد في المعركة أرضاً مع إسناد من قوى التحالف جواً، لوصل الرقة بعين العرب (كوباني) على حساب أيّ مكوّن آخر. لذا، أي مشاركة لأي فصيل عربي سيبعدها عن هذا الهدف، خصوصاً أنّ معركة درع الفرات التركية المتواصلة وصلت إلى أواخر مراحلها، وهي على أبواب مدينة الباب، وجميع الأطراف دخلت في سباق زمني للوصول إلى تلك المدينة الاستراتيجية للنظام، وحليفه الكردي من جهة، وتركيا وفصائل الجيش الحر من جهة أخرى، فمن يصل أولاً يقطع الطريق على الآخر.
تنذر معركة الرقة بالخطر إلى اندلاع حرب مذهبية عرقية قد تؤجّج وتوّسع دائرة الفوضى العارمة بين كلّ المكونات في المنطقة، فلا أحد يقبل أن تتحوّل الرقة من احتلال إلى احتلال، والذي يدير هذه الأمور بشكل علني، ويأمر بها، هي أميركا، فلماذا لم توكل المهام لفصائل الجيش الحر، ولماذا لا يتولّى تحريرها أهلها من ثوار الرقة والفصائل العربية، فهم أدرى بأرضهم، وأحق من غيرهم بهذه المعركة، وهل تضمن واشنطن عدم ارتكاب قوات “قسد” مجازر بحق العرب، وتهجيرهم من أرضهم، كما فعلوا بتل أبيض والحسكة وعين العرب كوباني الموّثقة بتقارير دولية.
التزامن في معركة الرقة ومعركة الموصل أمر مدروس أميركياً، لأنّ العمق الاستراتيجي لداعش يكمن في المنطقتين، فمن الممكن تحقيق عدّة أهداف كامنة خلف هذا التنظيم، فعندما يقول وزير الدفاع الأميركي، آشتون كارتر، إنّ معركة الموصل طويلة، ويصف معركة الرقة بالصعبة، فمن المرجح أنّ هناك لعبة أميركية مجهّزة في الرقة، ربما تهدف إلى المضي في استهداف كلّ المكوّنات الموجودة في الرقة، وخصوصاً العرب السنة.
ولا زالت أميركا ترغب بالتصاعد في الفوضى العارمة في المنطقة، وخلط جميع الأوراق، لاستنزاف كلّ الأطراف في سورية والعراق، ريثما تأتي الإدارة الجديدة إلى البيت الأبيض، ولا أحد يستبعد أنّ واشنطن ترغب في خيار التقسيم المذهبي للمنطقة، على عكس دولٍ ترى في سورية موّحدة الهدف الأساسي لتحقيق مصالحها.
إقليمياً، أميركا قلقة من تمدّد النفوذ التركي، وربما منزعجة منه، فأرادت أن تفرض أمراً واقعاً على تركيا، لتحجيم التمدّد التركي، ووضع حد له عن طريق ذراعها الكردي والنظام السوري، وحتى إيران في مساندة الحشد الشعبي الإيراني، والذي بات خطراً يهدّد الأمن التركي، بتقدمه نحو مدينة تلعفر الاستراتيجية في شمال العراق.
أصبحت الخيارات التركية صعبة مع تقدّم واشنطن خطوة إلى الأمام، وبدا واضحاً الانزعاج التركي من سيطرة المليشيات الكردية على 6 قرى في شمال الرقة مع بدء إعلان المعركة، والرئيس التركي حذّر من عدم استقرار للمنطقة، إلا أنّ الأولوية التركية تكمن في المدى القريب في تأمين حدود المنطقة الآمنة، فالزيارة التي قام بها رئيس هيئة الأركان الأميركية، جوزيف دانفورد، إلى أنقرة، أظهرت نوعاً من التفاهم على المطلب التركي، من خلال تقديم توضيحات من تركيا لواشنطن بشأن إخلاء تنظيم الاتحاد الديمقراطي (الكردي) من مدينة منبج في أسرع وقت ممكن، فإن لم تشارك تركيا في معركة الرقة، فالمؤكد أنّها لن تتنازل أبداً عن استكمال التقدّم والسيطرة على مدينة الباب، لتشكيل جداراً عازلاً، يمنع تقدّم الأكراد، وهذا متعلّق بالتجاوب الأميركي، إلا إذا أرادت أميركا توريط تركيا أكثر في مزيد من الحروب.