تمنح العدالة الاجتماعية والإصلاح المدني ملامح انسانية ودوافع وجدانية تؤكد حقيقة التماسك المجتمعي وتآلف النسيج الوطني في مجمل الرؤية السياسية للدولة التي تسعى إلى إقرار حقوق الإنسان وإعطاء العدالة دورها المضيء في الإعداد والإصلاح للإنسان المخطئ وإيجاد الوسائل والأهداف الهادفة التي تؤهله إلى إعادته إلى مجتمعه والمساهمة في بناء بلده ومشاركة إخوانه من أبناء شعبه في الحفاظ على أمن وسلامة واستقرار وطنه.
هذه المفاهيم الإنسانية تمنح قرارات العفو العام التي تحرص أي دولة على إصدارها في مناسبات وطنية أو أعياد دينية لتعطي مجالًا حيويًا في عملية البناء الإنساني والإصلاح النفسي وتأهيل المحكومين وإعطائهم فرصة حقيقية لإعادة تكوين شخصيتهم واستقامة سلوكهم وتحسين أداء أعمالهم.
ما تعمل عليه المؤسسات القضائية والإدارات الحكومية والأجهزة الأمنية في العراق من إعداد دقيق لإكمال المبادئ والفقرات الخاصة بقرار العفو العام الذي طال انتظاره من ذوي المحكمين أو الموقوفين قضائيًا ونال العديد من المناقشات والحوارات والمساحات في أروقة مجلس النواب العراقي، إنما يتحدد بأهم المقومات التي تسعى إليها الأنظمة السياسية لتحقيق العدالة الاجتماعية والتي من خلالها يتم تحقيق المساواة بين جميع أفراد المجتمع ومنح خصوصية ذاتية والتمسك بالحق العام والدفاع عن الحقوق التي تتعلق بحياة وأمن الإنسان مع اكتسابه الحق في أخذ مكانته في المجتمع، ولكن ليس على حساب حقوق الآخرين أو الاعتداء عليهم، وتساهم المنظمات المدنية والإنسانية في تعزيز مفهوم الانتماء للوطن وتحقيق المساواة المجتمعية عبر العديد من الممارسات اليومية التثقيفية والدعوة إلى إصلاح المجتمع وإعطاء فرصة للذين أخطأوا بحق مجتمعهم على ألا تكون أفعالهم قد أدت إلى سفك الدماء وإزهاق الأرواح أو شاركت في استهداف حالة الأمن القومي والوطني للبلاد.
إن فعالية أي قرار للعفو العام إنما تتأتى من تثبيت الحق العام في إصلاح المؤسسات المجتمعية وإعطاء مساحة واسعة لتثبيت مبادئ وقيم العدالة الاجتماعية والترويج للعفو والتسامح بين أفراد المجتمع الحيوي الواحد.
ويتسم قانون العفو العام الذي ينتظره أبناء الشعب العراقي كونه جزءا حيويا ومهما يحدد مسار الحالة السياسية وصدق النوايا في تحقيق أجواء إيجابية لإعادة اللحمة بين أفراد المجتمع، ولكن عبر ضوابط قانونية إصلاحية تكتسب فعاليتها في الحفاظ على حقوق ذوي المجني عليهم وعلى مكانتهم وعدم التفريط بحقوق ذويهم.
ومجمل ما يسعى إليه قانون العفو العام من نقاط مضيئة إنه يمنح فرصة لمن أخطأوا لإعادة تقييم مسارهم الحياتي، والدعوة لانخراطهم في المجتمع بشكل طبيعي بما يترك آثاره الإيجابية على مستقبل حياتهم وعائلاتهم بالتخفيف عن معاناتهم وتقليل الأعباء الحياتية التي يعانون منها، عبر انطلاق عملية إقرار قانون العفو العام والبدء بتنفيذه بشكل حيوي يحفظ مكانة الإنسان ويدعم مبادئ العدالة الاجتماعية.
إن عملية السير التي ينطلق منها القانون ومروره بمراحله الدستورية وإقراره من قبل ممثلي الشعب، إنما يعني منح الآلاف من المحكومين الفرصة الذاتية للرجوع إلى جادة الصواب والانخراط في المجتمع والعودة لعوائلهم وإعادة الأمل لذويهم، بما ينسجم وحالة الإصلاح والبناء الإنساني الذي من أجله شُرِّع القانون.
إن الأهمية الإنسانية التي تساهم في إصدار القوانين التي تراعي الحرمة الإنسانية والحقوق المجتمعية بعدم العودة إلى الأسباب الموجبة التي صدرت من أجلها التعليمات الخاصة بهذه القوانين، والنظر في الاستفادة منها إنسانيًا واجتماعيًًا وأخلاقيًا، بحيث لا يعود المستفيد منها مرة ثانية إلى السجون ومراكز الإصلاح.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة