العراق وسياسة المراجعة في قضاياه الداخلية

العراق وسياسة المراجعة في قضاياه الداخلية

بعد سياسة النأي بالنفس التي اعتمدها الإطار التنسيقي للتطورات العسكرية التي جرت في سوريا في نهاية شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الفائت، والتي أدت إلى سقوط نظام بشار الأسد، وسيطرة المعارضة السورية على مقاليد الحكم فيها. هذه الحقيقة الماثلة أمامنا وغيرها من الحقائق التي أدت إلى ضعف ما يسمى بمحور المقاومة ووحدة الساحات، حتمت على الساسة في العراق وخاصة من يمتلك مقاليد الحكم فيه، إجراء مراجعات جدية في بعض القضايا الداخلية والتي تعد من القضايا المهمة التي فرضت نفسها على عراق ما بعد عام 2003م وعراق ما بعد عام 2014م، واحدثت قلقًا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا فيه.  ومن هذه القضايا:

أولًا- تحقيق التوازن بين مكونات المجتمع العراقي: يعد المجتمع العراقي من المجتمعات ذات خصوصية قومية وطائفية من بين المجتمعات في المشرق العربي، فمن الناحية القومية يتكون العراق من قوميتين رئيسيتين العربية والكوردية، ومن الناحية الطائفية يتكون من طائفتين رئيسيتين أيضًا السنية والشيعية إلى جانب طوائف دينية صغيرة العدد.

ومع ذلك لم يحكم العراق في مرحلة ما بعد عام 2003م، وفق الصيغة التشاركية وإنما وفق المحاصصة الطائفية والقومية، وهذه المحاصصة التي صبت لصالح لون واحد في المجتمع العراقي. فالعراق اليوم بأمس الحاجة إلى ايجاد التوازن في التمثيل في مختلف أشكالة بين مكونات الدولة العراقية بدون إقصاء أو تهميس أو تقليل من قيمة ذلك التمثيل. فالتمثيل الحقيقي لمكونات المجتمع العراقي هو المدخل أساسي في بناء نظام سياسي وطني يرتكز على مقومات الدولة المدنية التي تستوعب جميع مواطنيها، لمواجهة جميع التحديات الراهنة والمستقبلية.

ثانيًا- المناطق السُنية: بعد دحر تنظيم داعش الإرهابي في المحافظات السُنية، وقعت تحت سيطرة الفصائل المسلحة التابعة للنفوذ الإيراني،ومكنتها تلك السيطرة من الاستيلاء على أراضي تابعة للدولة والاستثمار فيها، والأهم من ذلك كله ضمان الممر الاستراتيجي الذي يربط إيران بحلفائها في سوريا ولبنان. ولكن بعد تعطيل ذلك الممر عبر سقوط بشار الأسد، ومن أجل الحفاظ على السلم المجتمعي في العراق، ولمنع انزلاقه إلى حرب أهلية، على تلك الفصائل الانسحاب من المحافظات السُنية، وأن تكون رؤيتها نابعة من منطلقات وطنية وليس وفق ” جدول الأعمال الإيراني”، ورأينا منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر عام 2023م، ولغاية يومنا هذا، أنه لا يوجد لحلفاء إيران كحركة حماس في غزة وحزب الله في لبنان مكانة في جدولها الاستراتيجي، وإنما هما عبارة عن أدوات تكتيكية تستخدهما إيران  في وقت الحاجة،وهذا الأمر ينطبق تمامًا على الفصائل المسلحة التابعة لها في العراق، ففي سبيل حفاظ إيران على مصالحها العليا. من الممكن أن تتخلى عن تلك الفصائل، فمن يترك حزب الله يواجه مصيره في حربه مع إسرائيل، يترك غيره يواجه نفس المصير.

ثالثًا- العفو العام: يأتي قانون أو مذكرة العفو العام من ضمن البرنامج الحكومي ،وهو أحد مطالب الوطنية وربما بعض القوى السياسية. ومما لاشك فيه أن هذا العفو لن يشمل مرتكبي الجرائم الجنائية والإرهابية والقوى السياسية والمدنية تتفق على ذلك، حفاظًا على السلم المجتمعي.

وفي حال تمكن الحكومة من إقراره فإن ذلك سينعكس بشكل إيجابي على الداخل العراقي سياسيًا واجتماعيًا وماليًا، ومن شأنه أيضًا أن يوسع من قاعدة التعايش السلمي بين أبناء العراق والاستقرار المجتمعي، وسيخفف العبء عن المحاكم والسجون.. فالعفو ليس ترفًا بقدر ما هو استجابة لضروريات الدولة العراقية.

رابعًا- ملف النازحون: لعله يكون من إحدى الملفات المهمة في عراق ما بعد عام 2014م، فإحساس الغربة في الوطن إحساس مؤلم، وقد لا يضاهيه أي إحساس. وهذا الأمر ينطبق على نازحي العراق بشكل عام ونازحي أهالي جرف الصخر والعوجة بشكل خاص الذين أجبرتهم الظروف الأمنية بعد ظهور تنظيم داعش الإرهابي في المشهد العراقي في حزيران/ يونيو عام 2014م، على النزوح من ديارهم، فمن حق هؤلاء العودة إلى ديارهم بعد دحره.

فإذا القانون الدولي العام قد كفل للنازح العودة إلى دياره بعد زوال أسباب نزوحه، فمن الأولى أيضَا أن يكفل القانون الوطني ذلك. ربما يواجه هذا الملف بعض التحديات لكن الحكومة ورئيسها محمد شياع السوداني بما يمتلكه من حس وطني، سيعمل على تذليلها.

يمر الإقليم منذ تشرين الثاني/ أكتوبر عام 2023م، في ظروف سياسية وأمنية وعسكرية شديدة الأهمية، فعلى صانع القرار السياسي في العراق أن يوظف هذه الظروف بما يخدم مصلحة العراق العليا، وأن يحول تحدياتها إلى فرصة إستراتيجية في إعادة الاعتبار والفاعلية للنظام السياسي العراقي، وترتيب البيت العراقي وتركيز الاهتمام على الخارطة العراقية التي تمتد من زاخو إلى شط العرب.

وحدة الدراسات العراقية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية