دخلت القوات العراقية والدولية معركة الموصل – معقل تنظيم الدولة منذ عام 2014- وتعتقد زاكينا تركيري، مؤلفة كتاب “صيف كردي”، أن عواقب العملية ستكون كارثية بالنسبة للجميع.
وقالت تركيري: “لقد فات الأوان بالنسبة للشرق الأوسط، وفات الأوان أيضا بالنسبة للرئيس التركي رجب طيب إردوغان. ليس هناك حل للشرق الأوسط. فكيف سيضعون نهاية لتنظيم الدولة؟ أراهنك أن هذا مستحيل، لأن هناك الكثير الفوضى المتراكمة”.
إنها تعلم ما تتحدث عنه. لقد كانت هناك، على بعد أمتار من الجهاديين، عندما استولى تنظيم الدولة على الموصل، وتوثق هذا في كتابها، الذي تقتبس منه مقاطع هنا في حوارها مع “إيكوال تايمز”.
وحين نتحدث عن حياتها الأولى، تركيري لا تحتفل بعيد ميلادها، لأنها لا تعلم متى ولدت تحديدا. فالأكراد حينها لم يكونوا يسجلون المواليد وأعياد الميلاد، كما تقول: هي عادة مسيحية.
وأوضحت بالعامية الإسبانية: “ليس لدي عام، أنا لا أعرف متى ولدت. إنني أقول أنني ولدت في العام 1967 احتراما لوالديها. فقد كان والدي يقول إنني ولدت في نفس العام، الذي قتل فيه تشي جيفارا”.
لقد كانت تنتمي لأسرة من الطبقة العاملة من سكان ملاطية (شرق الأناضول)، وكانت تجمع الشمندر والقمح والمشمش مع والديها، وهي بعمر السابعة. لقد كانوا فقراء للغاية. لكن هذه الفتاة الشابة اللامعة، وهي إحدى 3 بنات لهذين الزوجين، أول فتاة تذهب إلى الجامعة في أنقرة -وهي أرقى جامعات البلاد- حيث درست العلوم السياسية.
لقد تم فصلها من البنك، الذي كانت تعمل فيه كمساعدة مالية، بسبب مكالمة هاتفية مع والدتها تحدثت فيها باللغة الكردية. ومن هناك سافرت إلى هافانا. وعملت مع المخرج الشهير إلياس كيريجيتا على الفيلم الوثائقي “الجهة الخلفية من العالم”، ما ساعدها على الإقامة في إسبانيا، حيث عاشت لمدة 10 سنوات هناك. وعادت إلى إسطنبول في العام 2011.
منظور محايد في مجتمع مستقطب
إن تركيري لا تتحدث فقط بشكل مباشر وصريح، عند الحديث عن المحظورات، مثل استبداد الرجال بين الأكراد، لكنها أيضا تمتلك وجهة نظر تحليلية ومحايدة، نادرة في مجتمع مستقطب.
وتتحدث في كتابها عن زيارتها وتغطيتها الأولى لكردستان العراق وسوريا خلال صيف 2014، عندما كان الجهاديون يسيطرون على جزء كبير من الأرض، ويرهبون الناس باستخدام مقاطع مصورة لعمليات الإعدام.
”نحن نستعيد الموصل. لا أعلم إن كانوا يقومون باستدراجنا. هناك مئات الآلاف من المدنيين الذي يعيشون هناك، ما سيتسبب في موجة جديدة من اللاجئين، لن يستطيع نفط كردستان العراق تغطيتها، وسيصل عددهم إلى مليون لاجئ على الأقل، بحسب مراقبين.
ونوهت تركيري، التي لا تستطيع العيش دون التورتيللا الإسبانية ومشروب الباشاران ”مشروب إسباني مصنوع من البرقوق البري“ منذ غادرت إسبانيا، إنه خطأ الغرب. هذا ما يقوله الجميع هنا، لكنها تفسر هذا بلهجة غير انتقامية.
الحكومات الغربية تعي هذا جيدا، إنهم يعلمون أنهم تسببوا بأضرار جسيمة. والحقيقة هي أن الغرب هو المتسبب في الحالة التي أصبح عليها الشرق الأوسط الآن، لأنهم نصّبوا حكامًا استبداديين بالمنطقة، وتجاهلوا الأمر لأكثر من قرن.
“إنني أتحدث عن نهاية الإمبراطورية العثمانية، واتفاقية سايكس بيكو 1916، وأيضا عن الحكومات هنا. إنني لا ألوم الشعوب؛ لأن الشعوب هنا لم يكن لها سلطة أبدا. فهل رأيت يوما “حركة” يسارية نجت في الشرق الأوسط؟ وحدها الحركة اليسارية التركية، حتى هنا يتم اضطهادها. في سوريا، قد تتعرض للاعتقال وتختفي لعشر سنوات. هل هذا ما تسمونه حكومات طبيعية؟ الغرب دعمهم، وسيدفع ثمن هذا”.
توثيق ما يحدث في قنديل ومخمور وأربيل وسنجار
قامت تركيري بتغطية هذه المناطق الكردية لصالح قناة “آي إم سي”، التي أغلقتها الحكومة التركية، كجزء من الحملة التي بدأت بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة في 15 يوليو.
لقد أرادت لسنوات تصوير مقاتلات حزب العمال الكردستاني، الذي يعتبره كل من الاتحاد الأوروبي وتركيا والولايات المتحدة منظمة إرهابية، اللواتي يعشن مختبئات في جبال قنديل في شمال العراق.
كما ذهبت أيضا، خلال رحلتها، إلى معسكر مخمور للاجئين، وهو معجزة للبقاء في وسط الصحراء والعقارب؛ وإلى عاصمة إقليم كردستان، أربيل؛ وإلى أبواب سنجار، حيث كان مقاتلو تنظيم الدولة يستعدون لارتكاب جريمة التطهير العرقي رقم 73، ضد الأيزيديين والأكراد، الذين يمارسون عقيدة قديمة ذات علاقة بالزرادشتية.
ففي مخمور، الذي تصل درجة الحرارة فيه إلى 45 درجة مئوية، وجدت تركيري مصففات شعر تستحق الظهور في فيلم المودوفار، واستمتعت بمشاهدة باز فيغا، وهو يمثل مسرحية كارمن على شاشة التليفزيون، مع النساء بالمخيم.
تركيري لها جذور أيزيدية. فقد اعتنقت جدتها ووالدتها العلوية. وتتذكر كيف اعتادت والدتها الصلاة للشمس والقمر، وكانت تغسل شعر أختيها تحت ماء المطر في أبريل، لكي تجلب لهما الحظ الجيد، وهي ممارسات تعتبر من الهرطقة الآن.
كثير من النساء، التي حاورتهن تركيري، قتلن على يد تنظيم الدولة: “المصورة الشابة دينيز، التي كانت توثّق انتشار ختان الإناث بين الأكراد العراقيين، وقناصات أرارات وأفيستا. كما تشرح أيضا السبب الذي دفع المراهقات الغاضبات من قتل ذويهن، للذهاب إلى التلال للقتال، وليس لديهن مكان يعدن إليه.
وشعرت بوطأة الخوف في أربيل، عندما وجدت نفسها محاطة بالرجال الذاهبين إلى صلاة الجمعة. “إن لم أكن مع صديقي دوغان، كان ليحدث اغتصاب جماعي. لأن ممارسة الجنس كانت ممنوعة منذ سنوات. ولم يكن هناك انترنت لعشرين عاما، الناس لم يروه. لكنك الآن تدخل أحد الكهوف لتشاهد فيلما إباحيا، وترى جميع المحرمات”.
الصديق، الذي تشير إلى تركيري، هو دوغان جوزيل، رسام الكاريكاتير بجريدة جونديم اليسارية، الذي تبع صديقته زاكينا إلى أثسبانيا، لأسباب عاطفية، وظل في إشبيلية لأن “المقبلات هناك”. أحد زملائه في جونديم، هو رحمي باتور، الذي انتهى به الحال في ليون يبيع الكباب.
“إنهم بالفعل يعرفون الجحيمُ.. إنه حياتهم”.
وفيز نهاية كتابها، تصف الصحفية اللحظة التي التف فيها المقاتلون حول عدد من سجناء تنظيم الدولة وقيام المقاتلات بإعدامهم.
“لقد حزنت لأجل السجناء عندما رأيتهم. إنني أرى الوجه الحالي للشرق الأوسط، الشرق الأوسط الحزين، الغارق في المآسي. لقد كانوا من الشباب العرب”.
ووصف قائد وحدات حماية الشعب الذي استقبلها في قرية ريميلان، بالقرب من الجبهة، المشكلة هكذا:
“لقد فشلت جميع النماذج الغربية هنا، بما فيها ديمقراطية أردوغان الإسلامية، التي، وفقا لتركيري، تتوجه نحو الفاشية بسرعة كبيرة. “الشرق الأوسط سيتسبب في نهاية الاتحاد الأوروبي. عندما تندلع الحرب الأهلي هنا، سيكون هناك 50 مليون لاجئ في اليوم التالي.
“لقد كان العالم غير منصف للغاية، ولكن الآن ليس الفقراء فقط، ولكن الأثرياء أيضا سيدفعون الثمن. فلا أردوغان ولا روسيا ولا الولايات المتحدة يعلمون ما سيفعلونه غدا. وجميعهم يرتجلون”.
إكويل تايمز – التقرير