العرب يضغطون على أميركا لمنح السلطة للأغلبية السنية في سوريا، مقابل العراق للشيعة، حتى يهدأ المتطرفون وتنتهي مشكلة داعش. فلاديمير بوتين يرفض هذا المنطق بشدة فالعرب منحوا العراق للشيعة وإيران، وروسيا كانت معارضة للاحتلال. لهذا فإن روسيا ترى قضية العراق ليست مشكلة روسيا.
موسكو عندها تحالف واتفاق مع سوريا منذ نصف قرن. ميناء طرطوس مثلا هو النفوذ الروسي الوحيد على المتوسط وموسكو لا ترغب في حكومة إخوان مسلمين في سوريا تمد الغاز الطبيعي إلى أوروبا وتكسر الاحتكار الروسي. ربما لن يسمح فلاديمير بوتين ولن تسمح الصين بمثل هذا الصنيع.
فلاديمير بوتين لا يحمّل المجرم بشار الأسد المسؤولية عن قتل 400 ألف سوري، بل يحمّل المعارضة المسلحة المسؤولية فهي التي أثارت غضب الجيش، تماما كما تحمل بعض القنوات العربية الخليجية تنظيم داعش المسؤولية عن الضحايا في العراق. مَن الذي يقتل أهل الموصل اليوم؟ هل الطيران الأميركي مجرم؟ هل الجيش العراقي قاتل؟ هل الحشد الشعبي سفاح؟ هل البيشمركة الأكراد دمويون؟
ألسنا نقول بأن داعش مسؤول عن مقتل الجميع في معركة تحرير الموصل، نساء وأطفالا وشيوخا ورجالا؟ فما هو الفارق في سوريا؟ هل جبهة النصرة والقاعدة والإخوان المسلمون يختلفون عـن داعش؟ كيف؟ المعارضة السورية إرهابية في نظر بوتين؛ تحتل المدن بالسلاح والجيش السوري يحررها.
لماذا الجيش العراقي وطني بينما الجيش السوري ليس وطنيا؟ في نظر بوتين الجيش العراقي تشكيل أميركي وليس نظاميا تماماً بينما الجيش السوري في نظره نظامي وطني. طيّب، لماذا هدم بيوت الرمادي بالطيران الأميركي أمر مقبول؟ ألا تقول المنظمات الدولية إن نسبة الخراب 80 بالمئة في الرمادي؟ فلماذا هدم بيوت حلب بالطيران الروسي حرام وأمر فظيع؟ عند فلاديمير بوتين هذا المنطق غير مقبول.
الإعلام الخليجي الموجه لإسقاط صدام حسين دعمه الكثير من الكتاب الشيعة وملأوا صحفهم مقالات عن القمع والدكتاتورية وشيطنة صدام حسين والبعث العراقي. الآن يريدون من الكتاب الشيعة أن يهاجموا بشار الأسد والبعث السوري وفق المعايير نفسها فلا يتحقق مبتغاهم، صدمة حقيقية.
الحقيقة وبالتجربة هي أن التخلص من زعيم عربي سني سهل جدا. كل ما تحتاجه أميركا إعلان الحرب عليه مع حلفائها السنة الآخرين، وخصوصا من رجال الدين كما رأينا نشاط الشيخ القرضاوي الذي أهدر دم الرئيس الليبي معمر القذافي وشيطنه بسهولة. بينما إسقاط زعيم شيعي صعب، فيحتاج موافقة الشيعة وإيران وروسيا، وهذا شبه مستحيل.
لقد رأينا هذا العام كيف أنهى الرئيس باراك أوباما المقاطعة مع كوبا، بعد حصار امتد لأكثر من نصف قرن. لماذا لم يسقط كاسترو؟ لماذا تحملت أميركا جزيرة صغيرة مجاورة لحدودها وتهدد أمنها كل تلك السنين؟ لماذا لم تقم باحتلالها كما فعلت مع العراق؟ المشكلة نفسها مع سوريا اليوم.
حافظ الأسد وكاسترو حليفان استراتيجيان لروسيا، ما لعب حافظ الأسد مع روسيا ولا كاسترو ، بقيا في حالة تحالف وصبر وتعاون، بينما صدام حسين والكثير من القـادة ظنوا أنـه يمكنهم اللعب مع الكبار، مرة مع أميركا ومرة مع روسيا. في اللحظة الصعبة يتخلى عنهم الجميع.
حافظ الأسد ليس حليفا استراتيجيا للروس فقط، بل هو الذي تحرك بقوة بعد الثورة الإيرانية عام 1979 وعقد قران السياسة الإيرانية مع الروسية. لا أحد يتساءل كيف وصلت العلاقات بين روسيا وإيران إلى درجة بناء مفاعلات بوشهر الإيرانية النووية؟ هذه جهود طويلة وشاقة كانت وساطتها سوريا. منذ البداية كان حافظ الأسد يعرف أنه لا مستقبل لنظامه دون روسيا.
وهذا ما يقصد بِه النظام السوري بمحور الممانعة، إنه يقصد ذلك التحالف البعيد عن أميركا؛ تحالف قديم مع الصين وروسيا وإيران، ولا نستبعد بناء قواعد عسكرية روسية دائمة في سوريا. لا يمكن عزل حزب الله عن سوريا أو الاستفراد بإيران. الموضوع ليس بالسهولة التي تتم بها إطاحة زعيم سني مثلا.
المشكلة أنه رغم كل الدعم الأميركي ما زال شيعة العراق يشعرون بأمان أكثر مع إيران، أي أنهم يفضلون التعامل مع أميركا ككتلة واحدة. السياسة الأميركية متقلبة وكل رئيس يقول شيئا مختلفا عن الذي قبله، وقد شاهد الشيعة كيف تخلى الأميركان عن شاه إيران أهم حليف أميركي بالمنطقة، ولهذا السبب هرع رئيس مصر إلى روسيا منذ بداية عهده، فهو كما يبدو معجب بموقف الروس من حلفائهم.
الجيش الروسي صرح علنا وعلى لسان وزير الدفاع بأن أي طائرة تضرب الجيش السوري سيتم إسقاطها. ثم السؤال هو ما هو الهدف حقا؟ اليوم الرئيس أوباما يقول إن إسقاط الرئيس القذافي كان خطأ، وبريطـانيا تقول في تقرير حكومي ضخم، هو تقرير شيلكوت، إن احتلال العراق كان خطأ، فلمـاذا لا يكون ما يفعلونه الآن خطأ؟ يبدو أن الرئيس القادم دونالد ترامب قد اعتـرف وقال بأن سياسة بلاده خطأ في خطأ.
بعض السنة يعتمدون على الإسلام من جهة، وعلى الصداقة التاريخية مع الأميركان من جهة ثانية، وعلى منابع النفط من جهة ثالثة. الآن تشيع أميركا أن الإسلام السني السياسي إرهاب، والعلاقة مع أميركا تتعرض للإرباك، والنفط على وشك الجفاف بحلول عام 2030 كما يشيع الأميركان، ولا نعرف مدى صحة ذلك، فدونالد ترامب اتهم هيلاري كلينتون بأنها تعتمد مراكز بحوث وهمية عن الاحتباس الحراري والتلوث لإخافة الناس والتوظيف السياسي.
ليس عندنا علاقات قوية مع روسيا، بل العكس؛ فلطالما رفضنا الاتحاد السوفييتي الكافر الشيوعي، ودعمنا القاعدة لذبح الجندي الروسي الكافر في أفغانستان والشيشان. مع هذا يقول كاتب عراقي بأن السنة ليسوا أهل الموصل وتكريت والأنبار، بل شعوب كبيرة تتوزع على دول كثيرة. وعلاقة أميركا بهم علاقة مصير اقتصادي وسياسي لا تتوقف عند حدود النفط الذي لا يعد الثروة الوحيدة في المنطقة.
فهناك الغاز وهو القوة النامية وموجود بمعدلات هائلة في العراق “السني” إذا جاز التعبير. ثم أن الاتحاد السوفييتي دخل المنطقة من خلال علاقته مع العرب، وهو أفشل حليف عرفه التاريخ من خلال خذلانه لحلفائه ابتداء من قاسم وعبدالناصر وعارف وليس انتهاء بصدام حسين. أما نضوب النفط فخرافة تستخدم كجزء من الدعاية المضادة للدول النفطية، فالإنتاج مستمر وبقوة، وهناك مساحات هائلة من الحقول لم تستغل بعد.
الخلاصة على الإعلام العربي أن يكون واضحا في موضوع سوريا. لماذا الاحتلال الأميركي للعراق مقبول والاحتلال الروسي لسوريا غير مقبول؟ لماذا هدم المدن السنية في العراق مقبول وهدم المدن السنية في سوريا غير مقبول؟ لماذا الجيش العراقي وطني والجيش السوري ليس وطنيا؟ ولماذا سيعترف الغربيون بأن التدخل الأميركي في ليبيا والعراق مجرد خطأ، ولماذا تدخلهم في سوريا لن يكون خطأ؟
أسعد البصري
العرب اللندنية