يضيّع الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب الفرصة لاحتفاء كثيرين في العالم، خصوصاً العرب، بوداع عهد سلفه باراك أوباما. الرئيس المغادر شجّع مزيداً من الكوارث في المنطقة العربية، لا سيما سورية المنكوبة بنظامها وحلفائه الروس والإيرانيين… وأسرف في بيانات استجداءٍ كاذب للعطف على ضحايا الحروب السوريين.
الآتي إلى البيت الأبيض بعد أسابيع، لا يعِد إلا بمزيد من الكوارث، مستخدماً شعارات لتضليل شعبه، والإيحاء بعطفه على الفقراء والطبقة الوسطى التي سحقتها العولمة. لم يبدّل حرفاً بعد في الاستراتيجية الأميركية لمواجهة حروب سورية وليبيا واليمن، بل أن «أميركا أولاً» من شأنها ممارسة مزيد من الإغراء لقيصر الكرملين، الرئيس فلاديمير بوتين، لتشجيعه على التشبّث بسياسة روسيا أولاً، وأصدقائها ثانياً وثالثاً ورابعاً.
الأنكى أن أوباما تفرّغ لإسداء نصائح إلى ترامب، من نوع تنشيط الذاكرة، لئلا ينسى الرئيس «المعجزة» أن أميركا «أمة لا غنى عنها في نظامنا العالمي»… ما يقتضي النأي عن الانعزال. فالفارق بين السلف والخلف يكون في هذه الحال بين مَنْ يتفرّج على المجازر، ومَنْ يتخلّى حتى عن دور شاهد الزور، حرصاً على مشاعره، من الضحايا.
ربما لن يختلف معدَّل القتل اليومي في سورية، لكن الأكيد أن أحداً من ساسة أميركا لم يلعن طبقتها السياسية ونخبتها ويدينهما الآن بالتنكُّر لقيم الإنسانية والعدالة التي تغنّت بها الولايات المتحدة لعقود طويلة، حتى حين كانت تمارس القتل دفاعاً عن أنظمة.
ويكفي لتلمُّس أحد أوجه المأزق الأميركي اليوم، مثالان عن وجهين مرشَّحين لإدارة العلاقة بين أميركا ترامب والعالم: ميت رومني الذي قد يتولى حقيبة وزارة الخارجية، اعتبر الرئيس البليونير «مشعوذاً»، قبل فوزه في الانتخابات، و «جنرال الجنرالات» جيمس ماتيس المرشح لحقيبة الدفاع والذي يثير إعجاب ترامب، كان وصفَ القتل يوماً بأنه «مسلٍّ». تُرى، أين سيتسلّى في المنطقة العربية؟
حتى الآن، ومن أميركا إلى أوروبا، يبدو «الفائز» الأول زعيم «تيار» ينقلب على النظام العالمي، على وحدة أوروبا، ومَنْ يدري، ربما على وحدة الولايات المتحدة يوماً. إنه القيصر الذي يمشي بخطى ترامب، لا على خطاه، ويجعل الكرملين مدرِّساً لـ «الأصدقاء». في مدرسته، بعد ترامب حل فرنسوا فيون رئيس الوزراء الفرنسي السابق الذي أطاح أحلام ساركوزي في انتخابات اليمين التمهيدية… قبله مارين لوبن التي تغزّلت بالثلاثي بوتين- ترامب- لوبن للعالم «المفيد». ويضيف البليونير الى المدرسة- التيار، زعيم «حزب الاستقلال» البريطاني نايجل فاراج، متجاوزاً الأعراف الديبلوماسية في ترشيحه سفيراً لدى الولايات المتحدة.
الأرجح أن قائمة الترشيحات معولمة، على طريقة الكرملين الذي يبدو مبتهجاً بصعود القوميات واليمين المتطرف، بعدما كان «أبا اليسار» في العالم، حتى تفكيك الاتحاد السوفياتي. الأرجح أننا أمام تفكيك النظام العالمي الذي كان في قبضة قوة عظمى «وحيدة». ولكن، إن كان ذلك جلياً، بعيداً من نظريات المؤامرة، فالتحولات الصاخبة تُنذر بما هو أبعد بكثير من «الزلازل» السياسية، تارة بنسخة فرنسية لترامب، وأخرى بنسخ «روسية» في فضاء الكرملين وحدائقه الخلفية.
لعلنا نسمع يوماً عن «انقلابات» تمارسها إدارة ترامب لتنصيب «نخبة» عنصريين، أو يفاجئ هو العالم بأن تهريجه لم يكن سوى ذرّ للرماد، في عيون القيصر!
الاحتمال الأخير هزيل، لكن مفاجآت البليونير ما زالت في بداياتها، وفي عصر هواة السياسة، يتعاظم الخطر من أطماع العسكر في كل مكان.
هل يمكن تخيُّل العالم بلا أوروبا موحّدة، لأن «فرنسا أولاً»، و «بريطانيا أولاً»…؟ وبلا حلف أطلسي يلجم شهية القيصر لتوسيع نادي الأصدقاء؟
ومرة أخرى، مَنْ يتحمّل انفلات قنبلة العنصرية «النووية» في قوة عظمى باتت «ناعمة»، وفي أوروبا الجارة لجنوب الفقراء؟
القيصر ما زال يلعب على كل حافة للهاوية.
زهير قصيباتي
صحيفة الحياة اللندنية