قتل ثلاثة جنود أتراك وأصيب عشرة آخرون في منطقة الباب شمال سوريا حيث ينفذ الجيش التركي عملية عسكرية ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
ونسب الهجوم في البداية لتنظيم داعش، قبل أن يصدر الجيش التركي بيانا يتهم فيه صراحة النظام السوري بتنفيذه عبر غارة جوية، فيما التزم الأخير الصمت.
وقالت رئاسة أركان الجيش التركي في بيان على موقعها الإلكتروني “في الغارة الجوية التي نقدر أنها من قوات النظام السوري، قتل ثلاثة من جنودنا الأبطال وأصيب عشرة جنود، أحدهم جروحه خطيرة”، مشيرة إلى أن الغارة وقعت فجرا في منطقة الباب.
وهذه المرة الأولى التي تتهم فيها أنقرة النظام السوري بقتل جنود أتراك منذ انطلاق العملية العسكرية التي أعلنتها في شمال سوريا في 24 أغسطس تحت مسمى “درع الفرات”.
ووقع الهجوم عند الساعة 03.30 بالتوقيت المحلي، بحسب الجيش التركي الذي أوضح أنه تم إجلاء الجنود الجرحى “على الفور من المنطقة لمعالجتهم”.
ولطالما توعد الجيش السوري سابقا بالرد على التدخل التركي في شمال سوريا، خاصة بعد إعلان الرئيس رجب طيب أردوغان عن نيته التوجه صوب مدينة الباب الاستراتيجية في ريف حلب الشرقي.
وتشكل الباب أهمية كبيرة بالنسبة إلى أطراف الصراع في سوريا سواء كان النظام السوري أو تركيا التي تسعى لتوسيع المنطقة العازلة التي شكلتها في الشمال وبلغت مساحتها حتى الآن 1000 كلم، وكذلك بالنسبة إلى الأكراد الذين يعتبرون هذه المدينة همزة الوصل بين كنتوني عفرين وعين العرب (كوباني) خاصة بعد سقوط جرابلس وأعزاز من حساباتهم.
وبدأت قوات درع الفرات التي يقودها الجيش التركي منذ 13 نوفمبر التقدم صوب الباب، بعد أن نجحت في بسط نفوذها على دابق وجرابلس، وعدة قرى وبلدات في ريفي حلب الشرقي والشمالي.
وتمكنت هذه القوات، الأسبوع الماضي، من محاصرة المدينة التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية، إلا أن أنقرة تبدو مترددة في اجتياحها، ليس بسبب خشيتها من عناصر التنظيم، الذين سبق وأن أبلوا البلاء الحسن في دابق وجرابلس حيث انسحبوا دون أدنى مقاومة لهم، ولكن بسبب وجود فيتوات من أكثر من طرف.
وأعلن متحدث عسكري أميركي، الأربعاء، أن التحالف الدولي ضد داعش لا يدعم العمليات التي تشنها القوات التركية مع فصائل سورية معارضة حليفة لها على مدينة الباب.
ويرى محللون وخبراء عسكريون أنه لو صح فعلا قيام الجيش السوري بعملية قصف الجنود الأتراك فإن ذلك بالتأكيد تم بضوء أخضر روسي إن لم يكن بإيعاز من الروس أنفسهم.
وتزامنت عملية القصف الجوي في منطقة الباب مع الذكرى الأولى لسقوط الطائرة الروسية سوخوي 24 على أيدي القوات التركية التي أثارت أزمة كبيرة بين البلدين، الأمر الذي يعزز فرضية الدعم الروسي لهذه الغارة السورية.
وقال العقيد السوري سعدالله شواف لـ”العرب” إن “النظام السوري غير قادر على اتخاذ أي قرار من هذا النوع إطلاقا، وأعتقد جازما أن ما قام به من قصفٍ في الباب وإصابته لجنود أتراك كان بمباركة روسية لا بل بطلب روسي الهدف منه إرسال رسالة قوية إلى أنقرة مفادها إيقاف عملية الباب”.
وهناك شبه إجماع من قبل المتابعين للشأن السوري، بناءا على معطيات مسربة، على وجود اتفاق روسي تركي سمح بدخول الأخيرة إلى الشمال السوري ولكن ضمن حدود معينة لا يجب تجاوزها.
ولكن يبدو أن تركيا ومن من خلال عملية الباب قد نقضت هذه التعهدات التي لا تتفق وطموحاتها في شمال سوريا ألا وهي وضع حد للنفوذ الكردي في الشمال، وإقامة منطقة عازلة بمساحة تتجاوز 5000 كلم، لاستغلالها في ما بعد كورقة لفرض نفسها كرقم صعب ومحدد رئيسي لمستقبل سوريا.
وجدير بالذكر أن تركيا وفي حال نجحت في بسط سيطرتها على الباب ستتمكن من بلوغ االمساحة التي حددتها للمنطقة العازلة، وضم كل ريفي حلب الشمالي والشرقي، الأمر الذي سيشكل ضربة قاسية للنظام السوري ولحلفائه الإيرانيين والروس على حد سواء.
وهدد رئيس الوزراء التركي، بن علي يلديريم، مساء الخميس، بأن بلاده ستقتص لجنودها الذين قتلوا في الهجوم الجوي. وقال “هذا الهجوم لا بد أن يدفع ثمنه من قاموا به”.
واستبعد خبراء أن تنفذ أنقرة تهديدها وقال الباحث المختص في الشأن التركي عطا كامل لـ”العرب”، “لا أعتقد أن تركيا ستصعد وترد عسكريا على النظام السوري بل ستستمر في تقدمها على الأرض وكأن شيء لم يحدث”.
وأكد كامل أن “تركيا ماضية في معركة الباب إلى النهاية وهي ستدخل دفعة جديدة من المقاتلين دربتهم لهذه المهمة وسيصل العدد خلال شهر إلى 50 ألف مقاتل”. ويخشى الكثيرون أن يؤدي ذلك إلى تصادم بين نظام الأسد وحلفائه من جهة وتركيا، خاصة وأن عناصر الجيش السوري لا يبعدون سوى 12 كلم عن الباب، كما أن هناك أنباء عن استقدامه لفيلق “صقور الصحراء” إلى المنطقة.
صحيفة العرب اللندنية