انتهت فترة الاستراحة التي فرضتها الانتخابات الأميركية، وقد استغلتها روسيا، لإحداث أكبر ضرر ممكن في الشمال السوري، في أكثر الحملات العسكرية دماراً، وأكثرها صفاقةً. لم يكن الشمال السوري وحده الملعب للتحرّكات الروسية، ففي محيط العاصمة دمشق، وإنْ بشكل أقل دمويةً وأبعد عن التركيز الإعلامي، سرّعت روسيا من وتيرة الاتفاقات المحلية “الضرورية والعاجلة”، لتنظيف محيط دمشق من أي تهديداتٍ محتملةٍ للنظام السوري في داريا والمعضمية ومناطق أخرى، والاكتفاء حالياً بنقل هذه التهديدات، كما هي، إلى الشمال، لمتابعة ضربها فيه.
لم تكن روسيا أيضاً، تعوّل، بشكلٍ مفرط، على نجاح مرشحها الجمهوري. لذلك، ركّزت سياستها على قضم الجزء الأكبر من كعكة الأرض في خضم الفوضى الانتخابية، أملاً في إعداد طاولة تفاوضٍ “نصف ملائمة” للطموحات الروسية اللامحدودة، بغض النظر عن النتيجة. يبدو أن هذا التحرك الروسي العاجل والمنظم قد أكسب دولة الأسد، بشكل غير مسبوق، سياسةً واضحةً محدّدة، لطالما افتقدها، في وقتٍ تراجعت فيه، بشكل غير مسبوق كذلك، السيطرة الإيرانية التي كانت مميزة للعام 2015 على الأرض السورية. وكان الحليف الإيراني أشدّ تعويلاً على المنافسة الديمقراطية، هيلاري كلينتون، لا سيما أنها كانت ذات دور ملحوظ في الصياغة النهائية التي تكللت بإبرام الاتفاق النووي مع مجموعة الثمانية. لذلك، يبدو انقلاب موازين السلطة الأميركية اليوم في غير صالح الإيرانيين.
بعد أن كانت روسيا الشريك الأضعف على الأرض، حققت سياسة “الدخول المفاجئ” في أواخر العام 2015 نجاحاً غير متوقع، ليس فقط على مستوى السلاح الجوي الذي قدّمته لدعم نظام الأسد، بل أيضاً على مستوى تغلغلها في مفاصل الدولة السورية، تحت مسمى المستشارين الأمنيين والعسكريين والمدنيين. بدأت مؤسسات الجيش والدفاع والأمن والحكومة نفسها تكتسب نكهةً روسيةً واضحة معلنة، فلم يعد الأمر يقتصر على قواعد عسكرية، أو تنسيق لسلاح الجو الروسي مع السلطات، بل تعدّاه إلى التحضير السياسي، واختيار قوائم المتحدّثين باسم النظام والمعارضة في آن، وفرض سياسات وجداول التهدئة والمصالحة والحصار على النظام نفسه، ومن خلال مؤسساته. وبعد أن كان معظم هذه الاتفاقات يجري بشكل غير رسمي وبوساطة إيرانية، أصبحت اليوم تتم على الملأ “برعاية” روسية مع “غطاء” من الأمم المتحدة.
وفيما تتحرّك روسيا في الداخل السوري بعقلية “الدولة”، تتحرّك إيران بعقلية “المليشيات”. فما يزال الوجود الروسي في سورية، من جهة أولى، يقدّم نفسه على هيئة اتفاقات رسمية، بغض النظر عن شكلانيتها، بدءاً باتفاق نشر السلاح الجوي الروسي، وصولاً إلى اتفاق قاعدة حميميم، وليس انتهاء بتصويت البرلمان الروسي على بقاء الجيش الروسي في سورية “إلى أجلٍ غير مسمى”. أما الحليف الإيراني فلا يتضمن وجوده العسكري، في المقابل، أي أرضية رسمية، على الرغم من الاعتراف المتبادل والمعلن بوجود مليشيات مدعومة إيرانياً عديدة في أكثر من منطقة.
ومن جهة ثانية، تعمل روسيا على إرساء صورة “دولة النظام” في سورية من خلال مؤسساته، فتصبغ معظم تحركاتها بصبغته، وتضعه في الواجهة الإعلامية لصناعة الحدث الذي تقوم بتصميمه، وأحياناً تنفيذه، بنفسها. فيما تغوص التحرّكات الإيرانية أكثر فأكثر في التغريد بعيداً عن سرب الدولة السورية ونظامها، وتمعن في تقديم نفسها “بديلاً” في بعض الأحيان. إن كتائب حزب الله وألوية “الزهرائيين” و”أبو الفضل العباس” وسواها من الحلفاء الإيرانيين على الأرض تبدو اليوم أبعد ما يمكن عن الاندماج في المشروع الروسي وفق عقليته، وهي، في الوقت نفسه، أبعد من أن تقبل “الاضمحلال” لصالحه.
خصوصاً مع الموقف السلبي المبدئي الواضح تجاه الاتفاق النووي من الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، يبدو أن حظوظ إيران في الضغط على المجتمع الدولي بمفردها ستكون الأضعف، ما لم تنضو تحت المظلة الروسية في مجلس الأمن. وسيكون هذا الانضواء ولا شك مشروطاً بالتخلي عن سياسة “العصابات” التي تتميز بها إيران لصالح سياسة “الدولة” الروسية في سورية، وهذا يعني توافقاً مصلحياً جزئياً في أحسن الحالات. هنا، لا بد من الإشارة إلى أن إيران لا تملك ثبات الموقف الروسي وتكامله، فمواقفها مجزأة على ساحات عدة وكيانات مبعثرة في العراق وسورية ولبنان واليمن، من الأصعب عليها تحديد موقف واضح محدد من السيطرة الروسية على تحركاتها.
لم تكن روسيا أيضاً، تعوّل، بشكلٍ مفرط، على نجاح مرشحها الجمهوري. لذلك، ركّزت سياستها على قضم الجزء الأكبر من كعكة الأرض في خضم الفوضى الانتخابية، أملاً في إعداد طاولة تفاوضٍ “نصف ملائمة” للطموحات الروسية اللامحدودة، بغض النظر عن النتيجة. يبدو أن هذا التحرك الروسي العاجل والمنظم قد أكسب دولة الأسد، بشكل غير مسبوق، سياسةً واضحةً محدّدة، لطالما افتقدها، في وقتٍ تراجعت فيه، بشكل غير مسبوق كذلك، السيطرة الإيرانية التي كانت مميزة للعام 2015 على الأرض السورية. وكان الحليف الإيراني أشدّ تعويلاً على المنافسة الديمقراطية، هيلاري كلينتون، لا سيما أنها كانت ذات دور ملحوظ في الصياغة النهائية التي تكللت بإبرام الاتفاق النووي مع مجموعة الثمانية. لذلك، يبدو انقلاب موازين السلطة الأميركية اليوم في غير صالح الإيرانيين.
بعد أن كانت روسيا الشريك الأضعف على الأرض، حققت سياسة “الدخول المفاجئ” في أواخر العام 2015 نجاحاً غير متوقع، ليس فقط على مستوى السلاح الجوي الذي قدّمته لدعم نظام الأسد، بل أيضاً على مستوى تغلغلها في مفاصل الدولة السورية، تحت مسمى المستشارين الأمنيين والعسكريين والمدنيين. بدأت مؤسسات الجيش والدفاع والأمن والحكومة نفسها تكتسب نكهةً روسيةً واضحة معلنة، فلم يعد الأمر يقتصر على قواعد عسكرية، أو تنسيق لسلاح الجو الروسي مع السلطات، بل تعدّاه إلى التحضير السياسي، واختيار قوائم المتحدّثين باسم النظام والمعارضة في آن، وفرض سياسات وجداول التهدئة والمصالحة والحصار على النظام نفسه، ومن خلال مؤسساته. وبعد أن كان معظم هذه الاتفاقات يجري بشكل غير رسمي وبوساطة إيرانية، أصبحت اليوم تتم على الملأ “برعاية” روسية مع “غطاء” من الأمم المتحدة.
وفيما تتحرّك روسيا في الداخل السوري بعقلية “الدولة”، تتحرّك إيران بعقلية “المليشيات”. فما يزال الوجود الروسي في سورية، من جهة أولى، يقدّم نفسه على هيئة اتفاقات رسمية، بغض النظر عن شكلانيتها، بدءاً باتفاق نشر السلاح الجوي الروسي، وصولاً إلى اتفاق قاعدة حميميم، وليس انتهاء بتصويت البرلمان الروسي على بقاء الجيش الروسي في سورية “إلى أجلٍ غير مسمى”. أما الحليف الإيراني فلا يتضمن وجوده العسكري، في المقابل، أي أرضية رسمية، على الرغم من الاعتراف المتبادل والمعلن بوجود مليشيات مدعومة إيرانياً عديدة في أكثر من منطقة.
ومن جهة ثانية، تعمل روسيا على إرساء صورة “دولة النظام” في سورية من خلال مؤسساته، فتصبغ معظم تحركاتها بصبغته، وتضعه في الواجهة الإعلامية لصناعة الحدث الذي تقوم بتصميمه، وأحياناً تنفيذه، بنفسها. فيما تغوص التحرّكات الإيرانية أكثر فأكثر في التغريد بعيداً عن سرب الدولة السورية ونظامها، وتمعن في تقديم نفسها “بديلاً” في بعض الأحيان. إن كتائب حزب الله وألوية “الزهرائيين” و”أبو الفضل العباس” وسواها من الحلفاء الإيرانيين على الأرض تبدو اليوم أبعد ما يمكن عن الاندماج في المشروع الروسي وفق عقليته، وهي، في الوقت نفسه، أبعد من أن تقبل “الاضمحلال” لصالحه.
خصوصاً مع الموقف السلبي المبدئي الواضح تجاه الاتفاق النووي من الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، يبدو أن حظوظ إيران في الضغط على المجتمع الدولي بمفردها ستكون الأضعف، ما لم تنضو تحت المظلة الروسية في مجلس الأمن. وسيكون هذا الانضواء ولا شك مشروطاً بالتخلي عن سياسة “العصابات” التي تتميز بها إيران لصالح سياسة “الدولة” الروسية في سورية، وهذا يعني توافقاً مصلحياً جزئياً في أحسن الحالات. هنا، لا بد من الإشارة إلى أن إيران لا تملك ثبات الموقف الروسي وتكامله، فمواقفها مجزأة على ساحات عدة وكيانات مبعثرة في العراق وسورية ولبنان واليمن، من الأصعب عليها تحديد موقف واضح محدد من السيطرة الروسية على تحركاتها.
نائل حريري
صحيفة العربي الجديد