إيران والصين تعززان روابطهما العسكرية

إيران والصين تعززان روابطهما العسكرية

في الأسبوع الثالث من تشرين الثاني/نوفمبر، اختتم وزير الدفاع الصيني تشانغ وان تشيوان زيارةً لطهران دامت ثلاثة أيام، وهي الأخيرة في سلسلةٍ من التبادلات العسكرية الثنائية الرفيعة المستوى التي جرت على مدى العامين الماضيين. وسابقاً، وخلال زيارة قام بها الرئيس الصيني شي جين بينغ، كان البلدان قد وقّعا اتفاقية للتعاون الاستراتيجي بينهما أمدها خمسة وعشرين عاماً تضمنت دعوةً لتوثيق الروابط الدفاعية والاستخباراتية بين البلدين. ومن المتوقّع أن يسرّع تعيين اللواء محمد باقري رئيساً لهيئة الأركان للقوات المسلحة الإيرانية في حزيران/يونيو المنصرم هذه العملية.

وتعود العلاقات العسكرية بين البلدين إلى أوائل الثمانينات من القرن المنصرم، إلّا أنّها مرّت بفترةٍ انخفاض مستوى التعاون نتيجة العقوبات النووية الدولية على طهران. أمّا اليوم، فيستعدّ البلدان لإعادة إحياء علاقةٍ من الممكن أن تحمل تداعياتٍ جيوسياسية ملحوظة في المنطقة. وقد وصف وزير الدفاع الصيني اللقاءات الأخيرة بـ”نقطة تحوّل” في الشراكة الاستراتيجية، في حين استمرت إيران في التعريف عن نفسها على أنها الدولة الموثوقة الوحيدة الموردة للنفط إلى بكين.

وفيما يتعلق بمبادرات محددة، أفادت بعض المصادر أنّ مسؤولين في الشؤون الدفاعية ناقشوا احتمال توسيع استخدام الصين للقواعد الجوية الإيرانية ومرافق القوات البحرية في منطقة الخليج، ظاهرياً لأغراضٍ تدريبية ولوجستية. واتفق هؤلاء أيضاً على تبادل الخبرات العسكرية المكتسبة، مع ذكر عددٍ من الأمثلة كمواجهة القوات الأمريكية بحراً وجواً.

علاماتٌ أخرى على التعاون

بصرف النظر عن الاجتماعات التي جرت الأسبوع الماضي، تستمر الإشاعات حول رغبة إيران في الحصول على الجيل الثالث من الطائرات الصينية المقاتلة من طراز “تشنغدو جيه-10” وكذلك الرادارات المحمولة جواً وإلكترونيات الطيران لتجهيز التصاميم المستقبلية الخاصة بها. وفي العام الماضي، تلقى قائد القوات الجوية الإيرانية العميد حسن شاه صفي ترحيباً كبيراً في الصين، حيث زار عدداً من مصانع الطائرات والقواعد الجوية.

وبالمثل، يمكن للصناعة الإيرانية لمركبات جوية بدون طيار أن تستمدّ الكثير من المعرفة من الصين، مع استمرار بكين في الكشف عن أعداد كبيرة من الطائرات بدون طيار ذات إمكانياتٍ متزايدة. وقد تلجأ طهران إلى طلب المساعدة من الصين في تطوير تكتيكاتٍ مشتركة على غرار “حشد الطائرات بدون طيار” لإضافة بعدٍ جديد لأسلوبها الحربي غير المتناسق. وقد تساعد بكين أيضاً في تحسين أنظمة توجيه الطائرات الإيرانية بدون طيار من خلال الملاحة بالأقمار الصناعية وخطوط الاتصالات. وفي تشرين الأول/أكتوبر 2015، وقّعت شركة الدفاع الإلكتروني الإيرانية  “صا إيران” عقداً مع عددٍ من الشركات الصينية يقضي باستخدام نظام “بايدو-2” للملاحة بالأقمار الصناعية الخاص بها لأغراضٍ عسكرية. وتجدر الإشارة إلى أنّ الإشارات العسكرية الصنف لهذا النظام هي أكثر دقةً من خدمات نظام التموضع العالمي GPS المتاح تجارياً، مما يعني أنّ هذه الإشارات يمكنها أن تحسّن بشكلٍ ملحوظ استخدام إيران للملاحة بالأقمار الصناعية في صواريخها وطائراتها بدون طيار وفي أجهزةٍ أخرى.

المكتسبات البحرية والصاروخية والمدرعات المحتملة

في تشرين الأول/أكتوبر 2014، زار قائد القوة البحرية الإيرانية الأدميرال حبيب الله سيّاري الصين لطلب المساعدة في ترميم أساطيل النقل البري والغواصات الخاصة بالجمهورية الإسلامية وتحديثها. وناقش أيضاً احتمال شراء مجموعةٍ كبيرة من المعدات البحرية الصينية بما فيها الفرقاطات والغواصات والصواريخ. وقد أظهرت القوة البحرية الإيرانية من خلال تصريحاتٍ وخطواتٍ علنية عن رغبتها في أن تصبح قوة “مياه زرقاء” أساسية في المحيطين الهندي والأطلسي. وبإمكان الصين مساعدة إيران على تحقيق هذا الهدف من خلال تقديم الخبرة والتدريب على المدى القصير، وأنظمة السفن والأسلحة العصرية في المستقبل، ربما بعد رفع العقوبات العسكرية – التي فرضتها الأمم المتحدة – في أواخر عام 2020، إن لم يكن قبل ذلك (يمكنكم الاطلاع على القسم التالي لمعرفة المزيد عن هذه القيود القانونية).

وسيتناسب عددٌ كبير من الأنظمة الصينية القائمة مع حاجة إيران لقوةٍ بحرية مرنة قادرة على قيادة العمليات على الساحل كما في المياه الزرقاء، ومنها المدمرة “Type 052” و”الكورفيت C-28A” (المزودة بأربع صواريخ مضادة للسفن من نوع “C-802” ونظام الصواريخ أرض-جو “HQ-7“)، والفرقاطة “Type 054A” (التي فكرت روسيا أيضاً شراءها) والفرقاطة “Type 057” (المزودة بأنظمة أسلحة عصرية) والفرقاطة “P-18” للتصدير (المزودة بنظام الصواريخ لنقطة الدفاع وأربع صواريخ مضادة للسفن من نوع “C-803“) والكورفيت شبه الخفية والمزودة بالصواريخ من شركة “Wuchang Shipyard“. وقد تسعى إيران أيضاً إلى توسيع قدرتها في أنظمة منع الوصول/تحريم الدخول (A2AD) من خلال حصولها على قوارب صواريخ الهجوم السريع الخفية الشهيرة من طراز “Type-002” الصينية الصنع، والتي توصف أحياناً بـ “قاتلة الناقلات”. وهذه السفن الحربية الفعالة التكلفة قد تُمكّن إيران من تنفيذ دورياتها على مساحاتٍ أكبر ولفترات أطول.

بالإضافة إلى ذلك، وبصرف النظر عن العقوبات الحالية، تملك الصين تاريخاً طويلاً من التعاون مع إيران في مشاريع مختلفة للصواريخ المضادة للسفن التي تغطي نطاقاتٍ تتراوح ما بين 35 كيلومتر إلى ما يزيد عن 300 كيلومتر. وقد يرفع هذا النوع من التعاون بقدرات إيران إلى مستوىً جديد إذا أرسلت بكين أي من الأجيال الجديدة لصواريخها الأسرع من الصوت مثل “CM-302” و “CX-1” (التي يمكن أن تصل إلى 290 و280 كيلومتر، على التوالي، ومصممة لاستهداف مجموعات قتالية على الناقلات بفضل أجهزة البحث المتقدمة فيها) أو “YJ-22” (نسخة الهجوم الأرضي من صاروخ “C-802” وبنطاق 400 كيلومتر). وهذه الأسلحة مثاليةٌ بالفعل لحظر الدخول إلى منطقة الخليج. وقد تحدثت إيران مؤخراً عن اللجوء إلى الصواريخ الأسرع من الصوت لأهداف منع الوصول/تحريم الدخول، ولكن من غير المعروف ما إذا كانت قد طوّرت مثل هذا النوع من القدرات.

وقد تستفيد القوات البحرية الإيرانية أيضاً من التكنولوجيا الصينية (والروسية) من أجل تجهيز تصاميم السفن الخاصة بها وتحديثها. وتميل طهران إلى تفضيل الاكتفاء الذاتي و[قطاع] البحث والتطوير المحليين لبناء أسطولها، إلّا أنها أنتجت حتى الآن سفن مبنية على تصاميم قديمة تفتقر للمعدات المتقدمة الفعالة كأنظمة الدفاع الجوي المتعددة الطبقات. وقد دفع ذلك بالقوات البحرية إلى إعادة استخدام الأنظمة القديمة من سفن قابعة. ونظراً لتزايد التعاون الصيني ورغبة طهران في الحفاظ على صناعةٍ ناجحة للسفن، قد يقرر الإيرانيون التخلي عن أنظمتهم المكررة والبحث عن أجهزةٍ صينية عصرية (كنظام الدفاع الجوي للصواريخ “FL-3000N/HHQ-10“) من أجل تعزيز قدرات تصاميم السفن الحربية الإيرانية.

وتعمل القوات البحرية الإيرانية أيضاً منذ عدة سنوات على تطوير ثلاث غواصات مختلفة متوسطة الحجم، وقد تدل التأخيرات المتكررة في إنتاجها إلى مشاكل في دمج الأنظمة والموثوقية. لذلك، قد تسعى إلى الحصول على غواصاتٍ صينية مصممة خصيصاً على غرار سفينة من فئة “Yuan” المزودة [بمحركات] الدفع المستقل الهوائية (AIP) وهو نظامٌ أكثر هدوءاً بالمقارنة مع غواصات روسية من فئة “Kilo” التي تستخدمها إيران في الوقت الحالي. وتقدم الصين نسخةً متقدمة من سفينة “Yuan” للتصدير لكنها اقتصادية التكلفة ومزودة [بمحركات] الدفع المستقل الهوائية، فضلاً عن طراز “Type 039C” الذي شهد عدداً من التحسينات وطراز “S20” الأصغر (الذي سعت باكستان للحصول عليه). وإذا اختارت إيران أن تستمر في “نموذج الشراكة الاستراتيجية” التي حددها مؤخراً وزير الدفاع حسين دهقان ورئيس هيئة الأركان للقوات المسلحة الإيرانية محمد باقري، من المحتمل أن تسعى إلى الجمع ما بين تصاميم الغواصات الروسية ذات الهيكل الواحد وتكنولوجيا الدفع المستقل الهوائية الصينية من أجل تحسين تطويرها الخاص للغواصات.

ويمكن للغواصات الصينية أيضاً أن تطلق ما يصل إلى عشر صواريخ كروز، والتي قد تضم لدى القوات الإيرانية صاروخ “سومار”، وهو نسخة من الصاروخ الروسي “Kh-55” بنطاقٍ نظري يصل إلى 2500 كيلومتر – إذا افترضنا أنّ البحرية الإيرانية قادرة على استخدام هذه الصورايخ على الغواصات ويسمح لها القيام بذلك. وبينما لا يمكن التأكيد أنّ إيران قادرة على نشر صاروخ “سومار” في عملياتها قريباً، إلا أن هذا النوع من التطوير قد يعطي قواتها البحرية قدرةً حقيقية على الهجوم البري. وكبديل لذلك، يمكن أن تسعى إيران إلى تسليح غواصاتها بالصواريخ الصينية المضادة للسفن من طراز “CM-708UNB” التي يبلغ نطاقها 290 كيلومتر.

ومن الضروري الانتباه أيضاً إلى الحرب البرية. فالروابط مع الصين قد تعطي إيران فرصة تفحّص تصاميم دبابات صينية عصرية أو شراءها أو حتى تجميعها على غرار الدبابة “MBT 2000” أو الدبابة “MBT 3000 (VT-4)” المتطورة جداً. وينطبق ذلك أيضاً على ناقلات الجنود المدرعة الحديثة، التي لم تتمكن إيران بعد من تطويرها محلياً.

العقبات الدولية

عندما تم تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231 في كانون الثاني/يناير، تطلّب ذلك حصول جميع الدول الأعضاء على موافقة المجلس قبل بيع أي سفن حربية أو طائرات مقاتلة أو أنظمة صواريخ أو دبابات لإيران لمدة خمس سنوات. وعند انقضاء تلك الفترة، لن يتم فرض أي قيود على شراء إيران للأجهزة الحربية من بلدانٍ على غرار الصين.

وفي غضون ذلك، تأمل طهران في الإتقاء من التدخل الخارجي من خلال انحيازها بشكل وثيق مع قوةٍ عالمية كالصين، التي غالباً ما يعتبرها الإيرانيون شريكاً استراتيجياً أكثر موثوقية من روسيا. ولم يتم بعد قبول إيران في “منظمة شانغهاي للتعاون” التي تتزعمها بكين كعضوٍ كامل، وبالتالي يبقى التعاون العسكري العميق الذي يأتي مع العضوية بعيد المنال في الوقت الراهن. إلّا أنّ الاجتماعات الأخيرة الرفيعة المستوى مع الصين تشير إلى أنّ ذلك قد يتغير قريباً. بالإضافة إلى ذلك، إن تعزيز التعاون النفطي بين البلدين قد يسمح لإيران بشراء أسلحةٍ جديدة ورئيسية مقابل النفط.

الخلاصة

شدّدت تقارير جديدة لـ “وكالة أنباء فارس” الإيرانية شبه الرسمية على اهتمام طهران الكبير بتوسيع قدراتها البحرية وصولاً إلى الجهة الغربية من المحيط الأطلسي. إلّا أنّ معداتها الحالية بالكاد تسمح لها بوجودٍ ملحوظ ومستدام هناك. لذلك، يبدو أنّ المسؤولين الإيرانيين يولون الأولوية الكبرى لتعزيز التعاون البحري مع الصين بشكلٍ خاص. ونتيجة لذلك، يمكن للمرء أن يتوقع زيادة التبادلات البحرية والمناورات المشتركة، وربما حتى تبادلاتٍ لمنشآت تمركز مؤقتة في المستقبل. ويبدو إنّ إيران مصرةٌ أيضاً على بناء أسطولٍ غواصات لإطلاق الصواريخ – ربما مع الاستعانة بالمساعدة الصينية – لمواجهة أسطول الغواصات الإسرائيلي الاستراتيجي المتوسع. إلّا أنّه بعكس صفقات الأسلحة الإيرانية البارزة مع روسيا، من المتوقع أن يبقى أي اتفاق من هذا النوع مع الصين في غاية السرية في الفترة المقبلة.

وعلى نطاقٍ أوسع، في حين وُصفت اتفاقية الدفاع بين طهران وبكين كمركّزة على العمليات، فإنها قد تمهّد الطريق لقيام تعاونٍ استراتيجي أكبر. ويشمل ذلك حصول إيران على أسلحةٍ متقدمة من الصين بعد أن يتم رفع القيود الحالية في غضون سنوات قليلة، وكذلك تحسين أنظمتها القائمة، وهما أمران قد يكمّلان جهودهما المشتركة في التدريب والمناورات العسكرية. ويقيناً، من المتوقع أن تنتهج الصين موقفاً أكثر حذراً من روسيا التي تدخلت مباشرةً في المنطقة نيابةً عن حليف طهران السوري وتتعاون اليوم مع قواتٍ حليفة لإيران على الأرض. إلّا أنّ بكين على استعداد تام لمنح إيران شراكة استراتيجية أوسع وأسلحة تقليدية قوية وتقنية جديدة. ونظراً للصناعة العسكرية المحلية الكبيرة في إيران، فحتى المساعدات الصينية المحدودة قد تساهم بشكلٍ ملحوظ في تحسين الموقف العسكري الإقليمي للجمهورية الإسلامية على المديين المتوسط والبعيد.

فرزين نديمي

معهد واشنطن